المغرب الشرقي.. الاحتلال الفرنسي لتازة

01 أغسطس 2017 17:09
دموية المغامرة (الفرنسية) المغربية (ج2)

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

مبررات التفكير في احتلال تازة

بعد الجولة التي نفذناها في المغرب الشرقي بتكليف من قبل لجنة المغرب، يمكننا أن نضع الأفكار التالية حول هذه الناحية التي سبق لنا زيارتها في مختلف المرات من أجل الاستيلاء عليها.

في هذا الوقت الذي يفكر فيه باحتلال تازة الذي تأخر كثيرا، نقترح إلقاء نظرة على المحطات المنجزة في هذا الاتجاه لمعرفة كيف يتم التهييئ لهذه العملية (يمكن القول لأباء الحماية المساكين بارتياح أننا في المغرب الشرقي) ولن نقف هنا، فمحطات التقدم المسجلة من أجل تحقق هذا التواجد المسجلة بين 1900 و1910 التي قادتنا لاحتلال وتهدئة النواحي الموجودة بين الجزائر وملوية معروفة، ويكفي التذكير بالحوادث اللاحقة.

في عام 1911 تم احتلال دبدو، وتهدئة محيط الجبال الممتدة للجنوب الشرقي لتوريرت وضفاف واد زا.

في 11 ماي 1912 بعدما تم تعيين ليوطي مقيما عاما أعطى التعليمات التالية للجنرال أليكس كمندار المغرب الشرقي:

1- استبعاد فكرة القيام بالتحركات لاحتلال تازا لغاية إشعار جديد في وقت آخر، دون استبعاد فتح ثغرة أو اختراق أو صيانة التفاهمات في قبائل الضفة اليسرى لملوية.

2- تنشيط خضوع وتنظيم القبائل في دائرتي ملوية ودبدو، واستخدام ضفتي ملوية لهذا الغرض.

3- العمل على الربط المباشر بين النواحي المتاخمة للشمال وتلك المتاخمة للجنوب.

عمليات 1912 هدفت لتشتيت الحركة الضخمة القادمة من الضفة اليسرى لملوية في مطلع ماي، والتي أدت إلى تهدئة الضفة اليمنى، وسمحت لنا بتجميع قبائل كعدة دبدو بصفة نهائية، وبسط سلطتنا على قبيلة هوارة الهامة.

 بمجرد ما وضعنا قدمنا على الضفة اليسرى لنهر ملوية، باشرنا العمل بإقامة مركز مراقبة بكرسيف، مما مكننا من دفع دورياتنا على الوادي نحو ناحية ما بين وادي مليلو ومسون.

في نهاية 1912 فكر الجنرال أليكس في اختبار مدى تواجد سلطته على واد ملوية، في اتجاه اوطا اولاد الحاج ميسور، وفي الوقت نفسه إذا أمكن لغاية قصبة المخزن، حيث يتم تحقيق الإتصال بين منطقة الشمال ومنطقة جنوب المغرب الشرقي، بيد أن تعليمات جديدة أمرت بوقف ذلك التحرك مما أرجأ ذلك المخطط.

عمليات أخرى جرت بالمغرب الغربي وجب الحسم فيها، ففي 1913 قرر الجنرال أليكس احتلال قصبة امسون قلب قبيلة هوارة، من أجل ربط القبيلة بصفة نهائية بالمراكز المقامة بها من قبلنا.

فأقام اتصالا عاجلا مع سكان تازا، وهيأ قفزة جديدة نحو الغرب، بإنشاء مراكز مراقبة جديدة ملائمة حول مركز الصفصافة، لكبح جماح بني وراين وإقاف تهديدهم.

في النخيلة أقيم مركز مراقبة لبني بويحيى، لكن مركز مسون هوجم بعنف وضراوة، بعد أيام من إنشائه، وقد قمنا بهجوم مضاد على المعادين، حيث خضنا معهم معركة حامية في عين العرب يوم 27 ماي 1913 سخرنا لها 5000 جندي أدت لزرع البلبلة والإضطراب في صفوف الأعداء بالرغم من أننا لم نقم باقتحام أماكن تجمعاتهم.

بيد أن الوضعية منذ ذلك الوقت بدأت في التحسن تدريجيا لصالح تواجدنا، بقي أمر تنفيذ احتلال تازا، للربط بين المغربين الشرقي والغربي، وضمهما بصفة نهائيا، لكن ذلك يتطلب بعض الوقت حسب نظرية ليوطي التي تشربناها والتي لا تذهب مباشرة للهدف، لخفض تكاليف تحقيقه.

بصراحة ليس هناك شيء سهل بالمغرب للتنقل فيه من هدف لآخر مع الكولون ضد الأهالي المؤثرين، لكن كما قال بيكود: الغزو لا يكون إلا بمتابعة الاحتلال بآثار هامة، كما تفعل السفن في البحر العظيم حيث تترك وراءها نهرا أبيض يدل على مرورها، وعليه فإن جميع العمليات العسكرية لكي تكون مثمرة إلا إذا تركت أثرا يذكر بها، لذلك يجب أن تكون سباقة في العناية بالتحضير وسرعة المتابعة بالتنظيم السياسي والاقتصادي التي تجعل خصومنا بالأمس شركاءنا في الغد.

حسب النظرية الموصى بها من ليوطي والتي نعيها جيدا يجب أن نكد في التحضير للسير نحو تازا، بحث القبائل المجاورة على توفير قدر مهم من السلم وفي نفس الوقت العمل على تفكيك الجماعات المعادية، من أجل بلوغ هذا لا بد من الوقت والصبر والباقة، إنها دبلوماسية حقيقية تطلع بها مصلحة الاستعلامات، في نفس الوقت جعل الأهالي يستكشفون بالتعود على حضورنا والاتصال بنا شيئا فشيئا.

السي هبيل الذي يرجع له فضل تنظيم المقاومة، بقي دائما معارضا متعذرا كسره، مع الذين يجب إنهاكهم، يقول: الجهود العسكرية ستبقى دائما منقوصة ومعطلة، لأن الأهالي لن يستسلموا إلا بعد أن يرو البارود يتحدث، ولن يخضعوا قبل أن يروا مقاتلين، كما أن نساءنا سيحتقروننا إذا ما قبلنا النصارى من غير مقاومة، بعدها سنقبل بأفضل النتائج مع أقل المخاطر.

في ناحية امسون هذه التحضيرات اكتملت بشكل جيد من قبل الكومندار موجين رئيس مصلحة الاستعلامات ما بين أكتوبر 1913 وأفريل 1914، حيث أصبح لدينا ألوية اتصال في كل قبيلة، بل في كل فخدة أصبح لنا رجال وأدلاء على الطريق.

أهالي القبائل المتقدمة في اتجاه تازا جذبهم سوق امسون فبدأوا يزودون قواتنا بالحيوانات ويأتون عندنا للبحث عن الأقمشة والسكر والقهوة والسلع التي يحتاجونها، القبائل حبذت من وجهة نظرها عملية تازا، في شمال نفس المجاز توجد هوارة وبني بويحيى، ومسطاسة، والبرانس، وفي الجنوب بني وراين وغياتة.

هوارة قبائل معربة مثل أنكاد ولحلاف، يسكنون في دائرة امسون نفسها وهم بصفة عامة خاضعون ما عدا أولاد بوريما وهي قبيلة ريفية صغيرة منضوية في كونفدرالية هوارة منذ أواسط القرن 19 حافظت على مستوى عدائها لنا.

بني بويحيى نهاب فاسدون لا يفتأون عن مهاجمتنا منذ أن وصلنا تخوم ملوية، المنع الذي طبقناه على الجماعات المعادية في مختلف اللقاءات لإرواء مواشيهم من ملوية بحيث لا يصولون إلا للرديء من الماء.

نحن بالطبع ضويقنا، فيما يخص بني بويحيى من قبل جيرانهم في المنطقة الإسبانية الذين يكونون جزء من هذه الكونفدرالية، بالرغم من حسن الاتفاق المخيم بيننا وبين جيراننا لم يمكن تلافي بعض الصعوبات، نذكر مثلا سهل كرواوى حيث لبني بويحيى جزء من أراضيه التي تحرث والتي تطرح مشكلا جغرافيا.

المتفاوضون حافظوا على الجغرافية كما السياسة وصدق أيضا على خط تقسيم المياه وهذا الخط المختار في الاتفاق الأخير اعتمد كحد بين المنطقتين الفرنسية والإسبانية.

لكن سهل كرواوى حوض مغلق ولا يسمح بمرور مياهه لا للشمال ولا للجنوب بل يحتفظ بها داخله، فماذا سيفعل البوليس؟ لا شيء يمكن له قوله، لكن بني بويحيى يستغلونه ويلتجئون له حالة وصول الخطر.

في هذه القبيلة يعيش عادة الشنكيطي الثائر الذي يريد تجاوز شهرة ماء العينين الذي بعدما حاربنا في النخيلة وسنهاجة ومسون، نودي به سلطانا بتازا في يبراير 1913، سلطته لم تصل بعد لدرجة هامة، ووضعنا وجها لوجه مع بني بويحيى ليس أمرا حساسا سيتغير ويتحول باحتلال تازا، قد يسبب لنا كما في السابق بعض العراقيل في طرق المواصلات سيتم معالجتها بعد احتلال تازا بصفة نهائية.

لنبقى في القبائل الأربعة الكبرى لمطالسا، البرانس، بني وراين، وغياتة حيث تركز مصلحة الاستعلامات بمسون جهودها.

لمطالسا استحسنت فخداتهم الجنوبية دائرة مسون، اولاد احمد، اولاد حكم، وبني موسي شيخ الفخذتين الأخيرتين زار باستمرار مراكزنا في حين أن أولاد احمد أجمعوا على غضبهم من إقامة علاقات حسنة مع السلطات الفرنسية، معتبرين ذلك نفاقا، أما بقي الفخذات فتوجهوا نحو مليلية.

مناهضة القبائل المحيطة بتازة

“القبائل القوية للبرانس تتكون من أربع مجموعات هي وربة، بني بوفلا، بني يكون، والطايفة، الأخيرتين فقط هما اللتان لهما علاقة مباشرة معنا، حول مكناسة وعلى ضفاف واد وارتزا.

أعيانهم يتواصلون مع دائرة امسون في علاقات مستمرة، كما أن تجار الناحية يغشون سوقها بكثرة، جالبين له الأبقار لبيعها للإدارة العسكرية، أما باقي الفخذات فهي غير مبالية بمشروعاتنا التي يتصورون أنها محدودة في ناحية تازا بعيدا عنهم.

البرانس الذين دعموا غياتة سنة 1913 ضدنا هم اليوم هادئون تاركين الطريق مفتوحة سالكة، الكونفدرالية الكبرى تامازيرت لبني وراين الأكثر خطورة بالمغرب تنقسم لمجموعتين متميزتين تفصل بينهما غياتة لا وئام بينهما تقريبا، هما بني وراين غرابة، وبني وراين شراكة.

بني وراين غرابة تولي وجهها نحو فاس وسبو، وبني وراين شراكة تولي وجهها نحو ملوية مفضلة المغرب الشرقي، الفخذات الخاضعة لنا على اتصال مع بني عزيز وبني منصور، وأهل تايدا وأهل تلات.

بنو عزيز وبنو منصور يقطنون في دزيرة ومتريد جنوب مليلو بين هذين النهرين وجبل إيكلي، دواويرهم على بعد بضع كلمترات عن طريق السكة الحديدية.

قبطان الصفصافة الذي يتحدث البربرية أعاد التعسكر بين واد مليلو وواد لقطاف.

بني عزيز صاروا يترددون على مراكزنا حاملين لمن فيها من الجنود الحليب والبيض والخراف والدواجن، وأعيانهم زاروا مركز قيادتنا بكرسيف في يبراير 1914.

بعض سكان أيت تايدا المنعزلين في الأطراف المتاخمة لنا هم فقط الذين يؤمون سوق امسون والصفصافة، أما مجموع الفخذة فمتسمون بالرفض المعادي لنا، لكنهم لم يقوموا لحد الآن بأي تحرك جاد للاقتراب منا، بالرغم من شدة تذمرهم من احتلالنا من بني عزيز، ويمتلكون خيلا أكثر من غيرهم، ويقومون بالإغارة على هوارة في السهل، بينما أهل تلات يسكنون في أعالي واد مليلو وروافده، بعيدين عن منطقة احتلالنا بمسافة كبيرة، ومع ذلك هاجموا مفرزة دراسات إنشاء الخط الحديدي العسكري بين الصفصافة وامسون في أكتوبر 1913.

وقد تغير موقفهم منا منذ أن زار ممثلوهم مركز امسون أواخر 1914، كما تم إقامة علاقة حسنة مع شرفاء زاويتي سيدي امبارك وسيدي بلقاسم أزروال أهم ممثلي السلطات الدينية المعتبرة من قبل بني وراين.

نحن على بينة من أن بني وراين اشراكة لن يتدخلوا قطعا بفعالية ضد عمليات سيرنا نحو تازا، مما يعتبر حيادهم أكبر مكسب سجلته سياسة التدجين والتطويع بواسطة الإعداد السياسي بالمغرب والذي لم يتحقق له مثيل بعد في هذا البلد.

غياتة معروفة ومشهورة من زمان بشجاعة أهلها وكرههم الشديد لنا، بيد أن لكل فخذة مستواها في تلك المعاداة بدء من أكتوبر 1913، وقد ظهر انفراج في ذلك الجو المشحون بالبغض والكراهة لاحتلالنا بعدما تم لقاء بين أعيان بني بوحمد وبني ودجان وبني بوكيوط في المتواجدين في الأودية الموجودة بالجوار المباشر لتازا بعدما قدموا عند كومندار دائرة امسون، هذه الزيارة أدت لربط العلاقة مع الشريف سيدي هاشم بن الحاج مدني من منطقة ورغين وشرفاء آخرين.

فقط ميتاركا الساكنين بالجبل بقوا متمسكين بمعاداتنا وإن كانت جماعتهم قليلة فإنهم مع ذلك بقوا مراقبين ضفاف واد بولجراف حتى لا نستخدمه كمعبر.

بقية الفخذات أظهرت مواقف مترددة، لكن لا يوجد بينها من يحرص على التوحد والحشد لمقاومتنا.

لقد تسبب الابتزاز الممارس من قبل بني بويحيى ولمطالسا، على طريق مليلية المؤدية لغياتة المحافظين على العلاقات التجارية مع امسون، في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، في الوقت الذي منعت فيه الطريق المؤدية لتازا على كل من اشتبه في أنه يعمل لصالح اختراقنا، مما فرض المرور عبر الطريق المارة بمكناسة الفوقانية.

وصار حقيقة أن سكان تازا يتمنون قدومنا كي يخلصوا غياتة من النهب والسلب كما كتب ربير دو كيي (طبيعي أن النمل يقاتل دفاعا عن الأغذية التي يعيش بها في حين أن الترحيب بالغريب يحررها).

مركز امسون حقق في بحر مارس تعارفا جيدا في الشمال عند اولاد بورما واولاد زمور، فخذة بني بويحيى جنوب بني وراين وشرق اتجاه تازا.

تعارف 16 مارس دفعنا لغاية كدية الجماعة على ضفاف واد بولجراف على بعد 17 كلم من تازا.

غليان كبير خيم على لمطاركا الفرقة الأكثر تشددا وعداء لنا في غياتة كما قلنا سابقا، الصعوبة الأولى الأساسية للطريق تمثلت في أودية عميقة محصورة بين أجراف بعمق ما بين 15 و18 مترا مما يمنع مرور العربات ومدفعية الميدان، فقط الحيوانات هي التي يمكنها اجتياز النهر.

لقد رأينا مقدار العناية التي أحطنا بها إعداد سياسة احتلال تازا، والتي لم نكن ننتظر فيها مساعدة أو أي شكل من أشكال الدعم، المتحدث مع الفخذات أعطاها كل ما كانت تنتظر منه، من جهة أخرى نحن متواجدون في امسون على بعد أقل من ثلاثين كلم من تازا، وقد صرنا ملزمين بحماية هوارة عند توجههم للحصاد في السهل بين امسون وتازا.

من جهة أخرى وجب علينا التصرف مع القبائل المعادية قبل أن تجمع محاصيلها الزراعية وتضعها في مخابئ بالجبل، كما وجب انتهاز فرصة جودة الفصل لدفع أشغال إنشاء الخط الحديدي العسكري نحو تازا الذي كان قد وصل من قبل لمسون.

وأخيرا لم نتأخر عن تقديم انطباع للأهالي بضعفنا وتهيبنا الاستمرار في الاحتلال بدل إعطائهم الانطباع بالقوة الضرورية للقيام بذلك مما يزيد في استرخاء المتوترين والمحرضين على مهاجمة مشاريعنا الإنشائية.

 احتلال تازة كان مثل فاكهة ناضجة قريبة من الانفصال عن شجرتها، بعض المعلومات التي قدمها ميسمي عن طريق الجنرال جراردو المتعلقة بكلفة الحرب قال فيها: (بأن عملية تازا كانت صعبة منذ سنتين لحداثة تواجدنا بملوية، في حين أن فاس هي نقطة الوصول لطريق طويل المحطات يبلغ 250كلم، بعد استقرارنا في ملوية وامسون تم تذليل العديد من الصعوبات، فالسكة العسكرية تم تشييدها بين ملوية وامسون وبين فاس وتيسة بسرعة فائقة مما جعل أمر الاختراق المتواصل للقبائل المعادية بمثابة لعب أطفال، وأصبحت العراقيل المقامة أمامنا لإفساد ذلك الاختراق وعرقلته من قبل عديمي التبصر بلا فائدة تذكر.

صحيح أن القبائل الكبرى المجاورة لخط سيرنا ستبحث بلا شك عن التمركز والتجمع لمهاجمة مراكزنا بمجرد إنشائها، على كل حال العملية لن تكون صعبة ولا شاقة مثل غيرها منذ سنتين خلت والتي كان لا بد منها).

الحوادث المثبتة المسجلة في تفاؤل ميسيمي الواسع، دليل على أن العمل الذي قامت به مصلحة استعلامات المغرب الشرقي بإشراف الكومندارين كانافي و موكين كان جيدا كما بينا سابقا.

احتلال تازا نفذ يوم 10 مارس بدون مصاعب تقريبا، بني وراين لم يتحركوا وكذلك البرانس ما عدا بعض فخذات من غياتة قاموا ببعض المقاومة، لكن يجب التمييز بين احتلال تازا خاصة وربط المغرب الشرقي بالمغرب الغربي عامة.

هذه العملية الأخيرة لاقت صعوبات وعراقيل حقيقية، حيث تم تجميع جهود القبائل المقاومة لنا بين سوق أربعاء تيسة وتازا، في مواجهة قوات الجنرال كورو الذي اصطدم بثلاث قبائل في طريقه هي البرانس والتسول وغياتة في معارك 10 و12 ماي، كانت الأدمى والأقسى مما تم من معارك بالمغرب.

في 16 ماي تم تواصل واجتماع كولون الشرق وكولون الغرب بمعركة مكناسة التحتية غرب تازة قبل أن تدخل تلك القوات مجتمعة المدينة يوم 17 منه بقيادة ليوطي، حيث أقيم بعا استعراض عسكري، وتم بعث برقيات النصر لمن يهمهم الأمر.

استعراض النتائج المرغوبة من قبل فرنسا وراء احتلال هذه المدينة:

(الاهتمام باحتلال تازة وخاصة الممر الذي توجد عليه لم يكن وليد اليوم، بل يرجع لسنة 1844، وبالرغم من ذلك لا يمكن أن نقول بأنه تأخر كثيرا، لأنه كان يراعي مصلحة فرنسا الدائمة من وراء ذلك الاحتلال.

فقد رأينا أنه في سنة 1844 كان من المهام التي كلف بها بيكود، وفي سنة 1859 تقدم مارتيمبري لغاية مشارفها، ومنذ عشرين سنة كان أحد خصوم بسط الحماية الفرنسية على المغرب السيد كاميل صاباتي يرى المساوئ والصعوبات في ابتلاع المغرب كله ماثلة أمام عينية، معتبرا أن الجزائر والجزائر وحدها هي المؤهلة لبسط الأمن في هذه المنطقة، ولو أنه تم الاستماع لوجهة النظر تلك لكانت سهول ومرتفعات جبال المغرب الشرقي خاضعة للسلطة الجزائرية منذ زمان.

ما هي شروط اختراق المغرب وإفساده، وتغييره؟ وإلى أي حد بؤرنا تسهل ذلك؟

عندما حملنا النجدة لفاس سنة 1911 أصبحت طريق تازة هذه التي تربط بين العاصمة الشريفة والجزائر تقدم لنا مفتاح المغرب حقا، في السنوات الأخيرة أكدنا أن المسائل الأجنبية بالمغرب تخيم مخاوفها على العلاقة بين الرجال والأشياء الجزائرية.

يمكن القول أيضا بأن الامتيازات بالمغرب الغربي تخشى منافسة طريق تازة، بيد أننا نرى أنها مجرد افتراء خالص لا أساس له من الصحة، وما وقع هو أننا ترددنا في احتلال تازة وربط المغرب الشرقي بالمغرب الغربي مما تسبب في هذا الانطباع، لقد انحصرنا بين المنطقة الإسبانية والمرتفعات البربرية للأطلس المتوسط، بدل اختراق كل البلد بواسطة بقعة الزيت الذي نادى بها ليوطي.

قد يكون اختراقا أكبر أو أقل خطى، لكنه مناسب إذا ما كنا مجبرين على السير بنفس خطى الإسبان للوصول إلى تدجين بربر الجبال، إذ نحس بأننا سننتظر طويلا لبلوغ ذلك الهدف.

في ظرف سنتين أقيمت الحماية التي كنا نحلم بها، ونعتقد بأننا لم نكن في ذلك متأخرين، بل يمكن القول بأننا سرنا بشكل أسرع مما كان متوقعا القيام به في هذه المرحلة.

لقد تم فيها تأسيس البريد، وتشييد السكة الحديدية، وتموين القبائل، وصرح ليوطي سنة 1914 في لقاء مع غرفة المعمرين بأنه في الغرب يكفي أخذ السهول من غير احتلال الجبال.

هذ الرأي إن كان ممكنا بالنسبة للمخزن والتعليمات المخزنية فإنه لا يصلح للأوربيين، بعد كل هذا وجب تطبيق كلمة بيكود التي يقول فيها “يجب وضع الكل تحت العقاب ليعم الأمن في كل مكان”.

عواقب احتلال تازة وربط المغرب الشرقي بالغربي مهم للغاية من جميع وجهات النظر، لقد كتبنا على تازة كثيرا في مجلة إفريقيا الفرنسية، وتمت عدة اجتماعات حول تلك الكتابات لمناقشتها والاطلاع على شهادات الرحالة المتعلقة بتلك النواحي.

 الدراسة المميزة لليوطنا لافاي قامت بالتعريف بكل ما يراد معرفته طبوغرافيا بكامل الضبط مع إنجاز استقصاءات في عين المكان سمحت بإرساء تصوراتنا بصفة نهائية حول المنطقة.

تازة ضيعة خاصة مستباحة منذ مدة من قبل غياتة، مخربة خالية من أغلب سكانها، خاصة اليهود منذ 1903، بحيث لا يزيد عدد سكانها عن 1300 نسمة أو أقل.

وكيفما كان الأمر فإن اسم تازة يعني نوعا من الجاذبية الساحرة الغريبة، يعرفها الأشخاص الأكثر غربة عن المسألة المغربية، الجنود المتسامحون طالبوا ببقاء أجسادهم تشارك في (غزو تازة)، بالنسبة للجزائريين والضباط والجنود يعتبرونها أرضا موعودة.

الرأي العام يرى وهو على صواب بأن ربط المغرب الشرقي بالغربي تلزمه عاصمة، من الناحية السياسية كتب ميسمي (صرنا مثار سخرية من قبل الأهالي الذين لا يفهمون لماذا نسير للأمام في كل مكان بتهور وعنف مبالغ فيه، نحن مترددون في اجتياح بؤر صغيرة ممنوعة علينا ضمن الذي وضعنا عليه يدنا مع أنه أكثر أهمية من تادلا وكل بلاد زيان، دون الحديث عن الامتيازات التي ستسمح للسلطات الجزائرية باختراق سهل لأرض صبرُها المعاند يمنع فرنسا من عدم إدارة عيونها).

ربط المغرب الشرقي بالغربي سيسمح لنا بإحلال طريق عادية طبيعية محل أخرى تدور حول الأطلنتيك حيث يطرح علينا أمر تدبيرها قابلية تدخل دولي.

كتب ميسيمي: ستون كلمتر، تفصل فقط طليعة مركز مسون عن نظيره في سوق أربعاء تيسة، لزم بيان أن الجنرال كورو (كمندار سوق اربعاء تيسة) قطع 1800كلم مكابدا إثنتي عشر نقلة من مكان لآخر قبل أن يعثر بعد إثنتي عشرة يوما على الطريق الأكثر سرعة لمسون الذي طلبها منه ليوطي).

هذه الوضعية المهينة المخزية مزعجة ومتخلفة بعض الشيء، القوات، التموين، الخزان الذي نحتاجه في الجزائر بدل أن يبقى في الطريق البحري أربعة أسابيع ليصل من وجدة لفاس سيبقى فقط عشرة أيام كما سينخفض التواصل التلفوني لستة ساعات بدل ثلاثة أيام بواسطة التلغراف دون خيط.

للمغرب واجهة عالمية على الأطلسي، وواجهة إسبانية على المتوسط، وواجهة فرنسية على الجزائر، وهذه الأخيرة هي التي يجب علينا العمل من أجل فتحها في أقرب وقت ممكن).

(أكيستين برنار إفريقيا الفرنسية 1914/ص:200، وما بعدها، والعناوين الفرعية من إعداد المترجم (ذ. إدريس كرم)).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M