تسنيم راجح تكتب: القتل تقربًا لشخصية وهمية على الأنترنت!

هوية بريس – ذ. تسنيم راجح

عام ٢٠١٤ وفي أحد أيام شهر مايو اجتمعت ثلاث صديقات في الثانية عشرة من عمرهنّ في ولاية ويسكونسن الأمريكية للاحتفال بيوم ميلاد إحداهن..

بعد الاحتفال واللعب خرجت الفتيات إلى الحديقة المجاورة وتمشين في الغابة القريبة منها، وحين ابتعدن بين الشجر طلبت اثنتين منهنّ من الثالثة أن تستلقي على الأرض للّعب، وحين فعلت تفاجأت بإحداهنّ تجلس فوقها بينما تطعنها الأخيرة بسكينٍ ضخمةٍ مرات عديدة!

الفتاتان ركضتا من المكان تاركتان صديقتهما المقرّبة التي ظنّتا أنها ميتة في وسط الغابة..

وبعد ساعات تم العثور على المسكينة وإسعافها وإنقاذها بقدرة الله وتم الإمساك بالأخريين..

التحقيق المصوّر مع الجانيتين يظهر التفاصيل الصادمة القصة التي مازالت تلاحق الضحيّة المتعافية من ١٩ طعنة، وكذلك الأخريين اللتين حوكمتا بتهمة محاولة القتل العمد..

أنيسا ومورغان اللتان كانتا تخططان للجريمة لشهور قبلها قلن بأن الهدف منها كان التودّد لشخصية مرعبةٍ خياليةٍ قرأن عنها وتعرّفن عليها عبر الانترنت اسمها “Slenderman”، والتي كن ّ يعتقدن أنها حقيقية وموجودة بكل تأكيد، وبأنها تقتل الصغار وتلاحق عائلاتهن دون أن يشعر بها أحد..
الشخصية المذكورة اخترعها شخصٌ ضجرٌ على الانترنت ورسم لها صورةً مخيفة كرجلٍ نحيلٍ طويل لا وجه له بهدف التسلّي بها وجمع القرّاء عليها، وحين انتشرت بين المواقع الالكترونية بات القرّاء يضيفون إليها تفاصيل ورسوماتٍ من عندهم تخدم الخرافة وتقويها، وكلٌّ يتسلي ويلعب بها إلى أن وصلت لأسماع وأذهان من لا يميزون بين الواقع والخيال ولا يدركون أن هذه الأوهام كلها لا تتعدى كونها أوهاماً..

تحدثت اليافعتان في التحقيق عن جريمتهما على أنها “ضرورية”، وأنها كانت “الخيار الوحيد” أمامهما، وحين سأل المحقق عن معرفتهما بهذا المسمى “Slenderman”قالت إحداهن: “أنا أعرف أنه حقيقي، لقد قرأت الكثير عنه”!

* * * * * *

هكذا بكل بساطة غيّرت كذبةٌ تسلّى بها شخصٌ في مكان ما في هذا العالم حياة ثلاث عائلاتٍ، أرسلت بنتاً إلى الإسعاف بجروحٍ خطيرة، واثنتين إلى سجن الأحداث..

هي قصة تقشعر منها الأبدان وتكاد لا تصدق.. طالبتان مدرسيتان تتحولان إلى مجرمتين بدمٍ باردٍ تخططان وتنفذان ثم تهربان من أجل صورةٍ وهمية رأتاها عبر الهاتف الذكي والانترنت التي ظن الأهل أنها أدواتٌ بسيطة آمنة في أيدي أبناءٍ لا يحسنون النقد ولا التحليل ولا المحاكمة ويملكون في الوقت ذاته القدرة على الخروج وحدهم واستكشاف الانترنت وقراءة ما يكتبه أي مريضٍ عليه دون مراقبة..

يمكننا استنتاج أمور كثيرة من تلك القصة.. لكن الرسالة التي أريد التركيز عليها هي فهم خطورة المحتوى التافه أو الخيالي، فهم أثر الوهم الذي يتسلى البعض به على هذه الحياة الواقعية الحقيقية، ومن ثم ضرورة تسليح الأبناء بأدوات النقد والمحاكمة المنطلقة من العقل الصحيح والوحي والنظر، وضرورة مراقبة المدخلات التي تخترق أذهانهم وتصورهم للكون حولهم، وسائل التواصل الاجتماعي، الأفلام، المسلسلات، القصص الخيالية وكل ما يمكن للأطفال قراءته عبر الشاشات التي تتسع في قبضة اليد قادرٌ على غسيل عقولهم وتحويلهم حتى إلى قنابل موقوتة يصدمون العالم بانفجارهم..

وإن كان الآباء والأمهات غير قادرين على السيطرة على كل عالم أبنائهم، فلا أقل من تسليحهم بما يحتاجون وإحاطتهم بالنصح والرعاية والصحبة الصالحة والبيئة المريحة التي تسمح لهم بالكلام والسؤال والاستفسار، وكذلك إبعادهم عن مداخل السوء وبوابات الشياطين من صحبة سيئة وأماكن مشبوهة وقضاء الوقت على فضاء الانترنت المفتوح لكل مريض قلب ليكتب ويعبّر ويتواصل ويصنع المحتوى الذي يريد..

والله المستعان..