الناس والصيف واللعب والترفيه

10 أغسطس 2020 11:15

هوية بريس – الحبيب عكي

الترفيه واللهو واللعب والمرح والطرائف..،وغيرها من وسائل الراحة والترويح والبسط والاستجمام، أسئلة عديدة تطرح بشأنها،وحسب جوابها يتوقف مدى استيعابنا للموضوع من عدمه،ليس من حيث توضيح التصور فحسب،بل حتى من حيث تصحيح الممارسة وهذا هو الأهم. لماذا الترفيه؟،وأي ترفيه؟،وكيف..ومتى..وأين..ومع من..؟،هل هو عادة أم عبادة؟،هل لا ينقصنا إلا الترفيه واللعب والحياة جد لا هزل؟،وحتى إذا قبلنا ببعض اللعب فما هي أنواعه؟،وما هي قواعده؟،ولماذا نمارسه بإسراف أو لا نمارسه بالمطلق؟،أي قيمة مضافة ستكون له إذا أدخلناه في حياتنا المعقدة وأية أدوار وظائفية أو استثمارات تربوية ممكنة،وكل هذا يتعلق بالموضع كموضوع لا بأشخاصه ولا أوقاته صيفا كانت أو شتاء؟؟.

          هنا ذهب القوم شتى المذاهب من أقصاها إلى أقصاها،فقوم استمروا اللعب طوال حياتهم  وفي مختلف أشيائهم ،وعلى مدى تطور أعمارهم مارسوا مختلف الألعاب،وشجعوا مختلف الفرق،مرتهنين على مختلف الدوريات والسباقات،مدمنين على مختلف الألعاب الإلكترونية التي قد يقضون معها من الأوقات وينفقون عليها من الأموال والأعصاب ما لا يقضونه ولا ينفقونه على أهاليهم وأعمالهم، حد الليالي البيضاء..حد التشرد في الشارع من بيع المساكن والممتلكات..حد الإهمال والخناق والطلاق مع الزوجات،وبعضهم دون خجل يستثمرون في المهرجانات الفنية الصاخبة وفي الفرق والجمعيات والمنح والأسفار الرياضية ومقاولاتها الريعية واقتصادياتها الرهيبة،واجدين لأنفسهم من الأقوال والأفعال المؤولة سوء التأويل ما يسعفهم:” غير بالمهل كايتكل بوذنجال”،”اضحك تضحك لك الدنيا”،”وإلى عطاك العاطي..لا تحرث لا تواطي”،”دير الهم في الشبكة..شي يطيح وشي يبقى”،”إلى جات الدنيا تجي بسبيبة..وإلى مشات ما تكودها سلاسل”،”اللي زربوا ماتوا..واللي اهتموا أش داروا”،”إن لبدنك عليك حقا..فساعة وساعة”،”اللعب هزل..ولكنه الجد كل الجد..حينما يحين الجد”؟؟.

          وبالمقابل هناك من أصحاب الجد،أعداء اللعب،حياتهم تكاد تختنق ب حموضة الجدية المدمرة المسمومة،لا يمارسون الرياضة ولا يحبونها،لا يلعبون مع أهاليهم ولا يبسطون معهم،ولا يستطيعون حتى الجلوس والحديث الجماعي مع غيرهم،بيوتهم صمت في صمت،واستسلام للتلفاز والعبث في الهواتف الذكية..؟؟،وهم أيضا يجدون لذلك أقولا ومبررات مجملها قابل لسوء التأويل كقولهم:”لو تعلمون ما أعلم،لبكيتم كثيرا..ولضحكتم قليلا”،”إن سنلقي عليك قولا ثقيلا”،”يا يحيى خذ الكتاب بقوة”،”اللعب مخدر الأمة..مفتر الشعوب”،”على قدر أهل العزم تأتي العزائم”،”احنا ما كنلعبوش..درنا شي حاجة بالجد..عاد نديره باللعب”،”لعب مع الدراري تصبح فاطر”،”إذا رأيت رب البيت يضرب الدف،فلا تلومن الأبناء على الرقص”،”والله إلى ما قفل ما يفور..حكاية الصرصار والنملة”؟؟.

          والواقع،أن كلا الموقفتين متطرفين،وأخطر ما فيهما أنهما يخرجان الترفيه واللعب والبسط والترويح عن سياقهما الصحيح تصورا وممارسة، لأن اللعب بقدر ما يمكن أن يكون مجرد عبث لا طائل من ورائه غير طائل إحداثه،بقدر ما يمكن أن يكون ترفيها وترويحا عن النفس المهمومة المضطربة والعودة بها عودة الراعي بغنمه إلى حظيرة الحياة الطبيعية المتوازنة،فقط بشيء من البسط والمرح والانشراح ببعض الحركات الرياضية الرشيقة أو الطرائف والملح التي يستمتع فيها المرء بغريب الكلام وعجيبه ولطيفه وما يعبر عنه من تناقضات بعض مواقف الحياة مما يطلق في الجسم موجة من الابتسامة الحلوة والضحك الواعي والتعديل السلوكي و هرمون التوازن السعادة؟؟،فاللعب إذن بهذه المعاني،هو نشاط ترفيهي بقيمة تربوية مفعومة بالترويح والتسلية،وخاطىء كل من يقصره على التربية وحدها أو على مجرد التسلية وحدها،بل هو متعة وإفادة،واللهو واللعب فطرة إنسانية،والفطرة لا تصادر،ومن منع اللعب في بيته مع الأقارب لعب أبناؤه في الشارع والمآرب مع غيرهم من الأباعد،مع ما قد يوجد في تلك الأوساط من الظواهر السيئة،ومن همش اللعب في أنشطته الحركية و الجمعوية تجاوزه الزمن وأصبح ذلك من أبواب التقصير و اللاواقعية والانغلاق ..وإن وضع في مواثيقه وقوانينه الأساسية أولوية الفن والرياضة و وضعها؟؟.

          اللعب والترفيه ممارسة أصيلة في الدين،مما ثبت عن رسول الله (ص) أنه لا رهبانية في الإسلام،وأنه كان (ص) يسابق عائشة (ر) فيسبقها وتسبقه هذه بتلك،وكان (ص) ينحني للحسن والحسين فيركبان على ظهره الشريفة ويقول:”نعم الجمل جملكما ونعم الراكبان أنتما”،وكان (ص) قد رفض لعمر بن الخطاب (ر) نهره للأحباش لعبهم في المسجد يوم العيد فقال له:”دعهم فإنهم بنو أرفدة”يعني الحبشة المعروفون بلعب الرماية تلك،بل كان (ص) يستر على عائشة (ر) حتى تأخذ من فرجتها منهم ما تأخذ؟،وذلك الرجل الذي قال:”والله إن لي 10 أبناء ما أقبل منهم من أحد”،قال المسلمون:”وماذا نفعل لك إذا نزع الله من قلبك الرحمة”؟؟.واليوم أيضا ما من داعية ناجح إلا وفي خطبه قصص معبرة وطرائف مضحكة،وما من مكون في التنمية البشرية إلا وفي عروضه “كسارات جليد”يبسط بها مع الناس ويرفه عليهم حتى يطمئنوا إليه وينشرحوا لعلمه ويتحمسوا لمهاراته وتفتح بينه وبينهم جسور التواصل وإمكانيات الاستفادة؟؟.

          الأمور إذن واضحة،وبلا شك دلائلها مقنعة،ولكن مع الأسف لا زالت العادة تغلب العبادة ولازال الطبع يغلب التطبع،فهناك الكثيرون ممن لا يعرف اللعب واللهو في حياتهم وجودا،ولا الرياضة والاستجمام ممارسة،ولا الترويح والبسط نكهة،حتى إذا كان شيء من ذلك فبكل برودة وطقس رسمي وجدية وصرامة تفقده المنتظر من طعم اللعب كالمتعة والحبور والأنس والمودة والسكن والاطمئنان،وتلك قمة المأساة أن يفقد المرء حتى القدرة على اللعب والترفيه حتى مع أهله وأبنائه، أو يبقى أسيرا بين مخالب المشاكل المادية و حموضة الحياة ومفرقعاتها من الشكوى و”النكير والمعيار” وشظاياهما الحارقة؟؟.

          الألعاب الترفيهية أنواع،صغرى وكبرى،داخلية وخارجية في الهواء الطلق،غابوية وشاطئية،عائلية تخييمية ومدرسية فردية وجماعية،تعبيرية وثقافية،سحرية ونارية..؟،للمرء أن يختار منها حسب حاجته وظروفه وقدرته وتواجده..ما يعجبه ويلبي حاجته،فجلها لها وظائف تربوية تكوينية كما قلنا كالمساهمة في الاندماج الاجتماعي،والتخفيف من العزلة والانفراد،أو الوظيفة التعليمية والاستكشافية للمواد المستعملة في الألعاب وطبائعها،أو التعريف بالقوانين وضرورة احترامها،الاعتماد على النفس والتعاون والتنافس الشريف والعمل الجماعي وشروط نجاح الفريق،توارث جماليات الأهازيج والرقصات واللوحات والأولمبياد التعبيرية والرياضية للشعوب والبحث عن معانيها وتاريخها،وظيفة التنشيط والترفيه والتسلية والثقة والأمل والتفاؤل،بل وظيفة العلاج من الحالات النفسية المكتئبة والسلوكية المنحرفة…؟؟.ولنجاح أية لعبة لابد من الدراية التامة بها وبقواعدها والحرص على أهدافها وتوفير وسائلها،لابد كذلك من تملك بيداغوجيا ممارستها والإشراف عليها سواء تلق الأمر بالكبار أو مع الصغار؟؟.

          غير أنه لا ينبغي للواقع وما يسود فيه ويشاع أن يكون هو المرجع في ألعابنا،بل لابد من مراعاة بعض القواعد التي تترك اللهو واللعب والبسط والترويح في حدوده المباحة في الشريعة ومنها:

         1- أن لا يلهي عن العبادات،فهي مقدمة على العــادات.

         2- أن لا يكون فيه كذب فالرسول كان يمزح ولا يقول إلا الحق.

         3- أن لا يكون فيه فحش ولا تفحش كما هو سائد عند الكثيرين.

         4- أن لا يكون فيه رهان كمـا في رهانات السباقات والدوريات..

         5- أن لا تنتهك فيه حرمات الله كالتعري أو الخمور في الألعاب.

         6- أن لا يكون فيه تعذيب لخلق الله كما في ألعاب الديكة والثيران.

         7- أن لا يكون فيه استهزاء بالقيم والتعاليم و الشخصيـات الدينية.

         8- أن لا يكون فيه غش واحتيال وتعصب أو يكون خاليا من التهذيب وحسن الخلق و الروح الرياضية.

         9- أن لا يكون فيه استهزاء بالإثنيات والألسن والألوان و المدن وغير ذلك مما وجد فيه الإنسان نفسه وهو ليس عنه مسؤولا، بل إن كل تلك الاختلافات آية من آيات الله سبحانه وتعالى.

         10- أن يكون اللعب بالقدر المباح كقدر الملح في الطعام،فالحياة جادة لا ينفع معها غير الجد ولو بلباسه الساخر،و ما يزهد في العديد من البرامج الإعلامية لرمضان – كما يقول النقاد – إلا لطغيان الكوميديا السمجة فيها،والواقع أنها ينبغي أن تكون ساخرة هادفة،ولا ينبغي أن تفوق فيها نسبة 15 %،وحتى هذه النسبة بعضها ينبغي أن يكون مبثوثا في ثنايا البرامج الأخرى كرسائل مرحة وهادفة،معلمة ومقومة؟؟.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M