ترجمة المفكر الإسلامي محمد عمارة -رحمه الله-

29 فبراير 2020 15:11
ترجمة المفكر الإسلامي محمد عمارة -رحمه الله-

هوية بريس – وكالات

مفكر ومؤلف إسلامي مصري؛ عرف تحولات فكرية نقلته من الاتجاه الماركسي إلى المعسكر الإسلامي. اشتهر بكونه من “الإسلاميين المستقلين” الذين دافعوا عن رسالة الإسلام وأمته وقضاياها المعاصرة، وزادت مؤلفاته وأبحاثه على المئتين.

المولد والنشأة
ولد محمد عمارة مصطفى عمارة يوم 27 رجب 1350هـ الموافق 8 ديسمبر 1931م في قرية صروة بمركز قلين (محافظة كفر الشيخ) في مصر؛ لأسرة فلاحية يعمل أبوها في الزراعة. بدأ حفظ القرآن في كتاب القرية وهو في السادسة من عمره فأكمله وجوده.

الدراسة والتكوين
انتقل عمارة إلى مدينة دسوق عام 1945 للالتحاق بمعهدها الابتدائي الأزهري، فحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية 1949، ودخل المعهد الأحمدي الثانوي الأزهري بمدينة طنطا فنال فيه الشهادية الثانوية التي درس بها في كلية دار العلوم جامعة القاهرة.

فُصل من الكلية عام 1957 لمدة سنة لتزعمه انعقاد مؤتمر سياسي وطني وقومي، ثم اعتقل 1959 وهو في السنة الرابعة لمدة خمس سنوات ونصف أثناء أزمة السلطة مع التيار اليساري، وبعد خروجه من السجن حصل على الليسانس 1965.

تخصص عمارة في الفلسفة الإسلامية ونال الماجستير عام 1970 بأطروحة “مشكلة الحرية الإنسانية عند المعتزلة”، ثم الدكتوراه 1975 برسالته “نظرية الإمامة وفلسفة الحكم عند المعتزلة”.

التوجه الفكري
انضم عمارة -وهو شاب- إلى حزب “مصر الفتاة” الذي نشأ في ثلاثينيات القرن العشرين وعرف بتوجه عروبي ثوري في الدفاع عن العرب ومحاربة الاستعمار والإقطاع، ثم تحول في 1949 إلى “الحزب الاشتراكي” الذي كانت فلسفته تقوم على أن الاشتراكية أساسها الدين وأن العبادة أكثر ما تتجلى في خدمة الشعب.

وبعد حركة “الضباط الأحرار” التي أطاحت بالمَلكية في مصر يوم 23 يوليو/تموز ١٩٥٢ ألغيت الأحزاب السياسية في 1953 فـالتحق عمارة بالاتجاه اليساري الذي ناضل فيه نحو عقد من الزمن، وفي سجنه 1959-1964 بدأ مراجعات فكرية قادته في النهاية إلى مغادرة المعسكر اليساري والانخراط في الاتجاه الإسلامي.

ومنذ السبعينيات بدأ الطرح الإسلامي يطغى على مواقف وفكر عمارة حتى صار يُحسب على “الإسلاميين المستقلين”، وقد مكنه استقلاله هذا من توجيه انتقادات عديدة للحركة الإسلامية كما أن المسافة التي تفصله عن الإخوان المسلمين وتقاطعه الفكري معهم في الوقت نفسه كل ذلك جعله يحظى بثقتهم.

وفي ذلك يقول هو: “وأنا أعتبر الإخوان أكبر حركة من حركات الإسلاميين وفي ظل التشرذم في الحركة السياسية وفي الأحزاب ليس لدينا رصيد في الشارع إلا الإخوان، ومع ذلك أنا كتبت نقد للحركات الإسلامية بشكل عام ومنهم الإخوان، ورغم ذلك أعتبر أن الإخوان رصيد كبير يجب ألا نفرط فيه”.

الوظائف والمسؤوليات
بشكل عام اعتبر عمارة أن “الوظيفة العمومية نوع من الرق” فكان عن يعزف عن طلبها أو تقلدها ليتفرغ لمشروعه الفكري الذي بدأه منتصف الستينيات، ولذلك لم يتول من المسؤوليات إلا ما كان يصب في مصلحة هذا المشروع.

ومن ذلك عضويته في مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف الذي منحه القانون المصري حق الولاية على الشأن الديني، فكان عمارة يراجع له العديد من الكتب ذات العلاقة بالشأن الديني ويكتب له تقارير تقييمية عنها، وهو يقول إنه كان “أول من اقترح في المجمع الرد على الكتب المخالفة بالحجة والبرهان”. كما مارس نفس المهمة في الهيئة المصرية العامة للكتاب.

شكل مع آخرين لجنة لإجراء صلح بين الحكومة المصرية وجماعات العنف السياسي خلال تسعينيات القرن العشرين. كما قدم حلقات وبرامج تلفزيونية عديدة، وشغل منصب رئيس تحرير مجلة الأزهر أربع سنوات واستقال منها يونيو/حزيران 2015.

التجربة الفكرية
يذكر عمارة أن مسيرته مع العلم والفكر بدأت تحقيقا لنذر قطعه والده على نفسه أن “يهبه للعلم الشريف”، معتبرا أن فترة عيشه في القرية كانت هي فترة التكوين الفكري والروحي والدراسة والتعليم.

وقد استفتح علاقته الفكر والكتب بشرائه لأول كتاب في حياته وهو “النظرات” لمصطفى لطفي المنفلوطي ليكون نواة لمكتبته الخاصة التي سرعان ما ضمت أربعة آلاف كتاب، إثر ابتياعه بالتقسيط مكتبة عظيمة جمعها الشيخ الأزهري عبد التواب الشناوي وتوفي عنها في سنة تخرجه.

وفي هذه المكتبة قرأ عمارة ألوانا من العلوم الإسلامية وتعرف على “كنوز من الفكر” ضمت عيون أمهات كتب الفقه الإسلامي والتصوف وذخائر الآداب العربية ودواوين الشعر، إضافة إلى أعرق المجلات التاريخية كمجلة الرسالة ومجلة الأزهر ومجلة العروة الوثقى، والمترجمات عن الفكر الغربي. وقد أكسبته هذه الثقافة في وقت مبكر قدرات كبيرة في الكتابة والخطابة في المسجد.

انخرط عمارة -وهو في السنة الأولى من المرحلة الابتدائية- في الحركة السياسية الوطنية، فشارك 1946 في أول مظاهرة في حياته ضد مشروع “معاهدة صدقي بيفن” بين الحكومة المصرية وسلطة الاحتلال الإنجليزي، رغم أنه لم يكن لدي وعي سياسي كبير في ذلك التاريخ.

وفي العام التالي 1947 حمي الوطيس حول معركة قضية فلسطين فمارس عمارة الخطابة في المساجد ضد اليهود ودفاعا عن قضية فلسطين، وكتب 1948 أول مقال في حياته دفاعا عن المجاهدين في فلسطين.

بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948 مع إسرائيل؛ التحق عمارة -وهو آنذاك طالب في المعهد الثانوي الأزهري بطنطا- بصفوف تيار اليسار الذي كان آنذاك “فارس القضية الاجتماعية والعدل الاجتماعي”، كما كان له دور كبير في دعم القضايا الوطنية ولاسيما معارضة للوجود الأجنبي.

لكنه سرعان ما بدأت مراجعته للفكر اليساري فأصدر 1957 كتابه “القومية العربية” ليرد على اليساريين الذين ينكرون وجود أمة عربية.

وبعد حركة الضباط الأحرار 1952، لوحق النشطاء الوطنيون فتعرض عمارة للسجن 1959 وذاق قساوة التعذيب والحرمان من الوظيفة، لكنه استغل خلوة السجن في التأمل والقراءة والكتابة، فألف أربعة كتب في هذه المرحلة التي شهدت بداية تخليه عن اليسار بعد إدراكه أن حل المشكلة الاجتماعية في نظرية الاستخلاف الإسلامية وليس الصراعالطبقي الماركسي.

تعمق الموقف الإسلامي لدى عمارة بظهور الصحوة الإسلامية في السبعينيات، فبدأ نشاطه العلمي في إظهار محاسن الإسلام وتعرية دعاة الماركسية الاشتراكية مستخدما مصطلحاتهم ومفاهيمهم مثل: الحرية والعدالة والتكافل الاجتماعي.

ثم سطع نجمه أكثر مع تعالي التحديات الغربية والتغريبية أمام العالم الإسلامي، وبالذات منذ الثمانينيات وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام ١٩٩١ وتفرد الولايات المتحدة بالهيمنة العالمية.

ورغم أنه أفرد العديد من كتبه لمواجهة الفكر التغريبي وللرد على غلاة العلمانيين؛ فإن قضايا القومية العربية والعدل الاجتماعي والثورة على الظلم ظلت ملحوظة في كتاباته، كما كانت الدائرة الإنسانية والتفاعل مع الحضارات المختلفة موجودة في مشروعه الفكري.

وكان التنصير إحدى الساحات التي عمل عليها قلم عمارة، فخاض سجالات مع الكنيسة القبطية بمصر التي هاجمته مرات لدرجة أنها مارست ضغوطا لمنع مقاله الذي كان ينشره في جريدة “أخبار اليوم”، منتقدة ردوده على منشورات تنصيرية وُزعت بمصر وحديثه عن دور الكنيسة في إثارة الفتنة الطائفية، والمشروع العنصري الذي يريد استبدال اللغة القبطية بالعربية، ورفعت الكنيسة ضده دعوى قضائية.

يقول عمارة: “عندما أكتب عن غلاة العلمانيين والمتغربين أبدو وكأنني محافظ، وعندما أكتب في نقد الجمود والتقليد أبدو وكأنني ثوري وتقدمي، لكن هناك معالم أساسية لا تتغير كالحفاظ على رؤيتي للإسلام ومعالمه، وعملي الدؤوب لإنهاض الأمة وإخراجها من عنق الزجاجة الذي وقعت فيه، ومواجهة التحديات الشرسة والحرب الصليبية المعلنة على الإسلام”.

ناصر عمارة ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بحكم حسني مبارك ، ووصفها بأنها “ثورة شعبية من أعمق الثورات الشعبية التي عاشتها مصر في العصر الحديث، وهي ملحمة كشفت المعدن الحقيقي لهذا الشعب الأصيل”.

كما رفض الانقلاب العسكري على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي يوم 3 يوليو/تموز 2013، وأصدر بيانا واضحا طالب فيه بالعودة إلى المسار الديمقراطي واحترام إرادة الشعب وبعودة الجيش إلى ثكناته، واعتبر -في مقطع مصور- أن عزل مرسي “باطل شرعا وقانونا هو وكل ما ترتب عليه”. وهو الموقف الذي أثار عليه هجمة انتقاد شرسة من وسائل الإعلام والدوائر المؤيدة للانقلاب.

وصفه الدكتور يوسف القرضاوي -في حفل تكريمي لعمارة أقامه مركز الإعلام العربي عام 2010- بأنه “أحد مجددي القرن الخامس عشر الهجري، الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية، وصولاته وجولاته القوية في تعرية أعداء الإسلام”.

أما الكاتب والمفكر الإسلامي راشد الغنوشي فاعتبره “كاسحة ألغام أمام الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية، فهو شديد البأس على أعداء الإسلام من العلمانيين الاستئصاليين، وهو فحل في هذا المجال وعون لكل باحث في الفكر الإسلامي ولكل شاب يريد أن يطلع على الإسلام في موارده الصافية، وأنا أعتبر نفسي تلميذا من تلاميذه في جوانب كثيرة”.

المؤلفات
وصلت مؤلفات محمد عمارة خلال ستة عقود إلى نحو 240 مؤلفا ما بين كتاب ودراسة، ومن هذه المؤلفات: “التفسير الماركسي للإسلام”، “معالم المنهج الإسلامي”، “الإسلام والمستقبل”، “نهضتنا الحديثة بين العلمانية والإسلام”، “الغارة الجديدة على الإسلام”، “التراث والمستقبل”، “الإسلام والسياسة: الرد على شبهات العلمانيين”، “الجامعة الإسلامية والفكرة القومية”.

كما قام بتحقيق مجموعة من الكتب القديمة والحديثة، منها الأعمال الكاملة لكل من: رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، وقاسم أمين، وعلي مبارك.

(توفي أمس الجمعة 28 فبراير 2020).

المصدر: موقع الجزيرة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M