تقرير لرويترز يكشف كيف قتلت قوات الأمن المصرية المئات في اشتباكات مزعومة

05 أبريل 2019 22:48
تقرير لرويترز يكشف كيف قتلت قوات الأمن المصرية المئات في اشتباكات مزعومة

هوية بريس – الجزيرة

قتلت قوات الأمن المصرية 465 مشتبها بهم على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة، في حين قالت وزارة الداخلية إنها اشتباكات مع قواتها، وسط شكوك بشأن صحة هذه الروايات.

وأظهر تحليل أجرته وكالة رويترز لبيانات وزارة الداخلية المصرية على مواقع التواصل الاجتماعي أو نشرتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في الفترة من أول يوليوز 2015 حتى نهاية 2018 أنه لم يبق على قيد الحياة سوى ستة فقط من المشتبه بهم من بين 471 رجلا في 108 وقائع، أي أن نسبة القتلى فيها بلغت 98.7%.

ونشرت وزارة الداخلية صورا لمسارح الأحداث مع بعض البيانات، وظهرت في تلك الصور جثث غارقة في دمائها وإلى جوارها بنادق هجومية أو أسلحة نارية أخرى على الأرض.

كان التشابه مذهلا بين بيانات وزارة الداخلية، وفي كل مرة كانت الوزارة تقول إن قواتها اقتربت من مخبأ الإرهابيين أو المجرمين أو داهمته “باتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة”، وكانت البيانات تقول إن الإرهابيين أو المجرمين يفتحون النار ثم ترد عليهم قوات الأمن.

وكان أغلب القتلى في العشرينيات من العمر وأصغرهم في الـ16 وأكبرهم سنا عمره 61 عاما.

ووصفت وزارة الداخلية 320 من القتلى بأنهم إرهابيون و28 بأنهم مجرمون أو تجار مخدرات، وقالت إن 117 منهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين التي تم حظرها في العام 2013 بعد أن قاد الرئيس عبد الفتاح السيسي عملية الإطاحة بمحمد مرسي أول رئيس لمصر من تلك الجماعة.

وسقط 104 من القتلى -أي ما يقارب ربعهم- في شمال شبه جزيرة سيناء.

ولم تذكر بيانات وزارة الداخلية أسماء 302 من الرجال القتلى، كما أنها لم تذكر المواقع المحددة للاشتباك في كثير من الحالات، وكان عدد كبير منها في مناطق صحراوية أو جبلية.

صورة مجمعة لعدد ممن تقول وزارة الداخلية إنها قتلتهم في تبادل إطلاق نار (الجزيرة)

تشكيك
غير أن أقارب 11 من هؤلاء القتلى ناقضوا الروايات الرسمية، إذ قال هؤلاء الأقارب -في مقابلات مع رويترز- إن أبناءهم أو أشقاءهم أو أزواجهم اختفوا لفترات وصلت في بعض الحالات إلى أشهر عدة بعد أن أمسكت بهم الشرطة أو عناصر الأمن الوطني من الشوارع أو من بيوتهم، ثم وصلهم بعد ذلك النبأ إما عبر صفحة وزارة الداخلية على فيسبوك أو في بيان أصدرته، وقالت الأسر إن أيا من هؤلاء الرجال لم يكن يحمل سلاحا.

وحسب رصد رويترز، فقد بدأت تلك الحوادث في صيف 2015 في أعقاب اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، ورد السيسي بقانون شامل لمكافحة الإرهاب يحمي أفراد الشرطة والجيش من المساءلة القانونية إذا ما استخدموا القوة في أداء مهامهم، وتقول منظمات حقوقية إن هذه كانت بداية حملة غاشمة.

وقال باحث في منظمة مصرية تتولى توثيق انتهاكات حقوق الإنسان إن الشرطة بدأت موجة “قتل خارج القانون لأن هي خلاص عارفة إن مافيش حد هيحاسب أو هيراجع وراها”.

نماذج لحوادث القتل
تقول أسرة محمد أبو عامر إنه كان يعمل في وسط القاهرة عندما احتجزه ضباط من الأمن الوطني في 6 فبراير 2018.

ولمدة ستة أشهر تقريبا ظلت أسرة عامر (37 عاما) المتزوج وله من الأولاد اثنان تنتظر أي أخبار عنه، وظلت برقيات الأسرة للنائب العام ووزارة الداخلية -التي تمثل الشرطة وجهاز الأمن الوطني جزءا منها- بلا رد.

ثم أعلنت وزارة الداخلية في 31 يوليوز في صفحتها على فيسبوك أن عامر كان أحد خمسة إرهابيين لقوا مصرعهم في اشتباك وقع في وقت سابق من ذلك اليوم عندما اقترب رجال الشرطة من مخبئهم على مسافة 40 كيلومترا شمالي القاهرة، وقال البيان إن عامر كان مطلوبا في قضية مقتل أحد رجال الأمن الوطني.

ولا تصدق أسرته هذه الرواية لما حدث، ويصر أقاربه على أنه لم يكن إرهابيا، وأنه مات وهو في أيدي أجهزة الدولة ولم يمت في اشتباك بالرصاص.

صورة لأحد المشتبه بهم الذين صفتهم الداخلية المصرية في الفيوم (الجزيرة)

رحلة بالسيارة
تقول أسرتا سهيل أحمد وزكريا محمود إنهما لم تكن لهما صلة بجماعة الإخوان أو أي تنظيم سياسي.

وانطلق الاثنان -وهما في العشرينيات من العمر- في رحلة بالسيارة من مدينة دمياط لقضاء إجازة في منتجع شرم الشيخ.

واتصل أحمد بأسرته بعد بضع ساعات من بدء الرحلة، وقال لوالدته إنهما توقفا لتناول عصير قبل نقطة تفتيش أمنية في محافظة الإسماعيلية المطلة على قناة السويس، وكان ذلك آخر اتصال لهما بالأسرة.

وبعد خمسة أيام أعلنت وزارة الداخلية في صفحتها على فيسبوك أن الاثنين كانا ضمن أربعة “متطرفين إسلاميين” قتلوا في اشتباك عندما اقتربت الشرطة من مخبئهم في قرية بالإسماعيلية.

وعثر الأقارب على جثتي الاثنين في مشرحة بالإسماعيلية في اليوم التالي، وقال أقارب الشابين إن الرواية الرسمية للأحداث ليست منطقية.

وقال أحد الأقارب “هما مش (ليسوا) مؤيدين للإخوان خالص، هما مش مؤيدين لأي حد”. وأضاف أن أحمد “كان زي كل الشباب، كان بيحلم بالزواج في سن صغيرة وأن تكون عنده عائلة”.

وعرضت رويترز صورتي الشابين على خبراء طب شرعي، وهم البروفسور ديريك باوندر الذي عمل مستشارا لمنظمة العفو الدولية والأمم المتحدة، وخبيران دوليان آخران طلبا الحفاظ على سرية هويتهما، وشكك الثلاثة في رواية وزارة الداخلية أن الوفاة حدثت في اشتباك بالرصاص.

كان محمود مصابا بثلاث طلقات في الرأس، وكان مدخل إحدى الطلقات على جانب منخاره الأيمن، ومخرجها من أسفل الشفة السفلى مباشرة.

وقال باوندر “وهذا يجعل مطلق الرصاص مطلا من وضع أعلى وعلى يمين الضحية إذا كان الضحية واقفا وهو ما يبدو مستبعدا في تبادل لإطلاق النار”.

وأضاف “التصور الأرجح أن الضحية كان راكعا، ومطلق الرصاص كان واقفا بالقرب منه على الجانب الأيمن”.

أما الطلقتان الأخريان فكانتا في جبهة محمود في موضعين متماثلين أسفل الشعر إلى اليمين وإلى اليسار، وقال باوندر إن ذلك يمثل “الرصاصتين القاضيتين”.

وقالت السلطات في البيان الرسمي إن الاثنين ماتا في واقعة واحدة مع “مجموعة من العناصر الإرهابية الهاربة”.

وقالت وزارة الداخلية “حال اقتراب القوات منهم فوجئت بإطلاق الأعيرة النارية تجاهها فتم التعامل معهم، ونتج عن ذلك مصرع أربعة من العناصر الإرهابية”.

ومع ذلك، فقد قال خبراء الطب الشرعي الثلاثة إن جثتي الشابين محمود وأحمد بدتا في مراحل تحلل مختلفة.

وأوضح الثلاثة أن موت محمود بدا وكأنه حديث جدا، غير أن أحمد توفي قبل التقاط الصور في ما بين 36 و48 ساعة، وقال باوندر إنه لم تكن هناك أي إصابات ظاهرة حدثت قبل الوفاة أو آثار طلقات رصاص بجثة أحمد ولم يكن سبب الموت ظاهرا.

قوات الأمن قتلت عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان محمد كمال فيما زعمت أنه اشتباك (مواقع التواصل الاجتماعي)

“ما كانش في ضرب نار”
في 3 أكتوبر 2016 أعلنت وزارة الداخلية أن قواتها قتلت عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان محمد كمال (61 عاما) وياسر شحاتة (47 عاما) بعد أن أطلقا النار على الشرطة في مداهمة لشقة سكنية.

وسألت رويترز ثلاثة من الجيران عما دار من أحداث في ذلك المساء. ولم يشاهد أي منهم أو يسمع اشتباكا بالرصاص، وقالت امرأة تعيش على مقربة من المكان إن صوت الرصاص تردد بعد ساعات من دخول الشرطة إلى الشقة.

وأصر شخص كان في المبنى السكني على أنه “ما كانش في ضرب نار”، وقال محام يتحدث باسم أسرتي الرجلين إن التشريح الرسمي لجثتيهما أظهر إصابتهما بالرصاص في الرأس.

إلغاء حكم
تقول أسرة خالد إمام مدرب رفع الأثقال -الذي كان يبلغ من العمر 37 عاما حينها- إن محكمة أصدرت حكما في 2013 يقضي بسجنه عاما للمشاركة في احتجاجات مناهضة للحكومة.

ولتفادي القبض عليه انتقل مع زوجته وابنيه إلى شقة في منطقة المقطم بالقاهرة بعيدا عن بيت العائلة.

وقالت الأسرة إن إمام اختطف من الشارع في يونيو 2017 بينما كان يشتري الدواء لأحد الطفلين. وقال شهود لأسرته إن رجالا ملثمين قفزوا من حافلة صغيرة وخطفوه.

وقدمت الأسرة بلاغا للشرطة المحلية وكتبت رسائل للسلطات تطلب فيها معلومات لكنها لم تتلق ردا.

ثم أصدرت وزارة الداخلية بيانا في 2 أكتوبر 2017 جاء فيه أن قواتها قتلت ثلاثة رجال في اشتباك وقع في منطقة مقابر.

صورة القيادي في الإخوان هشام خفاجي بعد تصفيته (ناشطون)

وفي مشرحة زينهم بالقاهرة عثر أحد الأقارب على جثة إمام، وقال هذا القريب إن الجثة بدت عليها آثار رضوض وعلامات تعذيب.

وأضاف “كان في إصابات حوالين مفاصله، دراعاته (ذراعاه) مفصولتان عن كتفه، نص فكه التحتاني مش موجود، وأن عددا من أسنان الفك العلوي لم يكن موجودا أيضا”.

وبعد أسبوع من موت إمام برأته محكمة استئناف وألغت الحكم الصادر عليه، ولم تتقدم الأسرة بشكوى من ملابسات موته خوفا من الانتقام.

واقترنت بعض بيانات وزارة الداخلية بصور لمسرح الأحداث، ومن تلك الصور صورة للمشهد بعد إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

وقالت وزارة الداخلية إن قوات الأمن قتلت 19 رجلا في اشتباك بالصحراء غربي مدينة المنيا في صعيد مصر.

وأضافت الوزارة أن القتلى أعضاء في خلية مسؤولة عن هجوم دام على مسيحيين وقع قبل ذلك بيومين.

وقد استعرض خبير الطب الشرعي باوندر 20 صورة، وقال إنه بدا فيها أن 11 من الجثث نقلت بعد الوفاة، مشيرا إلى وجود دم وعلامات جر وسط الرمال.

وأضاف أن انخفاضات في مستوى الرمال توحي بأن اثنين من الرجال قتلا وهما في وضع الركوع، وكانت صور لجثث أخرى غير حاسمة.

وقال مصدر قضائي مصري إن بعض رجال الشرطة يشعرون بأن المحاكم بطيئة، الأمر الذي دفع بعض الضباط لمحاولة تطبيق العدالة بأنفسهم. وأضاف “هما بيسموها العدالة الناجزة”.

وقال المصدر إن الشرطة تنقل في كثير من الأحيان أسلحة وأشياء أخرى إلى موقع الأحداث للتغطية على الإعدامات. وتابع “الشرطة هي اللي تجمع المعلومات، وهما أكيد مش هيتعاونوا في معلومات ستدين زملاءهم”.

انتقاد حقوقي
وقال أحدث تقرير سنوي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في مصر في مارس إن الانتهاكات شملت القتل التعسفي أو خارج نطاق القانون على أيدي الحكومة أو رجالها والاختفاء القسري والتعذيب.

ومع ذلك أفرجت إدارة ترامب عن 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر كانت قد جمدتها لأسباب، من بينها المخاوف المتعلقة بسجل مصر في مجال حقوق الإنسان، ويعزو مسؤولون أميركيون ذلك إلى أن التعاون الأمني مع مصر مهم للأمن القومي الأميركي.

وقالت المستشارة القانونية لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللجنة الدولية للحقوقيين كيت فينيسواران إن حوادث القتل التي وصفتها رويترز “تمثل إعداما خارج نطاق القانون، وهذه جريمة خطيرة بموجب القانون الدولي”.

وأضافت أن وجود أدلة على أن الرصاص أطلق على الضحايا من مسافات قريبة “يوحي بأن استخدام القوة المميتة لم يكن ردا على تهديد مشروع بل هو مسلك متعمد مع سبق الإصرار من جانب قوات الأمن لإعدام أفراد خارج حماية القانون”.

وقال أستاذ القانون الجنائي الدولي في جامعة أمستردام كيفن جون هيلر إنه إذا كان الضحايا مدنيين “فستكون تلك هي جريمة القتل الكلاسيكية ضد الإنسانية، ألا وهي قتل مدنيين في إطار هجوم واسع وممنهج”.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. خدموهوم انتم اذا تعرضوا لما قلتم ام تريدهم يسعون في الشوارع وتقولو انهم بخير مشكيلة

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M