المغرب في النزاع الغربي الروسي… بناء التوازن بين المبادئ والمصالح

04 مارس 2022 21:22

هوية بريس – عادل بنحمزة

“الحقيقة هي الضحية الأولى للحروب” هكذا تحدث الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر. ما يجري من حرب في أوكرانيا لا يتعلق بالدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، إنما هو صراع حول المصالح والنفوذ أكبر ضحاياه هو شعب أوكرانيا ووحدتها الترابية والحقيقة طبعاً. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قام النظام الدولي وفي صلبه العلاقات بين الدول على منطقين متناقضين، الأول يقوم على القيمة المطلقة لمصالح الدول الكبرى في إطار توزيع النفوذ في ظل الحرب الباردة، وهنا يغيب القانون الدولي وتحظر فقط المصالح، ولعل نموذج عمل مجلس الأمن واعتماد حق النقض للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية يقوم وحده دليلاً على أن الأمر أبعد ما يكون عن المبادئ التي تعتمد على القانون، وحتى عندما انهار الاتحاد السوفياتي وكرست واشنطن نفسها قائدة وحيدة للعالم، فإن تطويع النظام الدولي لفائدة الكبار ظل قائماً وإن بدرجات متفاوتة، حصل ذلك في العراق وأفغانستان وليبيا وقبلها في يوغوسلافيا وكوسوفو وبنما والقائمة طويلة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، المنطق الثاني يقوم على تطويع القانون الدولي بما يخدم حلفاء القوى الكبرى وتوظيف النزاعات الإقليمية للضبط والابتزاز وتكريس التبعية، هل فشلت الأمم المتحدة ككل باعتماد هذين المنطقين؟ أكيد أنها نجحت بقدر ما لكنها فشلت أيضاً.

الحرب على أوكرانيا تمثل نقطة تماس بين اللاعبين الكبار على الساحة الدولية، وهي حرب كانت متوقعة منذ التدخل الروسي في جورجيا عام 2008 وتوضحت الصورة بشكل أكبر بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم سنة 2014 بعد مسلسل طويل من المد والجزر بين موسكو وواشنطن، المثير في كل تلك الأحداث أن الغرب ارتهن لسردية لا تصمد أمام الحقائق ولا يسندها الواقع، والواقع يقول إن الغرب تراجع عن التزاماته اتجاه روسيا بخاصة في ما يتعلق بتوسيع حلف “الناتو” في اتجاه الشرق، وجر أوكرانيا للتخلي عن “حيادها” الضمني المؤطر باتفاقية بودابيست سنة 1994 والتي بموجبها تخلت كييف عن ترسانتها النووية بضمانات الدعم الاقتصادي من واشنطن وموسكو، حيث كان من المفروض أن تتحول كييف إلى جسر بين الغرب وموسكو بدل أن تتحول إلى خط للتماس…

محاصرة روسيا في عمقها الاستراتيجي بخاصة في جورجيا وأوكرانيا بدأ منذ بداية الألفية الثانية، بمشاريع سلمية لإسقاط الأنظمة الحاكمة في الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي، مع حمل نخب جديدة للسلطة كفيلة بعزل تلك الدول عن موسكو وجعلها موالية للغرب، وكانت تلك المشاريع والخطط مقدمة لما سمي بالربيع العربي، ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2003 اندلعت بجمهورية جورجيا ما سمي بـ “الثورة الوردية” وقد سميت بهذا الاسم تخليداً لواقعة دخول زعيم المعارضة ميخائيل ساكاشفيلي قاعة البرلمان مقاطعاً خطاب الرئيس إدوارد شيفرنادزة، آخر وزير خارجية في الاتحاد السوفياتي المنحل، ملوحاً في وجهه بوردة حمراء ومطالباً إياه بالرحيل عن السلطة، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2004 اندلعت احتجاجات واسعة في أوكرانيا ضد الرئيس فيكتور يانكوفيتش وعُرفت الثورة الأوكرانية بـ”الثورة البرتقالية” نسبة إلى اللون البرتقالي الذي اعتمدته المعارضة في تظاهراتها المليونية بقيادة كل من فيكتور يوشينكو ويوليا تيموشينكا، غير أن واشنطن فشلت في تحقيق أهدافها، ففي جورجيا تدنت شعبية سكاشفيلي إلى مستويات غير مسبوقة، وعرفت البلاد في عهده الكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بل إن الرئيس الرمز، تراجع عن الكثير من الشعارات التي حملها خلال الثورة، أما في أوكرانيا فقد انتهت الثورة البرتقالية كما يعرف الجميع بفضائح كبيرة، منها قضايا فساد مالي واستغلال النفوذ، بل إن أيقونة الثورة يوليا تيموشينكا التي شغلت منصب رئيسة الوزراء، انتهت معتقلة في سجون كييف، كما أن الانتخابات الرئاسية التي أجريت سنة 2010 أعادت الرئيس المطاح به فيكتور يانكوفيتش في سابقة من نوعها بالنسبة للثورات في العالم، بينما منيت المعارضة البرتقالية بهزيمة نكراء، ليتم الإطاحة مجدداً بيانكوفيتش مرة أخرى سنة 2014 بسيناريو مطابق للثورة البرتقالية وذلك بتظاهرات وعصيان مدني انطلق باعتصام وسط كييف في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 2013. وهو ما وجدته موسكو مبرراً لاقتطاع القرم ودعم الحركة الإنفصالية في دونباس، لكن الأهم من كل ذلك أن الغرب لم يتدخل واكتفى ببلاغات الإدانة تماماً كما فعل مع التدخل الروسي لحماية نظام الأسد في سوريا وكذلك التدخل في ليبيا وأخيراً الحضور الروسي في مالي وأفريقيا الوسطى بعد الانسحاب الفرنسي، وهذا ما جعل مناطق النفوذ الروسي تتوسع بشكل مثير للانتباه ويفرض قواعد وحسابات جديدة على المستوى الجيواستراتيجي.

المغرب ميز في موقفه مما يجري في أوكرانيا بين إطار القانون الدولي الذي يشكل منظومة القيم التي تؤطر علاقاته الدولية ونظرته للعلاقات بين الدول وبين واقع الصراع بين القوى الكبرى وما سيترتب عن ذلك من قيام نظام دولي جديد. فقد أكد بلاغ وزارة الخارجية المغربية المقتضب على أن المملكة المغربية تجدد دعمها للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مذكرة بتشبث المملكة بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات بين الدول، وتشجع جميع المبادرات والإجراءات التي تساهم في تعزيز التسوية السلمية للنزاعات، بقدر وضوح هذا الموقف أثار اختيار المغرب الغياب عن جلسة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعض التساؤلات، غير أن هذا الغياب لا يمكن فهمه سوى من خلال أربعة عناصر رئيسية:

العنصر الأول: يتمثل في كون ما يجري في أوكرانيا صراع مصالح ونفوذ، وهو صراع بين القوى الكبرى بحيث لا تؤثر فيه الجوانب القانونية ولو كانت غير ملزمة، وبالتالي فإن اللحظة ليست لتسجيل مكاسب سياسية في شباك موسكو، بقدر ما هي لحظة تستدعي بحث سبل العمل العسكري وأساساً الالتفات إلى المعاناة الإنسانية للشعب الأوكراني، لذلك فإن قرار الجمعية العامة ليس من شأنه أن يقدم أو يؤخر في الوضع الراهن.

العنصر الثاني: يرجع إلى توسع النفوذ الروسي في أفريقيا بخاصة في ليبيا ومالي ومنطقة الساحل والصحراء من دون أن ننسى التحالف الكلاسيكي القائم بين موسكو والجزائر، لذلك فإن المغرب لا يرغب في وضع قضيته الوطنية في لعبة جديدة للمحاور بين الغرب وموسكو، ولا يريد أن يقدم هدية للنظام الجزائري بالاستثمار في عداوة مفترضة بين المغرب وروسيا. علماً أن المغرب بموقفه لا يؤسس لحياد سلبي، بل لحياد إيجابي لا يتنكر للمبـادئ التي ظل المغرب وفياً لها بخاصة الوحدة الترابية للدول وهو ما أكد عليه بوضوح بخصوص الحرب في أوكرانيا.

العنصر الثالث: يعتبر المغرب حليفاً من خارج “الناتو” للولايات المتحدة الأميركية منذ 1994، غير أن هذه الوضعية لم تتطور منذ ذلك التاريخ، بل إن دول “الناتو” والاتحاد الأوروبي، وبرغم العلاقات التقليدية التي تجمعها وجمعتها مع المغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإنها ظلت تراوغ في حسم موقفها من الوحدة الترابية للمغرب، في حالات معينة تم توظيف الملف للمساومة والابتزاز.

العنصر الرابع: أن المغرب في السنوات الأخيرة، اختار تنويع شركائه على المستوى السياسي والاستراتيجي والاقتصادي كما أكد على ذلك الملك محمد السادس في خطابه سنة 2016 أمام القمة المغربية – الخليجية بالرياض وفي هذا الإطار كان الملك قد قام بزيارات لكل من روسيا والصين والهند توجت باتفاقيات ذات بعد استراتيجي، وقد انعكست تلك الاتفاقيات على العلاقات الثنائية بين الرباط وتلك البلدان، ظهر ذلك بشكل واضح في موضوع لقاحات فيروس كورونا، حيث كان المغرب من بين الدول الأولى التي توصلت الى جرعات اللقاح الصيني أو البريطاني المصنع في الهند، وفي نفس الإطار عرف موقف روسيا كثيراً من التفهم للموقف المغربي بخاصة من خلال امتناع موسكو عن التصويت على القرار الأخير لمجلس الأمن المتعلق بالصحراء المغربية وهو ما سهل اعتماد القرار الذي يعتبر من أهم قرارات مجلس الأمن المتعلق بالنزاع، من دون أن ننسى أن شهر نيسان (أبريل) المقبل كموعد سنوي، سيكون مجلس الأمن مدعواً لاتخاذ قرارات غاية في الأهمية تهم النزاع المفتعل في الصحراء.

هذه هي مراجع تأويل الموقف المغربي المتوازن وتطورات الأحداث ستوضح مدى صلابته وتماسكه.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M