الكنبوري: من لا يؤمن بأن الأوبئة والكوارث من سنن الله في الكون فعليه أن يعيد النظر في عقيدته

24 مارس 2020 23:13

عابد عبد المنعم – هوية بريس

كشف د.إدريس الكنبوري بأن “هناك فرقا واسعا جدا بين الاعتقاد بالخرافات والإيمان بالغيبيات، المسلم يؤمن بالغيب لكنه لا يعتقد في الخرافة. ولكن المصيبة أن بعض الناس تختلط عليهم الأمور، فيخلطون بين الخرافة والغيب، ويظنون أن المسلمين كلهم يعتقدون في الخرافة بينما هم يؤمنون بالغيب، وعندما يسمعون أحدا ينادي بالغيب يعتقدون أنه ينادي بالخرافة، فالمشكلة إذن عندهم لا عند المسلمين. وماذا تفعل لمن لا يميز بين الذئب وابن آوى؟

وأضاف في تدوينة له بعنوان “الأوبئة والقرآن” “الحقيقة أن خلط هؤلاء بين الغيب والخرافة يدل على شيء واحد، هو أنهم يعتبرون أن الغيب خرافة. بكل بساطة.. فأولا كل مسلم لا يؤمن بأن الأوبئة والكوارث وما يلف لفها من سنن الله في الكون عليه أن يعيد النظر في عقيدته، فهي مخرومة. نحن المسلمين نؤمن بالقرآن، ونؤمن بأن كثيرا مما يحدث قد يكون له علاقة بسلوك الإنسان في الكون، وقد جاء في القرآن الكثير من مثل هذا، مثل قوله تعالى: “وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم”، و”ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب”..

والقرآن ضرب لنا عشرات الأمثلة التاريخية عن الشعوب السابقة التي سلط عليها الله الأوبئة والكوارث عقابا لها، مثلما حصل مع قوم صالح وقوم هود ومع بني إسرائيل…إلخ.

والتقدم العلمي، مهما كان، لا يمكن أن يجعل المسلم يكفر بهذه الحقائق، ولكن عليه أن يبحث في الوسائل للعلاج. ليس هناك عقل يقول إن الأوبئة حين تنزل بشعب معين عليه أن يقعد منتظرا الفرج، لأنها عقاب رباني، هذا كلام لا يعتقد فيه سوى الحمقى والمجانين، وطبيعة المسلم أنه عاقل لا مجنون. لكن القضية فيها تدقيق: يؤمن المسلم بأن الوباء من سنن الله، لكنه يؤمن في نفس الوقت أن العلاج مزدوج، علاج مادي عليه أن يبحث عنه بحسب مستواه العلمي الذي وصل إليه، وعلاج روحي أو ديني وهو اللجوء إلى الله. هذا هو الفرق بين المسلم وغير المسلم. والسبب أن المسلم يؤمن بأن الوسيلة المادية، مهما بلغت، لا يمكنها أن تنجح دون توفيق من الله”.

في هذا الصدد ضرب الباحث في قضايا العنف والتطرف مثلا حيا ملموسا يخاطب العقل تماما، وقال “نأخذه من فرعون وموسى وبني إسرائيل، والقصة موجودة في القرآن والتوراة. معروف أن المصريين في عهد الفراعنة كانوا في قمة التقنية والمعرفة العلمية، المتحصلة في ذلك العصر. فقد تفوقوا في الطب، بل وصلوا القمة في فن التشريح والتحنيط، كما تشهد جثت الفراعنة في علم المصريات. وفوق ذلك وصلوا القمة في العمران والبناء، بدليل الأهرامات، بل إن هذا التفوق العلمي جعلهم يؤمنون بأن العلم يقهر الدين، ويمكنني القول بكل سهولة بأن فرعون والنخبة المصرية في تلك الفترة سبقت أصحاب النزعة العلموية Scientisme التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر وكانت تقول بأن العلم هو البديل عن الدين وهو الذي سيكشف كل الحقائق في الكون ويقضي على جميع الأمراض، وهو الذي يلجأ إليه الإنسان حين يعجز وليس إلى الدين.

ذلك أن فرعون قال لوزيره الأعظم هامان: “فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى”، وفي آية أخرى قال:”يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا”، فقد طلب من وزيره الأعظم أن يبني له برجا عاليا يوصله إلى السماء ليطلع هنالك إلى رب موسى فينظر إليه. وهذا يدل على أن المصريين وصلوا قمة التصنيع والعلم، لأنه من غير الممكن أن يطلب زعيم الدولة من وزيره شيئا ويعرف أنه غير ممكن التحقق. ولقد كانت هذه أقبح نزعة علمية في التاريخ على الإطلاق.

فما الذي حصل؟ لقد أرسل الله عليهم الأوبئة، قال تعالى:”فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات”. القرآن كما هو معروف لم يحدثنا عما حصل بعدها، لأن مقصده العبرة لا الخبرة، لكننا بعقولنا اليوم نعرف أن فرعون والنخبة العلمية لجأت إلى العلم والطب لرفع البلاء والقضاء على الوباء، ولقد قضوا فترات طويلة يبحثون عن العلاج، وربما لجئوا إلى بلدان أخرى اعتقدوا أنها أكثر تفوقا. ولكن عندما عجزوا عن إيجاج لقاح، عادوا إلى موسى مقتنعين بأن هناك ربا، وإن كانوا اعتقدوا أنه رب موسى فقط لا رب الجميع، قال القرآن:”ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل”، لقد اقتنعوا أخيرا بما قلناه في البداية، أن العلاج فيه شقان، شق مادي وشق روحي، ولقد جربوا الشق المادي وكانوا في غاية التفوق فيه، لكنهم عجزوا لأنهم لم يختاروا الشق الثاني، إلى أن اضطروا إلى استعماله والرجوع إلى موسى عليه السلام”اهـ.

تجدر الإشارة إلى أن بعض الناشطين حاولوا خلال هذه المرحلة الهجوم على شعيرة الدعاء، واتهام المسلمين بالخرافة، وكأنهم ينكرون البحث العلمي أو يعارضونه.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M