«جاكوب كوهين» اليهودي المغربي الذي يعادي الحركة الصهيونية يحكي كيف تم ترحيل اليهود المغاربة إلى «إسرائيل»

26 فبراير 2016 15:46
حجب صفحة «كوهين» على «الفيسبوك» بسبب سلسلته مع المساء

هوية بريس – عبد الله المصمودي

الجمعة 26 فبراير 2016

كوهين: عملاء «الموساد» اخترقوا الملاح ولم يكن يظهر عليهم أنهم يهود

كوهين: إن راديو «الموساد» أطلق برنامجا بالدارجة المغربية لإقناع اليهود بالالتحاق بأقاربهم

كوهين: عصبوا عيني وأقسمت بالولاء لإسرائيل في شقة سرية بمكناس

في ركنها “كرسي الاعتراف” تنشر يومية المساء هذه الأيام حوارا مع اليهودي المغربي المعادي للحركة الصهيونية جاكوب كوهين، وعن كيف اخترق الصهاينة ملاح مكناس الذي كان يسكنه والداه، والطرق التي استعملوا لاستقطاب وترحيل اليهود إلى الكيان الصهيوني، نأخذ من الحلقات الأولى للحوار بعض الأجوبة.

قبل ذلك نورد ترجمته كما جاءت في التقديم لسلسلة الحوارات معه: “كان جاكوب كوهين، وهو مراهق يهودي في ملاح مكناس الجديد، يلتهم الراويات البوليسية المليئة بقصص الجواسيس، ويتخيل نفسه بطلا من أبطالها، ويحلم أن تمتد إليه أيادي عائلة فرنسية ثرية تتبناه وتبعده عن «تسلط» والده الديني، وتخرجه من بؤس الملاح إلى ترف «المستعمرين».. حيث المسابح، ملاعب التنس وقاعات السينما، لكن أيادي «الموساد» كانت أسرع، لتستقطبه للعمل لصالح منظمة صهيونية سرية لإقناع الشباب اليهود المغاربة القادرين على حمل السلاح بالقتال في جيش «إسرائيل».

على كرسي اعتراف «المساء»، يحكي جاكوب كوهين كيف كان عملاء الموساد يتنقلون في المغرب بحرية وكأنهم في «إسرائيل»، يكترون المنازل ويحولونها إلى مقرات لاجتماعاتهم دون أن يثير ذلك انتباه السلطات، وكيف كان الجنرال أوفقير يتخذ منهم رفاقه المفضلين في لعب «الورق»، وكيف أصبح الموساد ذات يوم وكأنه فاعل في المشهد السياسي المغربي بعد الاستقلال.

وعلى كرسي الاعتراف أيضا، يروي جاكوب كوهين كيف وجد اليهود المغاربة أنفسهم بين مطرقة الموساد، الذي لجأ لكل الوسائل من أجل ترحيلهم إلى «إسرائيل»، وسندان حزب الاستقلال الذي حاربهم ودعا إلى مقاطعة تجارهم، ونخبة أهل فاس التي رأت في رحيلهم خلاصا لها، كما يحكي كيف تحول بعد زيارته لإسرائيل، من صهيوني إلى أكبر مناهض للصهيونية وإسرائيل، وكتب عددا من الروايات التي تفضح العالم الخفي لمنظمة استطاعت أن تخترق عالم السينما والموسيقى والإعلام والأعمال”.

وهذه بعض أسئلة الحوار:

– كيف كانت بدايات الاختراق الصهيوني للمغرب؟

ما تختزنه ذاكرتي الأولى عن التوغل الصهيوني ورجال الموساد في الحي اليهودي بمدينة مكناس يعود إلى سنوات 1948-1949، عندما استسلمت عمتي لضغوط «الصهاينة» الذين بدؤوا يزورون الملاح لإقناع اليهود بالرحيل، كنا نسمي رجال الصهيونية بـ«هؤلاء الناس الذين يأتون من مكان أسطوري» ولا يبدو عليهم من أشكالهم أنهم يهود. قدم هؤلاء إلى الملاح بمكناس، وأقنعوا أحد أبناء عمتي بأنهم سيوفرون له مستقبلا أفضل، كانت عمتي هذه تسكن في الملاح القديم وليس الجديد، لديها عائلة كبيرة وتعيش ظروفا سيئة ومزرية، سمحت عمتي للصهاينة بأخذ الابن الذي كان في 12/13 من العمر، بعدما أقنعوها أنهم سيوفرن له مستقبلا وحياة أفضل، فاقتنعت بما قالوه لها، لكنهم بعد أن رحلوا الابن انقطعت أخباره عنها، فلم تعد تعرف عنه شيئا، لا أخباره ولا مصيره ولا حتى الوجهة التي أخذ إليها، وكانت هذه من بين التقنيات التي يتبعونها لدفع العائلات للخروج، أي إبعاد أبنائهم، فتضطر العائلات للحاق بأبنائها.

– هل طال التغلغل الصهيوني في بدايته مدارس الملاح؟

 نعم، فالذكرى الثانية التي لازلت أحتفظ بها عن التغلغل الصهيوني في الملاح الجديد في مكناس تعود إلى سنة 1950/1951، كنت يومها أبلغ من العمر ست سنوات، كنا نلتقط أحيانا صورا جماعية تذكارية في باحة المدرسة اليهودية الابتدائية، وفي الصور كانت تظهر خلفنا صورة كبيرة لـ«هرتزل»، صحفي يهودي نمساوي مجري، وهو مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة، فإذا ما بحثنا في موقع «غوغل»، على سبيل المثال عن صور من مدرسة الملاح في مكناس، يمكن أن تلاحظ وراء التلاميذ صورة كبيرة لهرتزل مع خريطة «إسرائيل». أعتقد أن مدير المدرسة آنذاك، الذي كان يدعى «لونر»، وهو يهودي أشكنازي غير مغربي، كان صهيونيا عن اقتناع.

– كيف كانوا يروجون لدولة «إسرائيل»؟

 كان الصهاينة يتجولون في الملاح ويمرون على كل المنازل ويمدوننا بصندوق معدني صغير باللونين الأبيض والأزرق وعليه علم “إسرائيل”، حيث كنا نرمي فيه قطعا نقدية، ومرة في كل أسبوع يمرون من جديد وهذه المرة من أجل إفراغ ما تم تجميعه في الصندوق من أموال على طول الأسبوع.

– تقصد حصالة نقود ترسل لإسرائيل؟

 نعم لقد كانت مثل حصالة نقود تجمع ما نرميه فيها من أموال وذلك لإرسالها لإسرائيل من أجل مساعدتها ماليا.

– هل كانت أوضاع المغرب آنذاك مواتية لهم للقيام بأنشطتهم؟

لقد كانت هذه الفترة مضطربة جدا في المغرب، حيث كانت تشهد النضال من أجل استقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي، وما رافق ذلك النضال من أوضاع وأحداث، فقد شهدت تلك الفترة من تاريخ المغرب موجة من العنف، كما تميزت بعدم الاستقرار. وتجدر الإشارة إلى أنه حتى بعد استقلال المغرب لم يتغير حال اليهود في الملاح، حيث لم يجلب لهم استقلال المغرب عن فرنسا الهدوء والسكينة اللذين كانوا ينشدونهما في الملاح في مكناس، إذ ظل اليهود يحسون أنهم ليسوا في نفس المرتبة مع المسلمين، كما أنهم لم تعط لهم نفس الحقوق التي تعطى للمواطنين، ولم يعاملوا على قدم المساواة مع المغاربة المسلمين.

 أما على مستوى الملاح الجديد في مكناس، فقد كنا نطرح على أنفسنا الكثير من الأسئلة، بسبب الرحيل المنفرد الذي قام به عدد من الأفراد اليهود إلى إسرائيل دون عائلاتهم، والذي تسبب في خلق ثقوب في العائلة الواحدة، وقد ترك الراحلون إلى “إسرائيل” فراغات في نسيج الأسرة اليهودية الواحدة في الملاح، وبالنسبة لعائلتي فقد شهدت سنوات 53/54 رحيل اثنين من أخوالي إلى إسرائيل، لكن مع ذلك يجب القول إن الصهاينة واجهوا صعوبات في إقناع اليهود بالرحيل، ولم ينجحوا في ما جاؤوا من أجله بشكل كامل.

– كيف ذلك، وأي نوع من الصعوبات واجهوها؟

 لا بد من القول إن «الصهاينة» واجهوا صعوبة ارتبطت بسمعتهم بين أوساط يهود في الملاح، حيث كانت لهم سمعة سيئة بين حاخامات اليهود الموجودين هناك، بسبب احتقارهم لتعاليم الدين اليهودي. إذ لم يكونوا يقيمون اعتبارا لعادات اليهود، فمثلا كانوا قد استأجروا مكانا للقيام بأنشطتهم، لكنهم لم يترددوا في فتحه حتى يوم السبت وهو يوم مقدس لدى اليهود.

– هل أجج ذلك غضب الحاخامات؟

يوم السبت هو يوم مخصص للعبادة عند اليهودي أو هو اليوم الأسبوعي المقدس، ولذا فهذا اليوم هو يوم راحة من الأعمال، لكن الصهاينة عندما كانوا يتركون محلاتهم مفتوحة يوم السبت، تسببوا في غضب الحاخامات الذين اتهموهم بتدنيس المقدسات وبدؤوا يحذرون اليهود في الملاح من هؤلاء «المرتدين».

وأذكر أيضا أن الراديو الصهيوني أطلق برنامجا على الأثير بالعربية الدارجة، يتحدث فيه عن يهود رحلوا إلى إسرائيل واستقروا هناك، من أجل إقناع أقاربهم وباقي اليهود بالانضمام إليهم، وكان هؤلاء اليهود يحاولون أن يغروا أقاربهم لالتحاق بهم رغم أنهم كانوا يعيشون ظروفا مزرية في “إسرائيل”، لكننا نحن في الملاح لم نكن نعرف ذلك بعد.

– قلت إن رجال «موساد» أطلقوا برنامجا على أثير الإذاعة بالدارجة المغربية لإقناع يهود بالرحيل إلى إسرائيل، ما الذي قاموا به أيضا في الملاح لإقناع شباب اليهود بذلك؟

 لقد لجأ رجال الموساد إلى إنشاء أربع حركات شباب صهيونية منذ سنة 1956، قسمت الحي اليهودي بالملاح وبدأت تقوم بالدعاية من أجل تهجير اليهود الذين وعدتهم بالعمل.

– هل كانت هذه الحركات تعمل بشكل علني؟

كانت هذه الحركات غير شرعية وبدأت العمل بشكل سري في المناطق التي يوجد بها اليهود، بما فيها الملاح الجديد في مدينة مكناس، عملت أنا أيضا في إحدى هذه الحركات، ودام انضمامي إلى الحركة مدة أربع سنوات، وكان المشرفون على هذه الحركات يستعملون جميع الطرق من أجل دفع الشباب اليهودي في الملاح إلى مغادرة المغرب والرحيل إلى إسرائيل.

– هل اقتصر الأمر على الشباب البالغ؟

كانوا يستهدفون كل الأجيال، فقد شهدت شخصيا رحيل أحد الشباب اليهود إلى إسرائيل، لقد كان هذا الشاب يبلغ من العمر 16 سنة، وغادر المغرب على يد رجال الموساد دون إخبار عائلته، وقد انتهى المطاف بالعائلة فيما بعد إلى الرحيل أيضا إلى إسرائيل ومغادرة المغرب.

– هل كان هناك فرع لإحدى هذه الحركات في الملاح الجديد في مكناس؟

نعم، كان هناك فرع لإحدى هذه الحركات في مكناس يدعى «درور» في الملاح، وكانت هذه الحركة ذات توجه ماركسي صهيوني، لم أكن أعلم حينها توجه هذه الحركة، وأيضا يوم قررت الانضمام إليها، كان يمكن أن يتم الاتصال بي من طرف أي حركة أخرى دون أن أعرف توجهها، سواء كان توجها دينيا أو توجها يمينيا متطرف

– كيف جاء انضمامك إليها ومن أقنعك بذلك؟

في أحد الأيام تقدم إلي أحد جيراننا في الملاح وقال لي: «هل تريد أن تنضم إلى حركة صهيونية سرية؟»، في الحقيقة إن وصف «سرية» هو ما أثارني يومها في الحركة، ففي تلك الفترة لم أكن أقرأ إلا الروايات البوليسية، أي الروايات التي تدور أحداثها حول الجواسيس وعالم التجسس، لذلك أغرتني الفكرة. لذلك عندما سألني جارنا في الملاح إن كنت أريد الانضمام إلى تلك الحركة، وافقت على ذلك، فقد اعتقدت حينها أنني سوف أعيش مغامرة غير عادية، وهكذا كان، فبعد أن أبديت موافقتي، جاء اليوم الموعود لانضمامي، وتم نقلي إلى شقة كانت متواجدة في المدينة الجديدة، أذكر هنا أني عندما نقلت إلى الشقة التقيت عملاء سريين إسرائيليين استقروا في المغرب ودخلوا إليه وهم يحملون جوازات سفر بلجيكية، كما أنهم، ولتمويه السلطات وتجنب أي شبهة، استأجروا شققا بهويات مزيفة وأسماء وهمية.

– ما الذي حدث بعد ذلك؟

عصبوا عيني، وجعلوني أقسم يمين الولاء على العلم الإسرائيلي، لقد كانت لحظات مؤثرة جدا، بعد ذلك، أصبحنا نلتقي بشكل دوري ومستمر، كنا نلتقي بوتيرة عادة ما تكون مرتين أو ثلاث مرات في الشهر، وكانوا يرسلون لنا أحد مبعوثيهم يسمي نفسه «ماريو»، يشرف على هذه الاجتماعات.

– كيف كانت تمر اجتماعاتكم وحول ماذا كانت تدور؟

عندما نجتمع، كان ماريو يقوم بإعطائنا دروسا عن الصهيونية ويشرح لنا التصور القائم على «الصهيونية الماركسية»، وهي الرؤية التي كانت الحركة تتبناها آنذاك، إن جوهر ما كان يلقن لنا يدور حول الشعب اليهودي، والفكرة أن الشعب اليهودي يجب أن يجدد تواجده في أرض فلسطين من خلال اعتماد الكيبوتسات الاشتراكية.

الكيوبتس مستوطنة زراعية وعسكرية تقتصر على المجتمع الصهيوني، وهو تجمع سكني تعاوني يضم جماعة من المزارعين أو العمال اليهود الذين يعيشون ويعملون سويا، ويبلغ عـددهم ما بين 40 و1500 عضو، ويُعدُّ الكيبوتس من أهم المؤسسات التي استندت إليها الحركة الصهيونية في فلسطين قبل سنة 1948 أو “إسرائيل” (بعد تأسيسها)، والتي أثرت على الحياة السياسية والاجتماعية في “إسرائيل” حتى بداية الثمانينيات.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M