«المساء»: مرسوم فصل «التكوين عن التوظيف» يغازل مؤسسات التعليم الخاص

27 يناير 2016 20:19
«المساء»: مرسوم فصل «التكوين عن التوظيف» يغازل مؤسسات التعليم الخاص

هوية بريس – متابعة

الأربعاء 27 يناير 2016

أية علاقة بين معركة الأساتذة المتدربين بشأن مرسومي حكومة بنكيران، وبين التعليم الخصوصي، خصوصا ما يتعلق بمرسوم فصل التكوين عن التوظيف؟

تقول الحكومة إنها لن توظف مستقبلا خريجي مراكز مهن التربية إلا بحسب الخصاص التي تعاني منه المدرسة المغربية، وبحسب المناصب المالية المتوفرة. فيما سيكون مصير البقية هو البحث عن شغل بداخل مدارس التعليم الخصوصي.

وهو ما يعتبره الأساتذة المتدربون غير مضمون لأكثر من سبب. ولذلك يواصلون معركتهم اليوم رغم أن الحكومة أعلنت بشكل قطعي عن عدم استعدادها للتراجع عن هذا المرسوم. إضافة إلى مرسوم التقليص من منحة التكوين.

الكثيرون حسب يومية “المساء” (ع:2890)، يربطون بين ما أقدمت عليه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، ومن ورائها حكومة بنكيران، وبين الخطوة التي سبق أن اتخذها السيد رشيد بلمختار حينما هدد بمنع أساتذة التعليم العمومي بالاشتغال في مدارس التعليم الخصوصي.

حدث هذا في فبراير من السنة الماضية حينما حمل مقرر تحت عدد 15 مؤرخ بـ4 فبراير 2015 الحسم في إشكالية الترخيص لمدرسي التعليم العمومي لإعطاء ساعات إضافية في مؤسسات التعليم الخاص، في أفق المنع بشكل نهائي في أفق موسم 2016/ 2017.

ومن يومها بدا أن وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، قد فتح حربه ضد الساعات الإضافية سواء تلك التي كان يقدمها بعض المدرسين بمؤسسات التعليم الخاص، أو بمقرات سكناهم. وهي الخطوة التي صفق لها آباء وأولياء التلاميذ خصوصا حينما ترتبط هذه الدورس بنقط المراقبة المستمرة التي يصبح معها التلميذ رهينة أستاذه. غير أن هذا المقرر كان قد نص على أن تستفيد مؤسسات التعليم الخصوصي المزاولة لنشاطها التربوي بشكل فعلي قبل دخول هذا المقرر حيز التنفيذ، من فترة انتقالية مدتها ثلاثة مواسم دراسية تنتهي بانتهاء الموسم الدراسي 2016/2017 ، وذلك من أجل تمكينها من اتخاذ الإجراءات اللازمة للتوفر على هيأة قارة للتدريس.

وظل يسمح لهذه المؤسسات خلال هذه المدة، بالاستعانة بخدمات الأساتذة التابعين للتعليم العمومي، شريطة أن لا يتجاوز عددهم نسبة 20 في المائة من مجموع الأستاذات والأساتذة العاملين بسلكي التعليم الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي بكل مؤسسة للتعليم المدرسي الخصوصي، والحصول على ترخيص بذلك من الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. وكان المقرر أن الوزارة لن تتوانى في اتخاذ العقوبات التأديبية الجاري بها العمل في حق كل إطار من أطر هيأة التدريس وهيأة التفتيش ثبت أنه أنجز ساعات عمل إضافية بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، وكذلك في حق كل مؤسسة للتعليم المدرسي الخصوصي ثبت في حقها أنها استفادت من خدمات أي إطار من أطر التدريس والتفتيش. هذه هي الخلفية التي تكون قد حركت حكومة بنكيران لاتخاذ قرار منع التكوين عن التوظيف لمنح مؤسسات التعليم الخصوصي فرصة الاستفادة من الأساتذة الذين استفادوا من التكوين والذين لم يلتحقوا بمؤسسات التعليم العمومي. وهو الاختيار الذي لم يقنع هؤلاء المضربين اليوم الذين يواصلون معركتهم.

تعترف وزارة التربية والتعليم أن التعليم الخصوصي ساهم في حل مجموعة من الإشكالات التي لا تزال المدرسة العمومية عاجزة عن حلها. ومن ذلك قضية اللغة في تعليم المواد العلمية. لذلك أقبلت الأسر المغربية على هذا النوع من التعليم لأنه نجح فيما فشلت فيه المدرسة العمومية. زد على ذلك أنه قطاع عرف كيف يتكيف مع نظام التوقيت المستمر المعمول به في المؤسسات العمومية. واستطاع في بعضه أن ينجح في توفير الإطعام والتنقل لتلاميذه. وبذلك بدأ يسحب البساط من تحت أقدام المدرسة العمومية، خصوصا من لدن الأسر الميسورة والمتوسطة. ومن تم تصبح سياسة الشراكات التي تشتغل عليها مديرية الارتقاء بالتعليم الخصوصي والأولي، هي الطريق الأسلم لكي يكون لنا تعليم خصوصي مكمل للتعليم العمومي، وليس خصما له.

وليس غريبا إذا نجح هذا التعليم في رهانه، وأصبحت لنا مؤسسات خصوصية قائمة الذات بنيويا وتربويا، أن تقوم وزارة التعليم بشراء مقاعد من هذه المؤسسات لتضع فيها تلاميذ التعليم العمومي إذا لم تجد مقاعدا لهم. كما أن المنعشين والمجزئين أصبحوا مطالبين بتوفير فضاءات لمؤسسات خصوصية.

لنصل غدا إلى تدخل كبير من قبل الدولة في تشجيع هذا النوع من التعليم من خلال مراجعة قيمة الضريبة على دخل كل رب أسرة فكر في أن يلحق ابنه بمدرسة خصوصية تشجيعا له على هذا الاختيار. لكل هذا، كان مشروع التعليم الخصوصي ضمن مشاريع المخطط الاستعجالي والذي أشرفت عليه مديرية الارتقاء بالتعليم الخصوصي والأولي، قد وضع تصورا حكيما بني على خلفية التأهيل والمصاحبة، من خلال مراجعة دفاتر التحملات الخاصة بهذه المؤسسات، وإصدار المذكرات التنظيمية للارتقاء بالجودة.

ووضعت وزارة التربية لإنجاح هذا الرهان 30 مليون درهم لتكوين المشتغلين في هذا القطاع. وهي الخطوة التي انطلقت مع أول فوج تراهن الحكومة على أن تحول عددا منه إلى مؤسسات التعليم الخصوصي، التي هدد بعضها بإغلاق الأبواب، وهي التي تحتضن أكثر من 700 ألف متمدرس، وتوفر للوزارة 3 ملايير درهم سنويا بالنظر إلى أن نسبة المتمدرسين بها تصل إلى أكثر من 10 في المائة. حينما حرك الوزير قضية مدرسي التعليم العمومي الذين سيمنعون بعد ثلاثة مواسم من تقديم دروس في المدارس الخاصة، كان لا بد من السعي لإرصاء نماذج تعاقدات بين وزارة التربية الوطنية وعدد من مؤسسات التعليم الخصوصي من خلال شراكات تكون من نتائجها استفادة هذه المؤسسات من عدد من الامتيازات. كما أنها تكون مراقبة من طرف الوزارة على أكثر من مستوى. ومن ذلك تحديد رسوم التمدرس التي تخضع اليوم لمنطق العرض والطلب.

لقد كشفت الإحصائيات، التي باشرتها مديرية الأرتقاء بالتعليم الخصوصي والأولي لمعرفة واقع هذا النوع من التعليم، عن أرقام مهمة تقول كيف أن هذا الشق أساسي في المنظومة التربوية. لقد قارب عدد مؤسسات التعليم الخاص الأربعة آلاف مؤسسة. كما أنه ظل يحتضن أكثر من 700 ألف متمدرس في كل الأسلاك التعليمية، وهو ما يشكل نسبة تفوق إلى10 في المائة من عموم التلاميذ المتمدرسين. ما يعني أنه قطاع يساهم في حل الكثير من الإشكالات التي يعانيها التعليم في المغرب. ولا غرابة أن مؤسسات التعليم الخاص توفر للدولة اليوم ما قيمته 3 ملايير سنويا.

وقد بادرت المديرية، منذ وضع هذا الملف أمام مكاتبها، إلى سلسلة من الخطوات همت أساسا الاستماع للمتدخلين في القطاع الذين بسطوا قضاياهم ومشاكلهم، كما بسطوا أحلامهم لكي تكون المدرسة الخصوصية مكملة للمدرسة العمومية من أجل تعليم ذي جودة عالية. وخلصت المديرية في تحقيقها، الذي امتد لشهور، إلى جملة من الخلاصات اعتبرتها مفتاح أي حل يفترض أن تباشره الوزارة.

تعترف المديرية أن معدل إحداث مؤسسات التعليم الخصوصي ارتفعت بشكل مثير في السنوات الأخيرة. غير أن هذا الارتفاع غير متجانس وغير متكافئ جغرافيا. فنصف عدد مؤسسات التعليم الخصوصي توجد اليوم في محور القنيطرة الدار البيضاء، ما يجعل تكافؤ الفرص غير مضمون. هذا اللاتكافؤ نفسه يظهر على مستوى الأسلاك التعليمية. ففي الوقت الذي تصل النسبة في التعليم الابتدائي مثلا إلى 75 في المائة، لا يزال التعليم الثانوي الإعدادي متعثرا بشكل كبير. أما التعليم الثانوي التأهيلي، فقد عرف انتعاشة ملحوظة.

ومن نتائج هذا الخلل في الأسلاك التعليمية ارتباك الخريطة المدرسية التي لا تستقيم كل توقعاتها. أما على مستوى الاستثمار الذي يعرفه التعليم الخصوصي، فقد اكتشفت المديرية أن الطبيعة الغالبة هي الاستثمارات العائلية، وليس مجموعات خاصة تشتغل في القطاع بامتدادات أكبر فيها ما يتعلق بمراكز البحث والتكوين والمكتبات. وهو الرهان الذي يمكن أن يصله التعليم الخصوصي غدا من أجل تحقيق الجودة المنتظرة.

زد على ذلك أن بنية جل المدارس لا تستجيب للشروط التربوية. لذلك فحينما فتح الوزير سيرة هذا الشق، وجب أن تفتح، بموازاة ذلك، سيرة كل القضايا المرتبطة به لكي يواصل مهمته على الوجه الأكمل. ومن تم لا بد من الاستفادة من التحقيق الذي سبق أن باشرته مديرية الارتقاء بالتعليم الأولي والخصوصي على عهد المخطط الاستعجالي. لأنه تحقيق حاول الجواب على جملة من الأسئلة التي تعني المدرسة الخصوصية سواء على مستوى أطرها أو برامجها، أو بنيات الاستقبال التي تعتمدها.

وبذلك يكون السيد بلمختار قد عالج الخلل في شموليته بدلا من أن يذهب لجانب أحادي من جوانب المشكل. في أفق أن تكون المدرسة الخصوصية مكملة للمدرسة العمومية وليست خصما لها. قد تكون لفلسفة فصل التكوين عن التوظيف في قطاع التربية والتعليم خلفية فتح الباب أمام الكفاءات لتلتحق بمؤسسات التعليم الخصوصي.

لكن الحكومة مطالبة بموازاة ذلك أن تضمن لهؤلاء المؤهلين للاشتغال بها، شروط وظروف اشتغال غير المعمول بها اليوم، سواء على مستوى الأجور، أو على مستوى كافة الحقوق التي تضمنها المواثيق.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M