تفكر في حجر كورونا

20 أبريل 2020 23:27

هوية بريس – الدكتور عبد الفتاح فيوض

إذا تفكرت في المحن أعانك ذلك على دفعها ونسفها، فمن لحقت به مصيبة فليتفكر فيما هو أكبر منها وأشد، ولينظر إلى من حوله ممن هو أشد ابتلاء وتمحيصا، وليذكر ما تخفيه بليته من مصالح عاجله وآجله، من تحصيل لثواب جزيل ودفع لضر وبيل، ولينظر إلى سرعة زوالها مهما اشتدت وطأتها، فلولا نغص الشدائد ما عرفت لذة الدعة والرخاء.

فليحرص المؤمن أن لا يدع البلايا تتفلت منه دون تحصيل لثوابها، وليحذر أن يسقط في أشطان السخط واليأس والجزع، فيمضي تائها في الظلمات ومتحيرا في الهلكات، فيكر ذلك عليه بخسران الدارين، فليتخذ من عزلته استئناس بمن لا يفارقه، وليصاحب الذي يصاحبه وهو عليم بمعايبه، ومن لا يطلبه لشيء منه إليه، فيتخذ كلامه ومناجاته أنيسه وسميره على مر الأيام والليالي، فيلازم بابه، ويتعلق بحبل وصاله، ويلح عليه في طلباته، فيزيد من خضوعه إليه وإذعانه، فيحبه ويحبه.

وليقبل على نفسه بالمراجعة والمحاسبة، وليحكم عنانها، فهي في أمس الحاجة إليه من الدابة الجموح، ثم لينظر إلى من حوله من أهله، ممن كلف بحرصه ورعايته، فيخفض الجناح للأوليين بصحبته، ثم يكون خيرا من أبي زرع لزوجه، ويتأسى بخير الناس صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله، وسهولة خلقه وليونة جانبه، ودوام بشره، ولا ينسى أن يريش مملق بلده، ويسعى في رأب شعبه، ولم شعثه، ثم ليشحذ عزيمته على الترقي في مدارج الأنفة عن سالف نقائصه، وهجر رذائل أهوائه.

فيخرج من حجره وقد اجتنى من لذيذ ثمراته، فيقبل على دنياه حاسرا مشمرا، وقد ارتقى عن حضيض سابق عهده، إلى يفاع يومه وغده، فيقوي تجارته ويكثر غرسه، ويتنكب عن كل ما يشينه، ضاربا صفحا عن عاجل أغراضه، طاويا كشحا عن زائل شهواته. فيخرج عن داعية هواه، ليحقق لمولاه عبودية الاختيار بعد عبودية الاضطرار.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. هي بالفعل آية من آيات الله جل و علا و جب تدبرها وأخد العبر منها . أسطر قليلة بمواعظ كثيرة. ولإن يك في القدر أمر جلل فإن فيه من الخير ما نحاول تغييبه بضعفنا . فاللهم ارحم ضعفنا ولا تردنا إليك خائبين.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M