المد النبوي أثارة من علم

18 مايو 2020 10:15

هوية بريس – رضوان نافع

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على رسول الله و آله وصحبه ومن والاه.

بمناسبة زكاة الفطر يكثر السؤال عن مقدار الزكاة بالمكاييل والموازين الحديثة، فرايت ان أفيد إخواني في هذا الامر بناء على أثارة من علم تفضل الله بها على عبده.

لقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير) [متفق عليه]. وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (كنا نعطيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط) [متفق عليه].

و قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (وكان طعامنا يومئذٍ الشعير والزبيب والتمر والأقط) [صحيح البخاري].
فهذه الأحاديث تدل على وجوب الصاع من طعام البلد وغالب قوت أهله.

والصاع و المد من المكاييل الشرعية التي يحتاجها المسلمون في إخراج الفدية والكفارات وزكاة الفطر و زكاة الزروع و غيرها.

والأصل أن الصاع والمد كانا مكيالين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد توارثهما الناس بعده جيلا بعد جيل.
والصاع أربعة أمداد، والمد يقدر بملء كفي الرجل المعتدل، وهذا تقريب و تيسير على الناس وإلا فخلقة من عاش قبل 1400سنة تختلف بقدر معين عنه اليوم، والخلق لا زال في تناقص كما في الأثر.

ولذلك كان توارث الناس لهذه المكاييل من زمن النبوة في مجتمع المدينة، ومنها إلى باقي أقطار الدولة الاسلامية عن طريق عدل المكاييل الجديدة على المكاييل العتيقة المتوارثة أثر مهم في الحفاظ على مقدار هذه المكاييل، و هو أدق من التعويل على التقريب بما تحمله كفا الرجل، لا سيما أن المسلمين اهتموا بنقل هذه المكاييل بطريق الرواية، فهي أثارة من علم يستأنس بها إلى جانب ما أصله الفقهاء في ذكر مقاييس هذه المكاييل وبدقة كبيرة حتى قاسوها بوحدة الشعرة.

و الصاع الوارد في النصوص الشرعية هو صاع أهل المدينة ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يكيل بمكيال أهل المدينة و يأمر باعتباره في الأحكام الشرعية كما في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ” المكيال على مكيال أهل المدينة والوزن على وزن أهل مكة” أخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح .

ومما يبين اهتمام الفقهاء بهذا الأمر ما أثر عن أبي يوسف القاضي حين ترك قول إمامه أبي حنيفة في تحديد مقادر الصاع لقول أهل المدينة .

أخرج البيهقي في سننه عن الحسين بن الوليد قال : (( قدم علينا أبو يوسف من الحج فأتيناه .

فقال : إني أريد أن أفتح عليكم بابًا من العلم همني تفحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع .

فقالوا : صاعنا هذا صاع رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ .

قلت لهم : ما حجتكم في ذلك ؟

فقالوا : نأتيك بالحجة غدًا .

فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخًا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه كل رجل منهم يخبر عن أبيه أو أهل بيته أن هذا صاع رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فنظرت فإذا هي سواء قال فعايرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان معه يسير فرأيت أمرًا قويًّا .

فقد تركت قول أبي حنيفة في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة . ))

و قال ابن حزم في المحلى : (( و المعترض على أهل المدينة في صاعهم ومدهم كالمعترض على أهل مكة في موضع الصفا و المروة . ))

فإن صح السند الذي تحمل به هذا المد كان هذا من أصح التقديرات، مع أنه يمكن الاستغناء باستفاضة نقل هذه الأمداد عن التدقيق غي أسانيدها، وكانت الأجيال تتناقلها دون الحاجة إلى إسناد.

وقد وقع لي المد النبوي بسنده من طريق شيخي يحيى بن عثمان المدرس – أمد الله عمره في الصالحات- و هو مد معدول بالتسلسل بمد الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه، وهذا المد هو الذي كان عند النبي صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة في زمنه وبعده صلوات ربي وسلامه عليه.

وقد وزنته بالأوزان الحديثة كما وزنه غيري ممن وقع له من نفس الطريق، فكانت الموازين متساوية والحمد لله.

وأشير أولا أن الصائغ الذي يقوم بصنع هذا المد يقيس المد بالمللتر حتى يكون دقيقا، فقياس المد النبوي هو 820 مللتر و الصاع3280 مللتر، ثلاث لترات ومائتان وثمانون مللترا تقريباً.

وهذا أدق في عدل هذه المكاييل لأن وزن الأطعمة يختلف من جنس لجنس ومن نوع لنوع.

وقد وزنا أربعة أمداد بالمد النبوي(صاعا) من أجناس مختلفة من الأطعمة فكان وزنها متفاوتا، وإليكم وزن بعض الأجناس التي تغلب على أقوات الناس ويكثر إخراج زكاة الفطر منها، فأذكر نوع الطعام وبعده وزن الصاع منه بالكيلو:
أرز عادي 2.700 كيلو
أرز ممتاز (گلاصي)2.600 كيلو
قمح 2.800 كيلو
دقيق البر 2.050 كيلو
دقيق ممتاز 1.760كيلو
شعير 2.340كيلو
تمر سكري 1.850كيلو
تمر بلدي(بوفقوص) 2.400كيلو
تمر بلدي2(بوسليخن)1.840كيلو
وهذا تقريب لهذه الموازين بشكل كبير، ويمكن أن تختلف الموازين قليلا بالنظر لوضعها داخل المد وجودة كل صنف.
و الذي ينبغي أن يحرص الناس على تداول هذه المكاييل التي ترتبط ببعض عباداتهم، و لم لا يكون لكل أسرة مدها وصاعها الخاص كما كان في سالف الأزمان، و من باب التيسير يمكن الاستعانة بالقياسات التي ذكرت آنفا وصنع مد خاص، فكل إناء سعته 820 مللتر يمكن اتخاذه مدا، وكل إناء سعته 3280مللتر يمكن اتخاذه صاعا، وإذا تعذر هذا فلا أقل من الاستعانة بما ذكر من الوزن، فتضع 2.800كيلو من القمح مثلا في إناء مناسب للكيل و تقطعه أو تعلم عليه فتتخذه صاعا، ويمكن استعماله بعد ذلك في كيل أي جنس اتفق لك لإخراج الزكاة أو الكفارة أو الفدية.

هذا والله أعلم، و صلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M