الموظفون المجازون بالجماعات.. حيف وحكرة

30 مايو 2018 17:32
خطة ترامب للسلام.. وعد بلفور جديد

هوية بريس – عبد الله النملي*

يعاني الموظفون المجازون بالجماعات الترابية من حيف كبير، فيما يتعلق بوضعيتهم الإدارية والمادية، جراء سياسة التمييز والكيل بمكيالين التي تنهجها الحكومات تجاه هذه الفئة من الموظفين، الأكثر حضورا للتدخل اليومي في التسيير الإداري لدواليب الإدارة الجماعية. وإذا كان المبدأ في الوظيفة العمومية هو سواسية الموظفين أمام القانون، كما يقر ذلك النظام الأساسي للوظيفة العمومية، فإن الواقع يظهر أن المصالح الإدارية المعنية ما زالت بعيدة عن تطبيق هذا القانون وإقرار بنوده على أرض الواقع. وفي الوقت الذي جرى فيه تسوية وضعية الموظفين المجازين بالقطاعات العمومية للدولة، تم فرض حالة الاستثناء على فئة من الموظفين المجازين بالجماعات الترابية، رغم أن عددهم لا يتعدى أربعة آلاف موظف مجاز، يعملون بكل تفان، لكنهم يواجهون من طرف الحكومات بالتجاهل والضرب بعرض الحائط مطالبهم المشروعة في تسوية وضعيتهم الإدارية، بالرغم من أنهم لا يقلون عن غيرهم، لا في مستوياتهم الجامعية، ولا في كفاءاتهم العملية. وهي وضعية منافية لدستور البلاد الذي ينص على المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص، ومخالفة للاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب.

وفي بيانات سابقة للتنسيقية الوطنية للموظفين المجازين، دعت وزارة الداخلية إلى فتح حوار جاد ومسؤول مع السكرتارية الوطنية، يفضي إلى التسوية الفورية لملف الموظفين المجازين، وإدماجهم بالسلم العاشر، وإخراج مرسوم استثنائي يُعجل بتسوية وضعيتهم. وقد سبق للموظفين المجازين المُصنفين في درجات ورتب دنيا، أن نظموا العديد من الوقفات أمام مقرات العمالات، ووزارة الداخلية، وغيرها من المصالح المعنية، بسبب رفض الوزارة الوصية على القطاع تسوية وضعيتهم، على اعتبار أن رتبهم الحالية لا تتناسب والشهادات المحصل عليها، حيث رفعوا شعارات تندد بتمديد إقامتهم في “زنازين” السلم السادس أو غيره، وحرمانهم من مقتضيات المرسوم الذي عجل بتسوية وضعية آخرين. ووجهت التنسيقية رسائل إلى النقابات والفرق البرلمانية والأحزاب ورئيس الحكومة ووزير الداخلية، تطالبهم فيها بمعالجة وضعيتهم المهنية على غرار إجراءات التسوية النهائية لوضعية حاملي شهادة الإجازة التي تم تطبيقها في كل القطاعات. كما بعثت التنسيقية برسالة لرئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان عبّرت فيها عن أسفها واستيائها من الطريقة الانتقائية التي تتعامل بها الحكومة في تدبير ملف الموظفين المجازين، وأضافت أنه “في الوقت الذي عملت فيه الحكومة على تسوية ملف المجازين في قطاع التعليم وغيره، وبأثر مادي وإداري رجعي، ما تزال الحكومة تمارس الإقصاء في التعاطي مع ملف الموظفين المجازين بالجماعات الترابية، والذين يؤدون مهامهم بكل تفان“. والتمست الرسالة من رئيس المجلس الوطني التدخل للمساهمة في حث الحكومة على تصحيح هذا الوضع.

ويذكر أن وزارة الداخلية، سبق لها أن قامت بإدماج جميع الموظفين المرسمين المجازين بالسلم العاشر، وذلك على ثلاثة أشطر (2008، 2009 و2010)، مع إمكانية إضافة شطر رابع لم يتم الوفاء به حتى الآن، حيث بلغ عدد المستفيدين من هذه العملية 3908 موظفا، بغلاف مالي يقدر بـ80 مليون، وفقا للمادتين الأولى والثانية من مرسوم رقم 2.06.525 الصادر في 28 يونيو 2007 المتعلق بتنظيم إجراءات استثنائية لتعيين الموظفين الحاصلين على إجازة للتعليم العالي في إطار متصرف مساعد والأطر المماثلة، غير أن هذه العملية استثنت الموظفين المجازين المؤقتين. وخلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2011 اقترح على وزير المالية والاقتصاد آنذاك من طرف الفرقاء النقابيين والسياسيين العمل على طي ملف المؤقتين نهائيا، حيث أشارت المادة 31 من قانون المالية لسنة 2011 على ترسيم جميع الأعوان المؤقتين. وبالفعل أقدمت الإدارات العمومية على ترسيم المؤقتين بتحديد 1/1/2010 تاريخا للترسيم واستثني موظفو الجماعات الترابية من ذلك، بعد أن تم ترسيمهم في السلم الخامس ابتداءا من تاريخ 1/1/2013 بدلا من 1/1/2010، لأن ترسيمهم في 1/1/2010 كان سيدرجهم في لائحة موظفي الشطر الثالث، وبالتالي الإدماج في السلم العاشر.

وبناء على ذلك، رفع الموظفون المجازون دعاوى قضائية أمام المحاكم الإدارية ضد الجماعات الترابية ووزارة الداخلية، حيث عرفت هذه الدعاوى أحكاما تراوحت بين القبول ورفض التسوية، حيث ترى الجماعات في مذكراتها الجوابية “أن الجهة صاحبة الاختصاص في التعيين في الإطار المطلوب هي وزارة الداخلية، بحكم أن قرارات إعادة الإدماج في السلم 10 صادرة عن وزارة الداخلية وليس رئيس الجماعة، علما أن دور رئيس الجماعة ينحصر في الاقتراح الذي يرفعه إلى الوزارة المذكورة باعتبارها سلطة التعيين في درجة متصرف، بحكم أن المتصرفين والمتصرفين المساعدين فئة منظمة تخضع للظهير الشريف رقم 1.63.038 بشأن النظام الأساسي الخاص بمتصرفي وزارة الداخلية، والذي يعتبر قانونا خاصا لم يتم فسخه وتعويضه بمقتضيات تشريعية أو تنظيمية أخرى، كما أن القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات الذي أعطى لرئيس المجلس الجماعي سلطة التعيين في جميع المناصب العليا يعتبر قانونا عاما يسري على جميع الموظفين باستثناء الفئة المذكورة“.

في حين يرى الوكيل القضائي بصفته نائبا عن الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة ومن معه أن “القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات أعطى اختصاص التعيين في جميع المناصب الخاصة بالسلم 10 و11 لرئيس المجلس الجماعي، ملتمسا إخراج المنوب عنهم من الدعوى، مستندا على مقتضيات المادتين 96 و127 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات التي منحته الاختصاص، بعد أن كان الاختصاص مقررا لوزير الداخلية قبل صدور القانون التنظيمي المذكور ودخوله حيز التنفيذ، وهذا ما أكدته دورية السيد وزير الداخلية عدد 691 بتاريخ 4/4/2016 والتي جاء فيها أنه ” بالنسبة لمتصرفي وزارة الداخلية الخاضعين للظهير الشريف رقم 1.63.038 بتاريخ 2 مارس 1963 المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بمتصرفي وزارة الداخلية فإن تدبير حياتهم الإدارية يتم من طرف الجماعة الترابية..“.

أما الأحكام القضائية الرافضة للتسوية، فاستندت للمرسوم رقم 2.06.525 الصادر بتاريخ 28 يونيو 2007 والمتعلق بتنظيم إجراءات استثنائية لتعيين الموظفين الحاصلين على إجازة للتعليم العالي، تم بموجبه إدماج 3 أفواج من موظفي الجماعات المجازين في السلم 10 من طرف وزارة الداخلية، غير أن مقتضيات ذلك المرسوم، بحسب بعض التفاسير، طالها الفسخ وحلت محلها مقتضيات النظام الأساسي الخاص بهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات رقم 2.6.377 الصادر بتاريخ 29/10/2010، حيث أصبح التعيين في السلم 10 يتم عن طريق اجتياز المباراة، ناهيك عن تغيير قانون الوظيفة العمومية من خلال إلغاء حق الترقي بالشهادات.

واتخذت الأحكام القضائية القاضية بأحقية تسوية الوضعية للسلم العاشر سندا لها في المرسوم رقم 2.92.231 الصادر في 29/04/1993، والمرسوم الملكي رقم 1173.66 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة الداخلية، وصدور دوريات وزارة الداخلية لتفعيل المقتضيات السالفة الذكر، تحت عدد 195 بتاريخ 04/07/1988، وعدد 199 بتاريخ 10/11/2000 ، والمنشور الوزاري عدد 91 بتاريخ 16/08/2005، والمرسوم رقم 2.02.349 الصادر في 07/08/2002، وتوفر أطر وزارة الداخلية على نظام خاص لا يخضع لنظام المباراة، وهو ما أكدته مذكرة وزير الداخلية عدد 406 بتاريخ 30/01/2014 ، وكذا الفصلين 9 و43 من ظهير 1.63.038 بشأن النظام الأساسي الخاص بمتصرفي وزارة الداخلية. ولما كان حق التسوية مؤسس على مقتضيات الظهير الشريف 1.63.038 ، وكان هذا النص نصا خاصا بهذه الفئة، فله أولوية في التطبيق على غيره في ظل عدم نسخ مقتضياته حتى الآن، فهو الواجب التطبيق حال تعارضه مع غيره وفق ما انتهت إليه المحكمة الإدارية بمراكش بمناسبة إصدارها للحكمين 174 ملف 912/7105/2016 و175 ملف 913/7105/16 جاء فيه (في حين أن فئة المتصرفين والمتصرفين المساعدين فهي منظمة بمقتضى نص خاص هو الظهير الشريف رقم 1.63.038… (و) أن الأولوية في التطبيق في حالة تعارض بين الخاص والعام يكون للخاص)، لأن المرسوم 2.06.377 لم ينسخ مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.63.038 باعتبار المرسوم لا يمكن أن يلغي ظهيرا شريفا أو يعدله.

ومن شروط نسخ القوانين أن يكون الإلغاء أو النسخ صريحا طبقا للفصل 474 من قانون الالتزامات والعقود، واحترام قاعدة عدم رجعية القوانين المؤكد دستوريا بمقتضى الفصل 6 من الدستور، ذلك أنه لا يمكن الإضرار بحق من كان له مركز قانوني قائم في ظل المراكز والأوضاع القانونية الناشئة في ظل القانون القديم والتي عرفت طريقها للتنفيذ. وهو ما تعرضت له محكمة الرباط في حكمها المتعلق بمجموعة 20 يوليوز، حكم عدد 3063 بتاريخ 30 شتنبر 2013 رقم 190/7105/2013، جاء فيه (من شروط تحقق نسخ القاعدة القانونية احترام عدم رجعية القوانين المكرسة دستوريا، ذلك بأن لا تطال القوانين اللاحقة القوانين السابقة التي استوفت شروطها القانونية وعرفت طريقها إلى التنفيذ). ولما كان المرسوم 2.06.377 الصادر في 29/10/2010 قد استند في مراجعه على الظهير الشريف رقم 1.58.008 بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية، فإن الرجوع للفصل 4 من هذا النظام يقول (ينطبق هذا القانون على سائر الموظفين.. إلا أنه لا ينطبق على رجال القضاء والعسكريين التابعين للقوات المسلحة الملكية وعلى هيئة المتصرفين بوزارة الداخلية).

وإذا كان قانون الوظيفة العمومية لا يطبق بشأن وضعية متصرفي وزارة الداخلية، فإن المراسيم المستندة إليه أو التنفيذية له، لا يمكن قانونا أن تطبق في حق متصرفي وزارة الداخلية. وقد حسمت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش في مسألة خضوع المتصرفين المساعدين لمقتضيات المرسوم 2.06.377 بمقتضى قرارها عدد 1694 بتاريخ 8/12/2016 ملف 1008/7208/2016، جاء فيه (حيث إن كان المدعي -المستأنف عليه- من جهة قد أسس طلب تسوية وضعيته الإدارية على مقتضيات المادة 9 من النظام الأساسي الخاص بهيئة المتصرفين بوزارة الداخلية، فإن المستأنف عليها ما فتئت تتمسك بكون وضعية المدعى تحكمها مقتضيات المرسوم 2.06.377 لكن حيث إن المرسوم المذكور وإن جاء لاحقا لمقتضيات النظام الأساسي الخاص بهيئة المتصرفين الذي ينطبق على نازلة الحال فإنه لم ينسخه وبالتالي تبقى مقتضيات هذا الأخير سارية المفعول..)، فضلا عن أن وزارة الداخلية سبق لها أن سوّت وضعية العديد من الموظفين مركزهم القانوني مطابق للطالبين بالتسوية، كما أن بعض الجماعات الترابية سوّت بشكل انتقائي وضعية بعض الموظفين دون الباقي من خلال استئناف الأحكام للبعض وعم استئنافها عن البعض الآخر، مثلما حدث في جماعة الرباط، مراكش، وجدة، ورززات، تاونات، وهو ما يجعل موقف المدعى عليهم مخالف للقانون ومبدأ المساواة. وقد اعتبرت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش في قرار لها تحت عدد 13 ضد جماعة مراكش أن (خرق مبدأ المساواة في مجال تسوية وضعية الموظفين وحده كاف للحكم بالتسوية المطلوبة لمن حرم منها).

وحسب نتائج الحوار الاجتماعي القطاعي ماي 2011، وبقاء حق التسوية على مستوى بعض القوانين الأساسية لبعض القطاعات، استفاد من الترقية بالشهادات حوالي 7000 من حاملي الإجازة والماستر من أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي وملحقي الإدارة والاقتصاد والملحقين التربويين من الدرجة الثالثة الحاصلين على الإجازة بين 2008 و2010، وحوالي 5000 من المعلمين العرضيين، وتسوية وضعية خريجي مؤسسات تكوين الأطر، والمستشارين والممونين والمقتصدين وموظفي وزارة الصحة. أما الموظف الجماعي المحكور دوما، والذي يقوم بعمله الإداري تجاه المرتفقين ويسهر كذلك على كل العمليات الانتخابية، ويتحول إلى عطار يجوب الدواوير والأسواق صحبة أعوان السلطة بغية تسجيل المواطنين في اللوائح الانتخابية، ويتجرع كل هذه المتاعب مقابل دراهم معدودة، في حين يتوصل رجال السلطة بتعويضات مادية مهمة، يقوده حظه العاثر إلى تنكر كل هذه المؤسسات التي ساهم في إخراجها إلى حيز الوجود، بدءا بالمجالس الجماعية والإقليمية والجهوية والبرلمان، بل إن بعضها يصوت على قوانين ومراسيم تراجعية ضد الموظف الجماعي، ولا يعترف له بحقوقه الأساسية في تسوية وضعيته بواسطة الشهادة التي أفنى زهرة عمره للحصول عليها. فلا يعقل أن تسوي الحكومات وضعية الآلاف من موظفي القطاع العام، وبغلاف مالي كبير، وتتماطل في تسوية وضعية موظفي الجماعات الترابية المجازين. فلعمري إن ذلك هو قمة سياسة الكيل بمكيالين، واستهتار بحقوق الموظف الجماعي، ودوس على كرامته، علما أنهم ينتمون لنفس البلد، ويعملون بنفس الإدارة، ويحملون نفس الشهادات، وقضوا نفس السنوات من الدراسة، وتلقوا نفس التكوين، وتخرجوا من نفس الجامعات المغربية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* إطار متصرف كاتب وباحث.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M