تقرير: قتلى الموصل المدنيين.. دفن بلا وداع

02 ديسمبر 2016 11:17
تقرير: قتلى الموصل المدنيين.. دفن بلا وداع

هوية بريس – الأناضول

يضطر كثير من سكان، شرقي الموصل، (شمالي العراق)، لترك قتلاهم بلا دفن أو إلقاء نظرة الوداع، للفرار والنجاة ببقية أفراد الأسرة، من جحيم قذائف “داعش”.

والمحظوظون منهم يدفنون ضحاياهم في حديقة المنزل، مع ما يحمله الخروج إلى المقابر من مخاطرة كبيرة على حياتهم.

“أبو علي”، مسن من أهالي منطقة كوكجلي، شرقي الموصل، تطوع بمساعدة القوات العسكرية في دفن الموتى، يقول، للأناضول، “مع تزايد هجمات داعش على المدنيين، وصعوبة نقلهم إلى أربيل، استحدثنا في كوكجلي مقبرة لدفن الموتى”.

ويضيف “نصلي يومياً على ما بين 4 إلى 10 قتلى ثم نقوم بدفنهم”، منذ انطلاق عملية تحرير المدينة من “داعش” 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويشير “أبو علي” إلى أن بعض الجثث تحملها المركبات العسكرية، ولا نستدل على ذويهم، لكننا نحتفظ بأسمائهم، استناداً إلى أوراق الهوية أو شهود، إن سأل عليهم أحد لندلهم على قبره فيما بعد”.

ويتابع: صادفنا الكثير من القتلى، بدون أقارب لهم، فالبعض من أفراد العائلة يصاب فيتركون موتاهم لخطورة إصابتهم، بينما نكمل نحن دفنهم في المقبرة”.

ما أن أكمل حديثه، من فوق الشاحنة العسكرية المحملة بالجثث، حتى يهاتف شخصاً آخر ليخبره بأن الحفارين قد أكملوا حفر القبور وعليه أن يجلب الجثامين، أبلغ “أبو علي”، الجنود الذين يرافقوه بأن القبور جاهزة فيغلق الجنود باب الشاحنة إيذانا بانطلاقها إلى المقبرة.

بمجرد انطلاق الشاحنة، تقابلها مركبة همر أخرى، تمر مسرعة باتجاه المركز الصحي بالمنطقة، تحمل 6 مصابين أطفال، وبينهم رجلان أحدهما يصرخ، “ابنتي ابنتي”، ينقل الجنود الأطفال المصابين ليجري لهم الإسعافات.

سعيد حامد (29 عاماً) يقول، وهو يبكي ويصرخ بأعلى صوته، للحضور، “كانوا عند باب المنزل في حي الزهراء، (شمال شرقي الموصل) يلعبون، إلا أن قذيفة هاون سقطت وسط الأطفال، وابنتي رؤى بعمر عامين جروحها خطيرة”.

يتركنا حامد ويصرخ مسرعاً ليطمئن على ابنته، منعه أحد الجنود من الدخول، لكنه حاول أن يتشاجر معهم، لم تكن له غيرها، ما هي إلا 15 دقيقة حتى يبلغه أحد الجنود بأنها فارقت الحياة فيزداد صراخه وعويله.

يحمل أحد الجنود طفلته، وقد كفنها بغلاف ورقي مذهب، قبل أن يبلغه، “علينا أن نسرع إلى المقبرة فالدفانون لازالوا في المقبرة وعليك أن تؤمن بقضاء الله وقدره”.

يمضي الوالد لدفن ابنته بعيداً عن عائلتها، التي لا تزال تقبع تحت نيران وقذائف المعارك.

لم يكن حال مروان ليث (42 عاماً)، من سكان حي عدن، شرقي الموصل، أفضل من والد رؤى، وهو يحضر رفقة ولده المصاب في ساقه.

يقول “ليث”، وهو يجلس على ركبتيه منتظراً تضميد جراح ولده، “إذا كان أبو رؤى قد تمكن من دفن ابنته، فأنا لم أتمكن من دفن ولدي أحمد بعمر سبعة أعوام، وتركته بالموصل بعد أن أوصيت أبناء عمومتي بدفنه”.

ويضيف ليث، وقد انهال الدمع من عينيه، “مع اشتداد المعارك في حي عدن أبلغتنا القوات العراقية بإخلاء منازلنا إلى مناطق أخرى ومع خروجنا، نيران قناص قتلت ولدي الصغير أحمد، وعندما توقفنا لحمله أصابت رصاصة أخرى ولدي الكبير محمد 18 عاماً في ساقه، تركت من مات ورافقت ابني الكبير لأتمكن من إنقاذه”.

ويستدرك قائلا، “بعض سكان الموصل، بسبب صعوبة الخروج من منازلهم، دفنوا أولادهم وموتاهم في حديقة المنزل”.

الحال في حي “السماح”، شرقي الموصل، أشبه بالحال في “كوكجلي”، ثمة منزل متواضع بمساحة 200 مربع يستغله أفراد جهاز مكافحة الإرهاب (يتبع الجيش) كمركز صحي متنقل لاستقبال الجرحى والقتلى من المدنيين والعسكريين.

أغلب الواصلين إلى المركز الصحي من المدنيين، بنسبة تصل إلى 95% تجلبهم مركبات همفي للقوات العراقية من مناطقهم المحررة، التي لا تزال غير آمنة على السكان، فقذائف الهاون تسقط عليها باستمرار.

محمد المحمود، ممرض ينتمي للقوات العراقية، يعالج الجرحى ويقدم الإسعافات الأولية في المركز، يقول للأناضول، “نستقبل يومياً ما بين 15 إلى 40 مصاباً، غالبيتهم من المدنيين يسقط أغلبهم بقذائف الهاون والهجمات الانتحارية، نجري لهم الإسعافات الأولية، حتى وصولهم لمستشفيات أربيل”.

ويضمد مقاتلون عراقيون الجرحى، داخل المنزل وحتى في الفناء الخارجي له، فبين الحين والآخر تجلب عجلة همر ما بين 4 إلى 6 مصابين تمر مسرعة ً من الحي، حتى تصل إلى المركز الصحي، عند باب المركز يهرع المقاتلون لجلب النقالات وإدخال الجرحى إلى المركز.

في المركز الصحي، تجرى لهم الإسعافات، ومن ثم يجري نقلهم بسيارات خاصة بوزارة الدفاع إلى أربيل لتلقي العلاج، لكل جريح مرافق واحد وفي بعض الأحيان لا يوجد، بسبب شدة الهجمات وقد يكون المصاب قد فقد عائلته.

عند باب المنزل (المركز الصحي) 3 جثث لمدنيين سقطوا بقذائف الهاون، فارقوا الحياة عند نقلهم إلى المركز الصحي، سيارة نقل عسكرية حضرت لنقلهم إلى المقبرة.

النجاة من الموت في الموصل، لا تعني بالضرورة الحياة، فهناك من يعيشون الموت رغم أنهم أحياء، جراء عاهة أو تشوه أو عجز عن الحركة، نتيجة القذائف.

الطفلة “رحمة” (16 عاماً) كان لها أحلام جميلة رسمت بها مستقبلها كلما نظرت إلى ملامح وجهها وعيونها الجميلة ووجدت الابتسامة ترسم شفتاها، كلما تفاءلت بالمستقل.

لكن ما أن تمد بصرك إلى الأسفل ستصطدم بسيقان مقطوعة، وطفلة بأحلام ضائعة.

يرافق الطفلة عمها عبد الستار الزبيدي، ذو الـ44 عاماً قادماً من الموصل، إلى مستشفى غرب أربيل ليرافقها في محنتها، يجلس بالغرفة، إلى جانب ثلاثة جرحى آخرين سقطوا بقذائف هاون أطلقها “داعش” على حي القادسية ، شرقي الموصل.

يضيف الزبيدي، “ما أن تمكنت القوات العراقية من تحرير منطقتنا حتى انهالت عليه قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا كالمطر دون تفرق بين المدني والعسكري”.

ويوضح الزبيدي، “كنا نجتمع بغرفة واحدة بالمنزل، لكن قذيفة الهاون اخترقت السقف وتوسطتنا، أصيبت رحمة وشقيقي أحمد (42 عاما) وهو يرقد في الغرفة المقابلة لنا بالمستشفى فقد أيضا ساقه اليمنى”.

وتكتظ مستشفيات أربيل بالمئات من جرحى الموصل سقطوا أغلبهم بقذائف الهاون والمركبات المفخخة خلال عمليات عسكرية لاستعادة مناطقهم التي يسيطر عليها تنظيم داعش منذ العاشر من حزيران 2014.

في غرفة مجاورة لغرفة رحمة يتواجد عبد المنعم طه (55 عاماً) مرافقاً لأفراد عائلته بعضهم قتل والبعض الآخر أصيب بهجوم انتحاري خلال تحرير مناطقهم.

طه روى حادثة مغادرتهم للموصل وقال “أبلغنا من قبل القوات العراقية بإخلاء منزلنا والتوجه إلى الأحياء الاخرى المحررة، أجبرنا أن نخرج رفقة القوات العراقية من حي المحاربين، شرقي الموصل، الذي كانت القوات العراقية تقاتل داعش بداخله”.

ويضيف طه، ” بينما أغلق أبواب المنزل، مشت عائلتي سيراً على الأقدام، وأنا أراقبها وهي تتوسط ثلاث مركبات همر (تابعة للجيش) وقبل بلوغي بداية شارعنا الرئيسي خرجت مركبة مصفحة، صرخ ابني احذروا إنه انتحاري حينها فروا الجنود ليستتروا إلا أن الانتحاري توجه إلى مركباتهم التي تتوسطها عائلتي”.

ويتابع طه، وهو يمسح دموعه، “المصيبة وقعت بعائلتي، التي فقدت منهم أربعة ابني وزوجته وابنتي وولدي، وأصيب 5 من أفراد عائلتي بينهم زوجتي، وهي مديرة مدرسة والتي أصيبت بالشلل، وطفل رضيع بعمر 40 يوماً إنه حفيدي أصيب هو الآخر بالتفجير”.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M