بابا النصارى يتألم حزنا ويشعر بالكمد.. لماذا يا ترى؟؟

01 أغسطس 2020 19:15

هوية بريس – إبراهيم الطالب

من لم يستوعب الظروف الدولية التي تم فيها تحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف، لن يُقَدّر أبدا عظمة القرار التركي الرئاسي بإعادة فتح مسجد آيا صوفيا في وجه المسلمين، ولن يفهم حقيقة الانتقادات التي تكاثرت والطعون التي تناسلت بعد الإعلان عن قرار إعادة الوظيفة الإسلامية للمسجد المذكور.

والجديد في الأمر أن الانتقادات والطعون لم تصدر فقط عن القساوسة والرهبان والساسة الغربيين، الذين لا يؤمنون بـ”الديمقراطية” إلا إذا كانت خادمة لهم أو للكيان الصهيوني، بل صدرت أيضا عن دول إسلامية وشخصيات مسلمة ومنابر وقنوات إعلامية تابعة لأنظمة دول إسلامية، في حين آثرت بعض الدول الإسلامية تجاهل الأمر لحسابات دبلوماسية مع الدول التي ساءها هذا الحدث العظيم.

فرغم أن القرار الرئاسي كان مبنيا على حكم القضاء الذي قطع بأن المسجد هو وقْف للمسلمين بموجب الرسوم التوثيقية والأدلة التاريخية، إلا أن القرار واجَه انتقادات النصارى وغضبهم وطعون رؤساء الدول الغربية وانحيازهم، وغمز الإمارات ولمز جيوشها المدخلية الذبابية التي لا تنام في الجبهات الافتراضية منذ سنوات، فهي تواصل هجوماتها ضد تركيا وقطر على الجدر الزرقاء والمجموعات الخضراء والحسابات السماوية اللون، حيث يدون مداخلة الإمارات المُعارين لها من السعودية، ويغردون كلما أحرزت تركيا أو قطر شيئا يكسبهما ثقة العالم الإسلامي، ومن العجب العجاب أن تسمع ذبابا يُغرّد ويدوِّن!!

لن أفسر كيف اتحدت مواقف أمريكا وأوروبا مع مواقف المداخلة والإمارات والسعودية من خلال القناة العبرية الناطقة بالعربية والإعلام الخسيس الذي يخدم الانقلابيين والمطبعين مع الكيان الصهيوني؟؟

فهل يجوز لمسلم ألا يفرح بإعادة فتح مسجد ولو كعش الطير تم الاعتداء السافر عليه، فما بالك لو كان هذا المسجد ذو حمولة تاريخية وحساسية دينية في مقام آيا صوفيا الذي تم انتهاكه طيلة 86 سنة بتعطيله عن دوره الموقف من أجله؟

فكيف يمكن قراءة تصريح وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية البريء من ذرة حياء حين قالت: “أيا صوفيا معلم تاريخي عمره آلاف السنين، تغيير واقعه عبر إدخال تعديلات تمس جوهره الإنساني، يضر بالقيمة الثقافية لهذا الرمز الإنساني، الذي كان دوما أيقونة للحوار والتفاعل بين الحضارات والثقافات”؟

لن نعلق وتكفي المقارنة بين كلامها وكلام النصارى الصليبيين، فتوضيح الواضحات للسوءات مفضحات.

لكن سوف نقف مع الموقف الغربي والبابوي لنحاول الفهم ونقرب الصورة لمن يحتاج التقريب.

فخلال صلاته الأسبوعية يوم الأحد 12 يوليوز 2020م، عقب صدور القرار التركي، قال بابا النصارى الكاثوليك بصوت أسيف حزين: “البحر يأخذ أفكاري قليلا إلى اسطنبول، أفكر قليلا في آيا صوفيا، وأشعر بالحزن الشديد”. ثم استمر واقفا لبضع لحظات في صمت.

وكذلك قال “جوزيف بوريل” كبير مسؤولي السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إن “حكم مجلس الدولة التركي بإبطال أحد القرارات التاريخية لتركيا الحديثة وقرار الرئيس أردوغان بوضع هذا الأثر تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية مؤسفان”، وأعْلَن عن تلقيه “دعما كبيرا لإعداد التدابير الملائمة للرد على التحديات التي تفرضها تركيا” مشيرا إلى أن “علاقاتنا مع تركيا تقوضت بسبب التدابير الأحادية التي اتخذتها تركيا والتي تتعارض مع مصالحنا”.

من جهتها قالت وزيرة الثقافة اليونانية “لينا مندوني” إن القرار التركي بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد يمثل “استفزازا صريحا” للعالم المتحضر.

وأضافت الوزيرة في بيان، أن النزعة “القومية التي يبديها الرئيس (التركي رجب الطيب) أردوغان تعيد بلاده 6 قرون إلى الوراء”.

في الموضوع نفسه قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي “كونستانتين كوساتشوف” إن قرار السلطات التركية أثار رد فعل سلبيا في العالم المسيحي أجمع”؛ وأشار “كوساتشوف” في تصريحات صحفية إلى أن أنقرة بهذا القرار ستبدو كأنها تخالف التوازن الديني وستفقد نفوذها كلاعب ديني مهم، وفق تعبيره.

من جهتها، ذكرت وكالة “تاس” الروسية للأنباء أن الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا عبرت يوم الجمعة 17/07/2020، عن أسفها لأن القضاء التركي لم يُعر مخاوفها اهتماما، وقضى بعدم قانونية تحويل مسجد آيا صوفيا في اسطنبول لمتحف، وفقا لمرسوم حكومي يرجع لثلاثينيات القرن العشرين، وقالت إن القرار قد يثير انقسامات كبرى.

وكان مسؤولون روس والكنيسة الأرثوذكسية الروسية حثوا تركيا على توخي الحذر حيال المساعي لإعادة متحف آيا صوفيا في اسطنبول إلى مسجد، باعتبار أن له “قيمة مقدسة” لدى الروس.

بدورها، دعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) -التي يوجد مقرها بفرنسا-، تركيا إلى الحوار قبل أي قرار من المرجح أن “يقوّض القيمة العالمية” لهذا النصب التذكاري العالمي.

وحتى نفهم حزن بابا النصارى الكاثوليك وأسف الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، وكذا التصريحات المستفزة لرؤساء الدول والمسؤولين الغربيين، يلزمنا الرجوع أكثر من ربع قرن حتى ندرك الأسباب وراء هذه التهديدات والانتقادات، ونقدر قرار تركيا إعادة الوظيفة الدينية للمسجد الكبير حق قدره.

فأوروبا وأمريكا وروسيا وكل الغرب يقف صفا وراء الأرثوذكس من أجل لإقامة فاتيكان لهم في إسطنبول على غرار فاتيكان الكاثوليك بروما، وذلك حتى يحول دون رجوع تركيا إلى هويتها الإسلامية.

فكمال أتاتورك إنما كان يخدم هذا الهدف عندما امتثل لإملاءات الحلفاء المنتصرين والذين أسقطوا الحكم بنظام الخلافة، وجعل مسجد آيا صوفيا متحفا، فهذه كانت المرحلة الأولى في أفق تحويله إلى كنيسة أرثوذكسية تحتل مرتبة الأساس إلى جانب بطريركية فنار الروم الذي كان يضغط الغرب برمته وروسيا بكل قوتها للاعتراف لها بصفة الدولة في أفق أن تتحول إلى فاتيكان الأرثوذكس؛ الخط نفسه تبعه “عصمت إینونو” خليفة کمال أتاتورك عندما أحضر خبراء لترميم آيا صوفيا، حيث تم ذلك تحت رعاية المديرية العامة للأوقاف، تمَّ تحويل مظهر المسجد إلى مظهر الكنيسة ثانية.

فالحقائق التاريخية تثبت أن الغضب الذي عبر عنه ساسة الغرب وقساوستهم ومؤسساتهم، إنما هو نتيجة ضياع المجهودات التي بذلت في بناء مشروع ضخم تآمرت بشأنه أطراف متعددة، مشروع كان يروم تحويل المسجد الكبير أو مسجد آيا صوفيا إلى كنيسة مرة أخرى.

وجدير بالذكر أن حزب العدالة والتنمية لا علاقة له ببدايات ملف إلغاء قرار تحويل آيا صوفيا إلى متحف، بل كان ذلك في زمن أربكان رحمه الله وحزبه “الرفاه”، حيث قطع هذا الوعد للأتراك في حملاته الانتخابية وغيرها، وفي سؤال وجه لرجب الطيب أردوغان بعد نجاحه في انتخابات اسطنبول سنة 1994م وتوليه رئاسة بلديتها:

(- هل هناك نية لتحويل اسطنبول إلى عاصمة مرة أخرى؟ وكيف يمكن منع تحويل مسجد آيا صوفيا الذي أصبح متحفا حاليا، إلى كنيسة؟

أجاب أردوغان حينها: تحويل اسطنبول إلى عاصمة من حق البرلمان، وبالتالي هو أمر لا نملكه حاليا، وبالطبع وإن كان بعض النواب من الرفاه ومن غيره اقترحوا ذلك لقَطْع الطريق على الأطماع اليونانية في استعادة اسطنبول، أما بالنسبة لمشكلة آيا صوفيا فبالطبع لن يمكن تحويلها إلى كنيسة مهما كلف الأمر؛ فهذا محض خيال صليبي مريض، وآيا صوفيا وقف للمسلمين لا بد أن يظل في هدفه، وكما نعرف فإن السلطان محمد الفاتح لم يستول على كنيسة آيا صوفيا عندما فتح اسطنبول، إنما اشتراها من ماله الخاص، وحولها مسجدا وأوقفه للأمة قائلا: “إذا استخدم في غير غرضه، فلعنة الله ورسوله على من يفعل ذلك”.

كما أن زعيم الرفاه نجم الدين أربكان أعلن للجميع أنه سيعيد فتح آيا صوفيا للعبادة من جديد، فهذا وعد ودَين في عنق الرفاه سوف يقوم بالوفاء به عندما يتمكن من ذلك).اهـ.

لكن تم حل حزب الرفاه من طرف حراس العلمانية قبل أن يفي بوعده ومات أربكان رحمه الله قبل أن يشهد الصلاة فيه، لكن أكمل وريثه حزب العدالة والتنمية المسيرة والنضال ليشهد العالم بأسره أولى صلاة تقام بعد 86 سنة من التعطيل، وهي صلاة الجمعة الماضية 03 ذي الحجة 1441هـ الموافق لـ 24 يوليوز 2020م والتي ستبقى مخلدة في التاريخ.

بعد هذه الإطلالة على هذه المؤامرة، يتبين لكل عاقل أن مسجد آيا صوفيا، ليس أثرا تاريخيا فقط كما قالت الوزيرة الإماراتية، بل هو مكان له مركزيته في الحرب الحضارية المستعرة بين النصارى والصهاينة ومن شايعهم من العلمانيين من جهة، والمسلمين كافة والأتراك خاصة من جهة أخرى.

وبهذا نتبين أيضا لماذا أحس بابا الكاثوليك بالحزن، ونفهم حقيقة موقف الإمارات والسعودية وذيولهما من المداخلة والقنوات الإعلامية وجيوش الذباب والبعوض الأزرق والأخضر والسماوي اللون، وليتأكد مرة أخرى أن العالم العربي الإسلامي ليس بخير، وأن قرارات بعض الدول التي كانت ترعى الإسلام، لم تعد تتخذ قراراتها لصالح الإسلام والمسلمين وقضاياهم القومية والدينية، بل لصالح الدول المهيمنة على القرار الدولي، والتي تريد إدارة العالم وفق مصالحها، كما اعتادت طيلة القرن العشرين وما بعده.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M