جائحة كورونا.. فرصة لمراجعة الذات

16 أبريل 2020 11:52

هوية بريس – د.علي كرزازي

كثيرا ما تحمل النقم في طياتها بعض النعم، ولو تأملنا في جائحة كورونا لأمكننا أن نخرج بالكثير من الخلاصات التي تهمنا كأفراد وكشعب وكمؤسسات. إن مثل هذه المواقف العصيبة التي يبتلى بها الإنسان في حياته، لابد وأن تدفعنا الى إعادة حساباتنا ومراجعة ذواتنا، بدءا من الأسرة: فالآباء الذين يقصرون في تحمل مسؤولياتهم ويهضمون حقوق زوجاتهم وأبنائهم ويخسرون أموالهم في الملاهي وما إلى ذلك،  لابد أن يقفوا ولو لمرة كي يتأملوا واقعهم ويمارسوا النقد الذاتي على أنفسهم، والمسؤولون سواء في الإدارات أو في الشركات أو المقاولات والمصانع …والذين لا يتورعون عن استغلال نفوذهم وحرمان الطبقة الشغيلة من حقوقها، لا محيد لهم عن أن يعيدوا النظر في التعامل مع هؤلاء الذين ائتمنهم الله عليهم وعلى مصالحهم، يقول الرسول الكريم :  ” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهّ”(صحيح البخاري ومسلم).

وقد لاحظنا مؤخرا أن الكثير من أرباب العمل (في المقاهي، الحمامات، المطاعم…) لم يكلفوا نفسهم مد يد العون لهؤلاء الذين كانوا بالأمس أداتهم الفعالة في جني الأرباح الطائلة.

شكلت جائحة كورونا ورقة التوت التي كشفت عوراتنا، وها قد بدا للعيان أن الاختلافات التي تمس بعض القطاعات الحيوية في بلادنا  كقطاع الصحة والتعليم على سبيل المثال ، اختلالات كبيرة ، ولا أدل على ذلك من أن تعاطي الكثير من الناس مع  هذا الوباء لم يكن في المستوى المطلوب ، وبالتالي فهذا مظهر من مظاهر انحطاط الوعي الناجم عن تفشي الأمية وفقدان الثقة بين  شريحة من المواطنين والمؤسسات. إن ابتلاء كورونا لاشك سيكون مدخلا من المداخل التي ينبغي على لجنة النموذج التنموي أن تستخلص منه الدروس والعبر. كما أن من حسنات كورونا أنه سيجعل الكثير منا يعيد ترتيب أساسيات علاقته مع ربه ووطنه. لقد أبان البعض منا عن حقيقة معدنه الأصيل فكان التكافل مع بعض الفئات  المتضررة دليلا على حسن الإيمان وعلى  الوطنية  الصادقة في أجلى مظاهرها، أما الفئة التي أبانت عن دناءتها من خلال سلوكياتها المنحطة فلا أقل من أن لا نلتفت لها ، يقول تعالى :” فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” (سورة الرعد اية17). صدق الله العظيم

نأمل أن يمر هذا الاختبار بأقل الخسائر،لكن ينبغي أن نعكف بجد على استخلاص الدروس من مثل هكذا مصائب، ولاشك أن وباء كورونا مثله مثل الزلزال المدمر لابد له من ارتدادات وستكون له ارتدادات قوية، فالاقتصاد الوطني سيعاني من أزمات محققة ستنعكس بدورها على سوق الشغل وعلى القدرة الشرائية للمواطنين، وعلى المقاولات…الخ. ناهيك عن تضرر العديد من المجالات كالتعليم والصحافة والرياضة… وعلى المسؤولين في التخطيط أن يعملوا من الآن فصاعدا على إيجاد الحلول لكل هذه المعضلات المستجدة. وها هنا لابد من الإشارة إلى أنه حان الوقت لإعادة الاعتبار للسياسة في أفق إنتاج نخب جديدة قادرة على رفع التحدي والرقي بهذا الشعب نحو ضمان العيش الكريم واستحقاق الوجود في عالم أصبح فيه الشعار: ” البقاء للأقوى”. ولا بد من التنصيص على أن مفتاح الدخول إلى الحداثة يبقى هو التعليم ، والتعليم في بلادنا وكما يعلم الكل يعاني من أعطاب واختلالات أتت على جودته وطوّحت بنا في الرتب المتأخرة للدول  التي تعاني من تدني مستوى التعليم.

في الأخير لا نملك إلا أن نقول وقانا الله جميعا من هذا الوباء القاتل.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M