المسلمون الفرنسيون وحرب 1914م.. علماء الرباط (ج2)

24 مارس 2018 16:04
المسلمون الفرنسيون وحرب 1914م.. المجلس البلدي بفاس والشرقاوي والوزاني وسيديا(ج3)

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

رأي العربي الناصري ومحمد الرندى

مثل الشرفاء وورثة العائلات المخزنية قدم العلماء رأيهم حول تركيا، وهذان رأيان من علماء الرباط وسلا، أولهما نائب وزير العدل، والآخر فقيه بالرباط، وكلاهما فقيه بارز.

“الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله الصادق الأمين، القائل: “الخلافة في قريش ما أقاموا الدين”، صلاة وسلاما يعمان المهاجرين والأنصار وسائر آله الأطهار المختصين في شريعته، الخلافة العظمى والإمامة الكبرى، ما دام الليل والنهار، وبعد:

فقد سألني من لا تسع مخالفته، ويتعين مساعفته، عن معنى الخلافة الإسلامية، ومن يستحق تلك الرتبة السامية، وما ينبغي سلوكه في هذه الظروف الحالية والأحوال الوقتية، فقلت ومنه تعالى أسال الحفظ في الدنيا والدين في سلوك سنن المهتدين، وأن يكون لنا في سائر الأحوال، فإنه أرحم الراحمين، أما بعد؛

معنى الخلافة في الإسلام

معنى الخلافة في الإسلام، فهو نصب رجل يسمى بالإمام، متصف بالأوصاف المقررة في كتب الأحكام، وهي:

العدالة والعلم، وسلامة الحواس والأعضاء، وصحة الرأي المفضي إلى سياسة الرعية، وتدبير المصالح، والشجاعة والنجدة، والنسبة القرشية، تفصل بين الناس فيما يعرض لهم مما يتوقف عليه معاشهم ومعادهم في أغراضهم وأموالهم وأنسابهم، وغير ذلك مما هو مقرر هنالك.

وأما من يستحقها، فهو من استكمل الأوصاف المذكورة وتحلى بالخلال المسطورة، وأما ما ينبغي سلوكه كما لا يخفى على من له أدنى علم وتمييز فهو ما عليه نبلاء المغاربة وعقلاء الناس من مبايعة لسلطانهم وإمامهم وخليفتهم القرشي الهاشمي المتثبت في أموره، الراسخ في تدبيره، القدير في حركاته وسكناته وخلواته وجلواته، المزين بالديانة والعفة والصيانة، العاكف على مراعاة السنة المصطفوية والسير النبوية، المتفقه في الشريعة الغراء الإسلامية، المتخلق بالأخلاق المحمدية، السلطان الأعظم، والملك الأفخم، أبي المحاسن سيدنا ومولانا يوسف ابن السلطان مولاي الحسن بن محمد بن عبد الرحمان بن هشام بن محمد بن عبد الله بن اسماعيل النسب ابن سيدنا رسول الله ص، ونجبة خليفته.

فهو أيده الله تعالى متصف بالأوصاف المذكورة، مستكمل للشروط المسطورة، كيف لا وهو من صريح النسبة المطهرة المصونة، محبة الشجرة العلوية الميمونة، ورث ذلك كابرا عن كابر، من غير تكاثر ولا تزاحم، ولا نعلم اليوم من يستحقها استحقاقه أو يستطيع في هذا الباب لحاقه، وناهيك بالمجد الشامخ المتأصل الشرف.

فقد منّ الله تعالى بوجوده على هذه المملكة المغربية، ورفقه بهر سائر المماليك الإسلامية، فيتعين على أهل المغرب الاعتصام بطاعته، والتمسك بحبل خلافته، وعدم الخوض فيما لا يعني من الهرج والفتن أو بجلب الأضرار والمحن، وأن يلزموا السكينة في الحركات والسكنات، ويشتغلون بواجب طاعته، ويتركوا الأمور لمدبر الأرض والسماوات، ففي سياسة مولانا الإمام رأي كفاية واعتصام.

ولذلك وجب نصبه على الأنام حسبما أجمع عليه علماء الإسلام، ودليل هذا قوله عليه السلام “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، وقوله عليه السلام “السلطان ظل الله في الأرض، يأوي إليه كل مظلوم”، وإجماع العقلاء قاطبة على أن وجود السلطان من ضروريات الحياة، ولولاه لاختلط أمر الناس، واحتقر صغيرهم كبيرهم، وأهان كبيرهم صغيرهم، وبرهان هذا كله قوله تعالى: “ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”.

وأما دليل اختصاص الخلافة بقريش وتميزهم بها دون الأنام، فهو ما روي عنه عليه السلام، مما أخرجه البخاري ومسلم، قوله ص: “الخلافة في قريش”، وقوله: “لن يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان”، ورد معاوية بن أبي سفيان على عبد الله بن عمر، وقوله “يؤم الناس رجل من قحطان”، ورد سيدنا أبي بكر يوم السقيفة على سعد بن عبادة، ومن كان معه ينازع في الخلافة، وكُتب الحديث والسير والفقه مشحونة، والأحكام مشحونة بما لا تستطيعه الأقلام.

وأما الاستظهار على ما قررناه فيما يتعين العمل له في هذه الظروف التي اشتعلت فيها نيران الفتن وتكاثرت، فهو ما قررناه من الاستمساك بطاعة مولانا الإمام المستحق للخلافة، الذي أمنت في أيامه ربوع المغرب من كل مخافة، إذ لا يخفى أن من الأصول المقررة والقواعد المحررة لدى علماء الإسلام وحكماء الأنام: أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وأنه عند تعارض المصالح يقدم الراجح، على أنه لا مصلحة في السعي في إيقاد نيران الفتنة، بل فيها المضرة والمحنة، فيتأكد على الناقد البصير أن ينظر في العواقب وما إليه المصير، وقد قال مولانا عليه السلام: “العاقل من اتعظ بغيره”.

وقد رأينا غير هذا السلطان حر لنفسه ولرعيته ما لا تدله على دفعه ولا بعقله إلا من لم يميز ضره من نفعه، فسعى لحتفه وجذع أنفه بكفه، راقي بنفسه ومن تبعه إلى هوان المعاطب، وكذلك من لم يتأمل العواقب، على أن محمد الخامس (محمد رشاد خليفة الدولة العثمانية) ليست خلافة قرشية، ولا هو من تلك النسبة الهاشمية، وإنما أسس له ذلك جدهم الأول بحب السلطة والتغلب كما هو معلوم.

وفي تواريخ سائر الدول، والجد المؤسس المذكور هو أرطغرل بن سليمان شاه التركماني، نسخ بتغلبه الخلافة القرشية العباسية، بعد أن كانت محاسنها البهية في غرة وجه الأيام ماشية، وغرة الإسلام بها عالية، وتلك الأيام نداولها بين الناس، قل إن الأمر كله لله، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

فيا ليت محمد الخامس لو فعل كما فعل سيدنا ومولانا السلطان الأعظم الحقيقي القرشي الهاشمي من سلوك طرق السكينة، ولزوم الهدنة والطمأنينة، وموالاة من يستحق الموالاة، ومعاداة من يستحق المعاداة، وهذه مئات من السنين قد مرت وانقضت، ومئات من الدول قد مضت، فمتى كان الألمان فيها نافعا للإسلام بقلامة ظفر، ومساعدا ولو بكلمة أو شطر…

وها هي التواريخ بيد الناس عدل شاهد والمعاهدات أمضى حاكم، على أنك إذا أمعنت النظر، وأجلت الفكر المعتبر، تبين لك أن ما صدر من الدولة التركية ليس بمجمع عليه، من سائر عقلائها، بل القائم بذلك رجال ما حنكتهم التجارب ولا حلبوا من الدهر أشطره، ولا حملتهم على ذلك خصوصا الغيرة الدينية وحماية البيضة الإسلامية.

تلك الأفعال والأغراض الشنيعة الفسيحة المراض من غير مبالاة لدين ولا مال ولا أعراض، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الحاصل أن الحالة التي يتعين العمل لها هو لزوم السكينة والعض بالنواجد والاستمساك بغرز طاعة مولانا السلطان القرشي الهاشمي أيده الله تعالى على الدوام، قال تعالى “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، وقال عليه السلام “الدين النصيحة”.. “لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين خاصتهم وعامتهم” أو كما قال.

ومن نصح الخاصة والعامة البعد عن هذه الطائفة والتفويض لسيدنا السلطان القرشي أيده الله تعالى فيما يراه مصلحة لرعيته عامة.

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه سبحانه المرجع والمآب، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

عبد ربه العربي الناصري

عبد ربه محمد الرندى”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M