بيان ضد إعادة فرنسَة التعليم الثانوي.. لماذا تحارب فرنسا اللغة العربية؟ (د.إدريس الكتاني)

28 مايو 2018 16:13
بيان ضد إعادة فرنسَة التعليم الثانوي.. لماذا تحارب فرنسا اللغة العربية؟ (د.إدريس الكتاني)

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

توفي أول أمس السبت 26 ماي الجاري، الدكتور العلامة إدريس الكتاني، أحد أكبر المدافعين عن الهوية الإسلامية للمغاربة واللغة الوطنية العربية، ضد هيمنة اللغة الفرنسية، التي كانت إحدى ركائز الغزو الاستعماري ومبررات وجوده، وإبقاء تمثلاته.

ونقدم فيما يلي، آخر بيان للعلامة الراحل، حول فرنسة التعليم، التي كان يقودها أحد وزراء التعليم، سنة 2009:

“في الوقت الذي يجتمع فيه المجلس الأعلى للتعليم لدراسة حالة الفوضى والتخبط في مشاكل التعليم الذي فقد هويته وقيمه كمنظومة تربوية تليق بدولة وشعب وحضارة عربية إسلامية عريقة كالمملكة المغربية، بلغنا -ولا نكاد نصدق- أن مشروع قانون يطبخ في دهاليز المجلس الأعلى للتعليم، يقضي بتعميم اللغة الفرنسية كلغة تدريس للمواد العلمية في أقسام التعليم الثانوي! هذا القرار المبيّت الذي – إن تم ترسيمه – من شأنه أن يضع المغرب أمام خطر لم يتوقف امتداده ونموه كالسرطان، عبر الأجيال المغربية منذ استقلال المغرب حتى اليوم، يفرض علينا الوقفة التالية:

لكي لا ننسى: لماذا تحارب فرنسا اللغة العربية؟

الماريشال ليوطي

في 16 يونيه 1921، أصدر الماريشال ليوطي أول مقيم عام لفرنسا في المغرب، إلى رؤساء المناطق المدنية والعسكرية التعليمات التالية:

“…أن العربية هي عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرءان، بينما تقتضي مصلحتنا أن نطور البربر خارج إطار الإسلام، ومن الناحية اللغوية، علينا أن نعمل على الانتقال مباشرة من البربرية إلى الفرنسية…”

جاء هذا النص في كتاب (مغرب الغد) لمؤلفه (بول مارتي) الصادر بباريز سنة 1925، ص 288 والذي شرحه موضحا:

“…إن كل تعليم للعربية، وكل تدخل من الفقيه، وكل وجود إسلامي سوف يتم إبعاده بكل قوة، وبذلك نجذب إلينا الأطفال الشلوح عن طريق مدرستنا وحدها، ونبعد متعمدين كل مرحلة من مراحل نشر الإسلام…”.

الصراع الوطني المتواصل ضد الفرنكفونية الاستعمارية:

مارس 1962:

وزارة التربية الوطنية تقرر المبادئ الأساسية لسياسة التعليم، ومسؤولية الوزارة في تكوين الأجيال المغربية، وتحدد العناصر الحضارية التي يقوم عليها بناء الأمة المغربية:

أولا: الإسلام دين الدولة الرسمي.

ثانيا: العربية اللغة الرسمية والقومية للدولة.

ثالثا: التاريخ القومي أساس بناء الأمة في الحاضر والمستقبل.

18 أكتوبر 1962:

المجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى لرابطة علماء المغرب، يرفضان المشروع الفرنكفوني الاستعماري لسياسة التعليم، ويبعث هذا الأخير برقية للحكومة وقعها 53 عالما في طليعتهم الأستاذ عبد الله كنون الأمين العام للرابطة.

20 أبريل 1964:

وزارة التربية الوطنية تقوم بتنظيم مناظرة وطنية حول أهداف ومبادئ السياسة العامة للتعليم خلال أيام 13-20 أبريل 1964، بمشاركة 400 من ممثلي الهيئات التعليمية، وجمعيات آباء التلاميذ. وافتتحها المرحوم الملك الحسن الثاني بخطاب توجيهي في محاولة جديدة لتمرير وإقرار ازدواجية لغة التعليم، والفرنسية لغة تعليم العلوم، ابتداء من التعليم الابتدائي.

وقد انعقدت هذه المناظرة بمركز الشبيبة والرياضة بغابة معمورة القريب من الرباط، وبعد أسبوع من المناقشات الحادة بين تيار الحكومة وتيار المعارضة الوطنية، انتهت بانتصار المعارضة الوطنية بالإجماع الكامل وبحضور ثلاثة وزراء للتعليم محمد الفاسي ورشيد ملين سابقين والوزير الحالي يومئذ الدكتور يوسف بالعباس، وإقرار الفقرة التالية التي لم تر النور منذ 40 عاما وحتى اليوم:

“لغة التعليم في جميع مراحل التعليم هي اللغة العربية، ولا يشرع في تعليم اللغات الأجنبية ـ كلغات ـ إلا ابتداء من التعليم الثانوي”.

الطامة الكبرى! وليدة النظام الفرنكفوني:

هل الدولة المغربية الإسلامية العريقة بعروبتها، منذ أكثر من اثني عشر قرنا، ومكونها الأمازيغي الوفي الأبي، أصبحت عضوا في المحفل الأكبر للماسونية؟!

بطريقة علنية واستفزازية (المرجو الاطلاع على تقرير الجزيرة نت يوم الثلاثاء 23 يونيه 2008) “ترأس” وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش الوفد المغربي المشارك في أشغال مؤتمر المحفل الأكبر للماسونية في العاصمة اليونانية أثينا بحضور ممثلين عن محافل ماسونية قدموا من فرنسا وإيطاليا وتركيا ودول أمريكا اللاتينية وإفريقيا، علاوة عن “الوفد” المغربي والوفد اللبناني! وناقش المؤتمرون عدة مشاكل، وخرجوا بتوصيات علنية على رأسها “علمنة المناهج الدراسية بالدول العربية” كما ناقشت الماسونية العالمية سبل تعويض اللغة العربية الفصحى باللهجات العامية والدفع بمبدأ اللغة الهجينة ( Créolisation linguistique) استلهاما بتجربة فرنسا في مستعمراتها الكراييبية.

ويتساءل المرء:

– ماذا يفعل وزير مغربي في محفل للماسونية العالمية؟! وباسم من تطوع بضرب مقومات الهوية الوطنية في مناهجنا التعليمية؟!

– وما علاقة القانون الذي يطبخ الآن في دهاليز المجلس الأعلى للتعليم بتوصية المحفل الماسوني المذكورة أعلاه؟!

– وهل انتماء وزير التعليم الحالي ووزير الفلاحة (الذي حضر المحفل الماسوني) لنفس الهيئة الحزبية، مجرد صدفة، أم هو تنفيذ مباشر للتوصية؟!

أمام هذه المؤامرة المفضوحة، وهذا الاختراق والانزلاق الهوياتي الذي لا تقبله أي دولة ذات سيادة وكرامة ولو قل شأنها، فما بالنا بأمة صنعت التاريخ كالأمة المغربية المجيدة، لا نملك إلا أن نطالب المجلس الأعلى للتعليم ( بأعضائه المائة) بتحمل مسؤوليته الشرعية والسياسية والوطنية أمام الله وأمام الشعب وأمام التاريخ، وأن يراجع مشروع قراره، وأن يتقي الله في لغة الضاد وفي الأجيال القادمة وأن يحترم إرادة الشعب المغربي العربي (بمكوناته الأمازيغية والأندلسية) المحب للغته ولغة قرآنه الخالدة.

حرر بالرباط بتاريخ: 27/10/2009م الموافق لـ8 ذي القعدة 1430هـ”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M