الهوية الوطنية الموءودة في درس وزير الـ«habous»

09 يونيو 2017 14:28
الهوية الوطنية الموءودة في درس وزير الـ«habous»

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

فرار وزير الحبوس من محددات درسه

الإنطباع الذي خرج به من تابع درس وزير الحبوس في درسه الحسني الافتتاحي، هو السرعة المفرطة في إلقاء مكتوبه على شاكلة الواصفين الرياضيين لمباراة في ميدان كرة القدم، وهم يحاولون شد المستمع لأرجل اللاعبين في انتظار خروج الكرة للشرط أو دخولها في المرمى.

لقد كانت حالة الوزير ولسانه يطارد العبارات، وأنفاسه تلهث وراء التخريجات، تدعو للإشفاق، لدرجة أنه لم يترك فرصة للرائي أو المستمع كي يستوعب ما يقول؛ فعلَ من تنبه فجأة لوقوعه في شرك فأراد الخروج منه بأية وسيلة، ولم يكن الشرك سوى موضوع درسه أو بالأحرى عنوان درسه الذي يدور حول محددات، هي: دور، علماء، حماية، الهوية، الوطنية، فحاول الشطح بعيدا عن إيقاعها، فكانت المنزلقات التالية:

التحذير من المتدين بالإسلام

يظهر ذلك في المثل الذي ساقه حول أحد العلماء المشهورين بالورع والزهد في المغرب القديم، الذي ذهب للحج لكن لما عاد منه ترك ورعه وانشغل بتحويل رأسماله الرمزي لخدمة مخططه في السياسة وطلب الحكم والتضييق على الناس في معتقداتهم بامتحانهم فيها، وهو تنزيل وشائي تحذيري من ذوي المرجعية الإسلامية، أو الذين لا يحجون إلى باريس ولندن ونيويورك، مع العلم أن رواد تلك البلدان والناهلون من ثقافتها لا يحتاج ضلوعهم في قلب النظام وتغيير الهوية الوطنية بل تدميرها لدليل.

مشيخة العلماء المتحكم فيها

القول بالحضور الفاعل لمشيخة العلماء الممثلة في المجلس العلمي الأعلى الذي لخص عمله في نشر -(وليس إنتاج)!! بعد ردح من الزمن- ثلاث وثائق حول: المصلحة المرسلة، وحكم الشرع في دعوى الإرهاب، ومفهوم السلفية، بناء على قاعدة درء المفاسد على جلب المصالح المحمية من إمارة المومنين.

فأين يتحقق فعل العلماء المشار إليه في حمايتهم للهوية الوطنية، التي ركزها صاحب الدرس في العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف وإمارة المومنين؟ وهي ركائز ليس لمشيخة الوزير يد في اختيارها ولا تثبيتها إذ هي ثابت من ثوابت المغرب عمل علماؤه على حمايتها من عوامل الهدم عن طريق الغزو الاستعماري وبعده الغزو الثقافي الغربي الذي يريد تحويل المغاربة عن الإسلام الذي سمح للمغاربة بالتصدي لمظاهره التي تتزيا بأزياء مناسبة لكل عصر.

والذي لا يحرك العلماء العدول في مشيخة الوزير ساكنا ضدها حتى عندما تهاجم ثوابت الإسلام ونظام الحكم وأركان المجتمع، المتمثلة في التربية والتنشئة الاجتماعية وتبادل الأدوار عبر المؤسسات التي يلوم المحاضر المسلمين على عدم الأخذ فيها بأساليب الحكم الناجحة عند غير المسلمين والمنبنية أساسا على الحرية والديموقراطية والانتخاب للتداول السلمي على السلطة.

فهل فعلت مشيخة العلماء الذي يحكمها الوزير بشيء من ذلك؟ هل تم انتخاب أعضائها؟ هل يتداولون في الشأن العام للمسلمين كباقي المؤسسات الاجتماعية باعتبار دورهم في الدفاع عن الهوية الوطنية موضوع الدرس؟ أم أنهم تحولوا لإكليروس يذكرون عند الحاجة مما أفقدهم المصداقية الدينية والوطنية؟

هل أتيحت لهم للإسهام في مختلف الفنون السمعية والبصرية، وإدخال بعض المظاهر الشعبية في دائرة الشرع، لا سيما في العالم القروي كما يقول؟

هل وجدوا دورهم في الإعلام العمومي ليقوموا بحماية الهوية الوطنية من الغلاة المتطرفين والمبطلين الناكرين والعدميين؟ ونضيف المغربنين والملحدين والسفهاء؟

عالم الدين فاعل صامت في التغيير

يقول الوزير بأن عالم الدين فاعل في التغيير إلى جانب غيره من الفاعلين، يذكر الناس بمعنى الحياة وبالسلوك المناسب لشرع الله وحكمته في الخلق وفق كليات الشرع على أوسع ما تتيحه آليات التدبير الحديث، بمعنى أنه لا يحق له إنكار منكر يصادم الثوابت الدينية أو الوطنية ما دام لا يتماشى مع المقررات الدولية.

إنها شقشقات كما يقال لم يعد أحد يأبه بها، لأن المشاركة في التغيير تقتضي الحرية، والرشد، والتملك، وهي مبادئ توضع كالحذاء في باب مشيخة العلماء لمن رضي عنه الوزير وبطانته دخولها، وإلا أينهم العلماء في القضايا الأساسية التي تهم بناء المجتمع، وإقامة العدل فيه، وتوزيع خيراته بالقسط، ودفع مضار تغول الفاعلين في الشأن العام، وتهديد السلم الاجتماعي نتيجة العجز عن محاربة الفساد والاستبداد، وهو ما يعطيهم الحجة البالغة لبعدهم عن الطوائف والتكتلات المصلحية والأطاريح المتعارضة إن فعلوا، فالحَكم لا يمكن أن يكون خصما، والعلماء العدول الأثبات الذين قادوا بلادنا في زمن التحولات الكبرى كانوا متوفرين على الحرية والرشد والتملك، فكانت كلمتهم مسموعة، ورأيهم نافذا، ومشاركتهم الآخرين في درء المفسدة وازنة.

الهوية المغربية مدينة للسلفية الوطنية

وأخير نقول مع كامل الأسف بأن تغريد الوزير في درس الهوية الموءودة لم يكن فقط بعيدا عن المعضلات التي يطرحها التغيير المفروض على الأمة للنيل من ثوابتها الدينية والوطنية التي عمل علماء المغرب على بلورة حلول لإشكالياتها في مطلع القرن الماضي، تحت شعار “السلفية”، لتأييد التشبث بما كان عليه الأولون من أهل السنة والجماعة، إطار هويتهم الدينية، من أجل النضال ضد الاستعمار.

بيد أن السلفيين المغاربة لم يقفوا عند ذلك بل عملوا على تحديث آليات الدولة، ومجابهة الاستيلاب الفكري، والاستغلال الاقتصادي، والتردي الاجتماعي، وخلاف ما قال الوزير أنشأوا المدارس الحرة لاستيعاب تاريخهم الواقعي وتاريخ الأمم الأخرى، والدعوة للتعليم، وتنفيذ ذلك بشكل واسع، ولعل الطفرة التي حدثت فيه بعد الاستقلال من تحويل المساجد لمدارس والقيام بمحاربة الأمية وانبعاث هيئات ومؤسسات جديدة لتأطير المجتمع خير دليل على ذلك.

غير أن تلك المجهودات أجهضت مسيرتها العوائق الإيديولوجية والاستعمارية وأهواء ربائب المنتفعين من عجز الأمة، لتحقيق ما عجز الاستعمار عن فعله بفضل دفاع العلماء عن هوية البلاد التي انطلقت من البعث السلفي لتمنيع البعث الوطني، ويكفي القول بأن شعار المملكة من إبداع العلماء، والمطالبة بالاستقلال والعمل على تحقيقه من بركات دمائهم الزكية التي سالت في المنافي والسجون.

تنصير المغرب مطلب أوربي وتحد مغربي

لقد أقامت السلفية الوطنية سدا منيعا من أجل حماية الهوية الوطنية والدينية في مطلع القرن الماضي بعدما تبين لها هدف الغزو الاستعماري الذي يريد تنصير المغرب وجعله ولاية “مسيحية”، وهذا يتوافق مع الأسف مع قول الوزير بأن “عمل المومن تكملة للشهادة”، وهو قول سبقه له أكثر من منظر استعماري.

يقول أحدهم: “المغاربة لم يبلغ الإسلام لقلوبهم وإنما عرفوه معرفة سطحية، بل إن سكان الجبال لم يعرفوه ولا آمنوا به في يوم من الأيام، فهم ما يزالون مسيحيين، وأن دعاة المسيحية الذين بثتهم فرنسا في القبائل إنما هم وعاظ يذكرون إخوانهم بدينهم القديم، لا دعاة لدين جديد أو معتقدات غريبة”.

فالسلفيون المغاربة الوطنيون هم الذين جابهوا هذا الفكر بمصداقية لم تعط لهم من وزارة ولا مشيخة، ودفاعهم عن الملكية كان دفاعا عن الإسلام والهوية المنبثقة عنه في الملبس والمشرب والحكم والعلاقات الاجتماعية والدولية، لا كما يقول الوزير.

يقول شارل دفوكو: “إذا لم نعرف كيف نجعل شعوب مملكة فرنسا في غرب شمال إفريقيا فرنسيين فسيخرجوننا من أرضهم، والوسيلة الوحيدة لجعلهم كذلك هو تحويلهم مسيحيين”، مضيفا “لن تثبت قدمكم في المغرب دون القضاء على الإسلام به”.

من المؤكد أن الوزير يعرف أكثر مما أوردت عن التطلع الملح من قبل الغرب لمسخ الهوية الوطنية للمغاربة لأنها ممتزجة بالإسلام، وهو ما صعب مهمته ومهمة الانقلابيين الإيديولوجيين والعلمانيين المتفلتين من كل منطق، ولذلك كان المؤمل من صاحب الدرس وهو المؤرخ المقتدر وحامل أختام الخزانة الوطنية لسنين، ومطلع على أرشيف البلاد داخليا وخارجيا، أن ينور مستمعي درسه من كبار الدولة وعموم الشعب، بمخططه في تدعيم مشيخة العلماء الماسك بلجامها في حماية الهوية الوطنية حتى يستردوا بعض بريقهم لدى المجتمع، فيسمعوا لهم إذا ما أخرجوا لتهدئة مهيعة أو الوساطة في ملمة فيكون لهم من النجاح نصيب، لا أن ينعتوا بصفات قدحية قد لا تليق بأغلبهم.

لأن الله لا يصلح عمل المفسدين.

 

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. عندما ارى هذه الوجوه الممسوخة اترحم على الملك الحسن الثاني، لأنه لم يعكر مزاج المغاربة بأمثال هذا الوزير الممقوت

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M