بين المساجد والملاعب والمقاهي

04 ديسمبر 2016 23:29
الليبرالية إحياء للجاهلية وإيغال في الرجعية

هوية بريس – ذ. أحمد اللويزة

قبل صفارة الحكم المؤذنة ببداية المباراة تكون الملاعب والمقاهي قد استوى روادها، وشخصت أبصارهم، وانفعلت جوارحهم، واهتزت قلوبهم وتوالت دقاتها، يتابعون أحداث المباراة باهتمام بالغ، وصدق في التفاعل، حيث لا تفلت لحظة، ولا تغفل القلوب مرة، ولا يدعون تمريرة تخطئها العين، ولا محاولة إلا ويهتزون معها شوقا وطربا حينا، وأسفا حينا آخر.

تفاعل تام ومتابعة دقيقة واهتمام لا نظير له، والشوارع قد انقطعت أنفاسها، واتسعت مساحاتها وفرغت أواسطها وجنباتها، والأحياء تدخل في صمت جميل لا يكسره إلا الصراخ المنبعث من المقاهي بين الفينة والأخرى.

يوم المباراة هو يوم استنفار لدى المحبين والعشاق، حبا وعشقا فاق حب العباد وعشق المتصوفة، أحيانا ترى في هذه الكرة المستديرة إلها صار يعبد مع الله أو من دون الله.

حب وبغض وولاء وبراء وتعصب وخصام، وخشوع واستسلام والتزام بالوقت، وانضباط للشروط، وتفرغ تام وصبر وتحمل وتكلف وإنفاق… كل ذلك من أجل كرة القدم، وهم في ذلك متفاوتون كتفاوت درجات الإيمان.

أحسنهم حالا من يؤخر أمر الله حتى ينتهي أمر الكرة، يتخلف عن الصلاة حتى تنتهي المباراة. وربما أسرع في أدائها حتى لا تفوته لقطة من لقطاتها.

بيوت الله شبه فارغة، بغير مباراة؛ أما مع المباراة فهي أفرغ. بيوت الله تئن من قلة الرواد في الوقت الذي تمتلئ المقاهي والملاعب منذ الساعات الأولى وقبل المباراة بزمن طويل، والمصلون منهم من لا يأتون إلى الصلاة إلا بعد تكبيرة الإحرام، أو بعد الشروع فيها، أو قبل التحلل منها بقليل.

ليت لبيوت الله ما للمقاهي والملاعب من الرواد والعشاق والمحبين، بيوت الله حيث يؤدى أعظم ركن في الإسلام فلم يعطها ذلك الاهتمام، بيوت الله شبه خالية، والملاعب والمقاهي ممتلئة يمكث  فيها الذين تعلقت بها قلوبهم الساعات الطوال، بينما المساجد تشكوا الفراغ وشبه الفراغ.

 إذ لو كان المسلمون يحرصون على هذه الشعيرة العظيمة كحرصهم على شهود مباريات كرة القدم لما كفتنا تلك المساجد، ولما وجدت فيها مكانا لو بقيت إلى حين سماع الآذان.

ففي رمضان حيث تمتلئ المساجد عن أخرها وجنباتها أيضا رغم وجود كثير من تاركي الصلاة حتى في رمضان. فلنا أن نتصور لو أننا أمة تعظم الصلاة وتقدسها وتقدرها وتهتم بها، وشأنها فوق كل شأن واعتبار، لكان حال الأمة أحسن شأنا وأرفع قدرا كشأن الصلاة وقدرها عندهم، لكنهم حين يمجدون اللعب فعاقبة اللعب معلومة ونهايته مشؤومة في زمن يحتاج منا إلى الجد كل الجد، لنخرج من دوامة التخلف والانحطاط الذي لم يترك مجالا من مجالات الحياة إلا ودخله كداء الكلب.

فبين واقع المساجد والملاعب والمقاهي لك أن تعرف حال أمة ومستقبلها. وإلى الله المشتكى.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M