انتخابات تركيا… الكل فائز والشعب التركي أكبر الفائزين

29 مايو 2023 09:42

هوية بريس – سعيد الغماز

أُسدل الستار عن إحدى الانتخابات التي اكتسبت شهرة عالمية، وتتبعتها وسائل إعلامية على الصعيد الدولي. كما أنها انتخابات عرفت نسبة كبيرة من الاستقطاب، جعلت نسبة المشاركة تفوق 80% وتعدت  90% بين أتراك الخارج. وهي نسبة حسب المحللين، عالية جدا قياسا لباقي الانتخابات في الدول الديمقراطية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

كانت إذا الانتخابات في تركيا عرسا ديمقراطيا بكل المقاييس. اعتمد فيها أردوغان على مشروعية الإنجاز وما حققه لتركيا خلال عشرين سنة حيث انتقلت تركيا من دولة هامشية تنتمي للعالم الثالث، إلى دولة تنتمي لمجموعة العشرين وتحظى باحترام واهتمام الدول الكبرى، وأصبحت تحتل مكانة متقدمة في السياسات الدولية حتى أنها أصبحت الفاعل الرئيسي الذي تعول عليه أمريكا وأوروبا في الحرب بين روسيا وأوكرانيا. كما أن المعارضة مارست حقها الانتخابي كاملا وأنشأت تحالفا من ستة أحزاب لأنها تعرف جيدا أنها كأحزاب منفردة، لن تستطيع شيئا أمام شعبية حزب أردوغان رغم قضائه 20 سنة في الحكم.

عرفت انتخابات تركيا استقطابا غير مسبوق قسَّم المجتمع التركي إلى تيار يصف نفسه بالحداثي، ويصف التيار الآخر بالمحافظ. يقابله تيار يصف نفسه بالمواطن الأصيل ويصف التيار الآخر بالفاقد للبوصلة والباحث عن خيارات مستوردة. لكن استقواء التيار الحداثي بالثقافة الغربية والدعم الكبير للإعلام الغربي له، جعل فئة عريضة من الشعب التركي التي تقف على مسافة واحدة من التيارين، تُغلِّب الروح الوطنية التركية وتُعطي أصواتها لأردوغان. تكتل المعارضة في ستة أحزاب هو اعتراف صريح منها بأن أردوغان يملك شرعية النجاحات في التنمية والاقتصاد وخدمة القضايا المجتمعية للمواطن التركي، وأنه مازال يتمتع بشعبية كبيرة في الشارع التركي رغم قضائه 20 سنة في الحكم.

من المفارقات التي استأثرت باهتمام المحللين في هذا الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في تركيا هو التقدم الذي أحرزه أردوغان في المناطق التي تضررت من الزلزال على رأسها أضنة، حيث فاز أردوغان بالأغلبية في الدور الأول، وزاد نقطتين معززا كتلته الناخبة في الدور الثاني. وفي المقابل لم تحقق الأحزاب الستة المتحالفة ضد أردوغان، الأغلبية العددية في المناطق الكردية ديار بكر، بل تراجعت بنقطتين في الدور الثاني. تصويت المناطق المتضررة من الزلزال لأردوغان يعكس السياسة الاجتماعية للرئيس واهتمامه بخدمة المواطن التركي، وهو ما يشكل القوة الانتخابية لأردوغان. فيما تراجَع الأكراد في التصويت لمنافس أردوغان كمال كليجدار أوغلو لأنهم لا يثقون في خطاب المعارضة، وفضلت كثلة كبيرة عدم التصويت.

ومن مفاجآت الدور الثاني كذلك، الاختراق الانتخابي الذي حققه أردوغان في معقل العلمانية الأتاتوركية مدينة إزمير التي ظلت لعقود وفية لفكر أتاتورك. فقد حقق أردوغان اختراقا غير مسبوق شجع أنصاره على إقامة حفل كبير أمام مقر الحزب بالمدينة. وربما هذا الاختراق هو الذي جعل أردوغان يتحدث عن القرن الجديد لتركيا. فالخلافة التركية سقطت رسميا عام 1923، ونجح أردوغان في انتخابات 2023 أي بعد 100 سنة على سيطرت نموذج أتاتورك، وحان الوقت لإعلان 100 سنة قادمة لنموذج أردوغان.

ربح أردوغان الانتخابات الرئاسية، وعزز مكانته كزعيم تاريخي لتركيا. كما ربحت تركيا تعزيز الممارسة الديمقراطية، حيث أفضت النتائج إلى إجراء الدور الثاني في سابقة أولى في تاريخ تركيا الحديثة، وإعلان الفائز بنسبة 52% وأخيرا اعتراف المعارضة بهزيمتها وتقبل المواطن التركي للنتائج سواء من صوت للمعارضة أو من صوت لأردوغان. ينضاف إلى كل هذا التراكم في الممارسة الديمقراطية الذي تحققه تركيا، الالتفاتة الرمزية لأردوغان بدعوة أنصاره لحمل الأعلام التركية فقط خلال الاحتفالات دون أعلام الحزب. إنه بالفعل قرن تركيا الجديد.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M