الكلمة والالتزام الإسلامي

16 مارس 2016 17:27
الشيخ زحل يتحدث عن: ظلم سوريا وقضية الصحراء وموقف الجزائر والأمم المتحدة!!

الشيخ محمد زحل

هوية بريس – الأربعاء 16 مارس 2016

الكلمة هي أقوى سلاح يغزو العقول، ويهز القلوب، ويستجيش المشاعر وكانت ولم تزل أفضل الوسائل لتحقيق التواصل والتفاهم وتعميق المبادئ ونشر الأديان وتأصيل الحضارات، وبلورة الآداب والفنون والهيمنة على حركة التاريخ، وقيادة البشر بحيث تصبغهم الصبغة المقصودة فتعمل على تشكيل سلوكهم، وتؤثر في طريقة تفكيرهم، وأساليب عيشهم، وترسم الغاية التي ينتهي إليها السباق، ويمتد إليها الطموح والاشتياق.

سر استخلاف الإنسان:

لكل هذه الاعتبارات، جعل الله الكلمة سر تفوق الإنسان، وتأهيله لعمارة الأرض، وخلافة ربه فيها، ألم تر أن الله تعالى أقنع الملائكة حين راجعوه في قضية استحقاق الخلافة، وعللوا ذلك بنوسمهم في الإنسان طبيعة البغي والفساد، أقنعهم بأن هذا الإنسان يملك الكلمة، وهي سر الوجود ودولاب الحضارة، وأساس العمران، قال سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (1).

الكلمة منبع الخير أو الشر:

وعلى جسر الكلمة ومن خلال جرسها مرت المبادئ والقيم، وتفاعلت الحضارات المختلفة وبإيحاء الكلمة امتد الخير أشواطا، وعبر آفاقا.

وبالكلمة الآثمة الخائنة أيضا فعل الشيطان فعله في النفوس، فكانت له في دنيا الناس مآس ومخزيات، وعلى حصون الفضيلة والخلق هجمات شرسات.

الكلمات القدرية والشرعية:

ولله سبحانه وتعالى كلمات قدرية أمسك بها الكون، وأقام بها أعلام الهدى، وأجرى عليها السنن.

وله –سبحانه- كلمات أخرى شرعية، أقامها على دعامتين الصدق في الأخبار والعدل في الأحكام كما قال جل شأنه ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾(2).

فالله سبحانه وتعالى قد التزم في كلماته التي هذبت الإنسان وأنارت له الطريق، ورسمت معالم الحضارة ومشت بها مواكب النور على توالي الأجيال واختلاف العصور، وتقلب الدهور ثلاثة مبادئ:

الشمول – الصدق – الإنصاف.

الداعية والكلمة:

وفي اعتقادي أن الداعية الذي يحمل كلمات الله ويترجمها ينبغي أن يلتزم بما التزم الله به، فلا بد لكي يكون للكلمة وزنها وتأثيرها من شمولها وصدقها وإنصافها، أما الشمول فنعني به الاستيعاب والدقة، وجمال التصوير وإفراغ المعنى الجيد في القالب المناسب، ونقصد بالصدق تحري الحق وعدم المجازفة بالآراء والاتهامات فنحن أمة الصدق مأمورون بالتزامه، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (3) ﴿فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ (4) ونريد بالإنصاف أن نستعلي على الأهواء والمصالح، ونتجاوز العواطف ماخلا مشاعر الإيمان فإنها وثيقة الصلة بالحق، والحق لحمتها وسداها فنقيم الشهادة لله ولو آذتنا، ونقول الحق ولو على أنفسنا، ونرعى ذمة الله وذمة الحق، فلا نغلو ولا نظلم ولا نتهم، ولا نبخس الناس أشياءهم غير عابئين مع الحق أن تقر أعين الأعداء، أو يغتاظ الأصدقاء. بهذه الصورة يرتكز الإنصاف في حس المؤمن، فيصبح جزءا من كيانه، وأثرا لإيمانه، فكذلك علمه ربه: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (5) ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ﴾ (6).

المبدأ الملتزم:

هذا نهج نخطه لأنفسنا، ومبدأ نرسم معالمه، ونصمم العزم على الالتزام به منذ البداية، وعدم التفريط فيه لحظة واحدة، ونطالب كل من تعامل معنا أو راسلنا أن يلتزم النهج نفسه، لأن الكلمة إذا خامرها الريب، أو خالطها الزيف، ذهب رواؤها وفقدت روحها وفعاليتها، فانصرف الناس عنها طالبين غيرها، يلتمسون السكينة لأنفسهم، والرضى لقلوبهم، وحسبك بهذا الصدد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة». ( الترمذي وصححه)

الاعتراض والرد:

ولقائل أن يعترض: كيف تطالبنا بالتزام هذا النهج من جانب واحد؟ والذين يملأون الساحة، ويملكون وسائل الإعلام وأدوات التوجيه ليست لهم أخلاق نظيفة، بل يجازفون بالكلمة مجازفة لا تعرف حدودا، ولا قيودا.

أقول: لأننا أصحاب حق، نستمد قوتنا من حقنا الأصيل، فلا نحتاج إلى الأخلاق والتدجيل، والخداع والتضليل، بينما يستشعر الآخرون الضعف، ويوقنون أن باطلهم المتحامل على نفسه لا ينهض إلا إذا دعموه بفنون من الطلاء المموه، والتهريج الكاذب البراق، وقد يخفى على الناس هوس الدجالين، وأراجيف المبطلين مدة تطول أو تقصر حسب فن العارض، وفطنة المعروض عليه، فينخدعون بتلك الأباطيل التي راجت عليهم على حين غرة، وفي فترات غفوة، ألم تر أن الناس كانوا ردحا طويلا من الدهر قد خدعوا بعبدة العجل الأحمر، فراحوا يصفقون لهم معجبين، بينما لفقوا التهم لرواد الدعوة وحملة الإسلام، يلمزونهم بالجمود والرجعية والعمالة والتبعية لهذه الجهة أو تلك فلما هوى الصنم، وانتكست أعلامه في الشرق العربي، وظهرت هزائمه ومخازيه، ولمعت في الأفق بوادر الصحوة الإسلامية، وظهرت بطولاتها في مواقع شتى من الأرض، انحسر ذلك الهم الثقيل واختفت من قاموس الإعلام ألفاظ الجمود والرجعية والتزمت لتحل محلها كلمات: التطرف والعنف والإرهاب، لأن عبدة العجل بهرهم نور الحق وأغشت أعينهم بوارق الفجر فخرسوا إلى حين أو استبدلوا سبابها بسباب.

مثل الحق والباطل:

فشتان إذن بين حق مركوز في الفطر السليمة يوافق نواميس الوجود ولا يعاكسها، تشهد له الأصالة وتدعمه، وتخضع لقوته العقول وتستسلم له، وتستشفه الأرواح وتسعد به، وباطل مهزوز لا يقر قراره، له بريق ويهرج لكنه كلمعان السراب يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، والقضية كما ضرب الله لها المثل في التنزيل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء﴾ (7).

الإعلام بين جاهليتين:

والبشرية الفخورة اليوم بإبداعها المادي، المزهوة بحضارتها في عالم الأشياء لا القيم، يقوم إعلامها في عمومه على الكذب والاختلاق، كما تستأثر قوى الطغيان العالمي بتوجيهه واستثماره، ولا تتورع -رغم ادعاء الموضوعية- عن طمس أحداث معينة تعمد إفراغها من محتواها، أو تحريفها عن مسارها بتعليلات مقصودة، هذا شأن الجاهلية الحديثة المسيطرة اليوم.

بينما كانت شقيقتها جالية العرب المناهضة للإسلام في عصر النبوة وفترة صاحب الدعوة أكثر استحياء في هذا الصدد، لأنها كانت تتورع عن الكذب الصراح حتى لو جلب إليها نفعا سياسيا أو كسبا ماديا «ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارا بالشام فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان فقلت أنا أقربهم نسبا، فقال هرقل: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه قل لهم: إني سائل هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، قال أبو سفيان: فو الله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه».

فرغم كل العداء الذي كان بين أبي سفيان ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يستطع أبو سفيان الكذب حياء من أن يشاع عنه الكذب بمكة فهي جاهلية لها خلق.

صون الألسنة في مجتمع الإسلام:

ولقد كان الإسلام صارما في التدابير التي سنها لصيانة المجتمع من التشويش والبلبلة عن طريق اختلاق الأخبار، وإشاعة الأكاذيب أو اللغو في الإعراض والطعن في الحرمات، فبادر منذ لحظات الاستجابة الأولى بإلزام أتباعه بصدق اللهجة وضبط الألسنة، حتى يطهر الجماعة من القذفة المريبين والكذبة الفاتنين، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصا أن يكون من بنود البيعة على الإسلام، بند تضبط به الألسنة ويحول بينها وبين الانطلاق بغير عواصم تعصمها عن البهتان، فقد روى البخاري في كتاب الإيمان من جامعه الصحيح بسنده عن أبي إدريس الخولاني أن عبادة بن الصامت -وكان يشهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة- أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وحوله عصابة من أصحابه- «بايعوني ألا تشركوا بالله شيئا، ولا ترقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه قال عبادة: فبايعناه على ذلك».

وشروط هذه البيعة هي نفسها الواردة في سورة الممتحنة في قوله جل ذكره: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(8)، ودارس السيرة يعلم أن هذه الأمور من أوائل ما بايع عليه الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولتنفير المسلم من الزيف وقلب الحقائق وتكريه الإفك إلى نفسه قرن الإسلام بين رجس الوثنية وقول الزور وأمر باجتنابهما معا حتى يرتكز في حس المؤمن بهذا الدين أنهما وجهان لمقت واحد. ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (9).

والوعي بالمراقبة من الله وحراسة حفظته اليقظين الذين يبتدرون الكلمة تسجيلا وحفظا ملفوظة ومكتوبة يزيد المسلم حذرا وضبطا. ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ (10) ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (11) وفي الحديث الصحيح «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا».

وتناقل الكلم من غير شعور بتبعته ولا تحر لمصدره وتثبت من ناقله، خلق لا يرضاه ديننا ولا يقره، روى البخاري في الأدب من حديث وراد مولى المغيرة عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنع وهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال».

الوقاية من القذف:

و حين تحدث الكلمة أثرا سيئا يفسد سمعة مؤمن، ويخدش حرمته، ويلطخ عرضه، يقف الإسلام بحزم متصديا للإفك، فإما أن يثبت القاذف ما ادعى وأشاع فيأتي بأربعة شهود ليطهر المقذوف بالحد ويحسم الأمر وتخرس الألسنة، أو يعجز عن دعم بهتانه ببينة شرعية فيقام الحد عليه بصفته قاذفا بغير حق ويوصم بالفسق، وتهدر شهادته بين الناس بعد ذلك، فلا يبقى له وزن ولا قيمة، ولا تعتبر أقواله وآراؤه أبدا حتى ولو تاب عند جماعة من العلماء، وهو عقاب صارم حازم، يلقم الكذبة أحجارا، ويحيلهم في نظر الناس أغمارا، ويقطع ألسنتهم عن اللغو في أعراض الناس فترتاح النفوس وتسلم الصدور، وتأمن الجماعة فيشيع الصدق والوفاء، وتتأصل العزة والإباء، وتستأصل جذور الشر، حتى إذا روج للإفك بعد مروج، جاء الرد من قبل الألسنة النظيفة التي تعرب عن سمو الشعور في القلوب الطاهرة ﴿مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ً﴾ (12).

إغلاق الباب دون الجدل:

وعندما يكون ظاهر الكلمة الجد وطلب الاستفادة وباطنها يدل على العبث، ويوحي بالجدل المريض والفلسفة المتطرفة، فإن الإسلام يستبعدها مخافة أن ينشأ في الأمة جدليون بطالون يحترفون الكلام، ويتثاقلون عن العمل، لا يقدمون نفعا، ولا يشاركون في إصلاح، بل ربما انتقلت عدوى الجدل منهم إلى غيرهم من ذوي النشاط الحي، فهذا داء خطير، ومرض وبيل يعالج في حينه ويحسم وقت ظهوره، لما روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».

وفي السنن من حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» ومعنى زعيم: ضامن وكفيل.و معنى ربض: فناء الجنة، والكف عن السؤال العابث الذي لا مصلحة فيه ولا فائدة أفضل من الإدلاء به، لأنه ضياع للوقت، وشغل للناس في غير طائل ولذلك نهى الله عباده المؤمنين عنه فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ (13).

وبعد: فذاك وزن الكلمة في الإسلام وثقلها وتلك مكانتها ووظيفتها وقد آن للمسلمين أن يعتصموا بمنهج سلفهم الصالح فيقدرونها حق قدرها، ويستشعرون التبعة من بين يديها ومن خلفها، صادعين بالحق، مجاهرين بالصدق لا يحابون صديقا، ولا يداهنون عدوا، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (14).

والسلام عليكم ورحمة الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1) البقرة :29-32.

2) الأنعام:116.

3) التوبة:120.

4) محمد 2:2.

5) الأنعام:9.

6) النساء:134.

7) إبراهيم:26-29.

8) الممتحنة:12.

9) الحج:28.

10) الإنفطار:10-12.

11) الإسراء:36.

12) النور:16.

13) المائدة:103.

14) الأحزاب:70-71.

مجلة الفرقان العدد:1 / السنة الأولى / (رمضان- شوال) 1404ﮬ / ( يونيو-يوليوز) 1984م.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M