جذورُ الحراك الشّعبي بالمغرب والوضع الرّاهن، أيُّ آفاق؟

09 يونيو 2017 19:37
جذورُ الحراك الشّعبي بالمغرب والوضع الرّاهن، أيُّ آفاق؟

هوية بريس – محسن اعريوة (طالب باحث)

لقد عرف الرّيف بالمغرب في نهاية 1958 انتفاضة مسلحة استمرت عدة أشهر إثر مجموعة من الإشكلات الاجتماعية والسياسة والاقتصادية غداة الاستقلال، وكان الانقلاب الفاشل بالصّخيرات سنة 1971 على الملك الحسن الثاني رحمه الله أول محاولة انقلاب في المغرب منذ استقلاله، وقد كان من قادة هذا الانقلاب: الريفيان الكولونيل أمحمد أعبابو الذي كان يدير المدرسة العسكرية بأهرمومو نواحي مدينة فاس التي تسمى الآن ب”رباط الخير” والجنرال محمد المدبوح واللذان حاولا اغتيال الملك وهدم سُدّة حكم العرش العلوي الشريف… إلى انتفاضة 1984 إلى قصّة مقتل محسن فكري التي حيكت فصولها بطرق مُختلفة وصيغ مُتعدّدة، مُبهمة الأحداث. وإنّنا اليوم وإن استنطقنا تاريخنا فللاتّعاظ والاعتبار لا للتّبرك وشقّ الجيوب وخلط الأمور.

فالحروب والثّورات ليست حلاّ ناجعاً لمواجهة الفساد والاستبداد، وإنّما هيَ وسيلةٌ لتراكمهما يقول أحمد أمين في كتابه الماتع “يا ولدي”: إنّ أسوأ ما كان في زمنك حدوث الحرب.. والحربُ –عادة- تزلزل الأخلاق وتغري النّفوس الضعيفة بالشّره والجشع، وتقدّم لنا أمثلة كثيرة ممن اغتنوا بعد فقر لأسباب خسيسة أو أعمال وضيعة، ثمّ تضغط على صغار الموظّفين والصّناع والتّجار… فيرون أنّهم لا يستطيعون العيش الكافي في مجال رزقهم المحدود، فإذا هم لم يتحصّنوا بالخلق المتين مدّوا أيديهم وخرّبوا ذممهم.

فالوعيُ بـالموقف والمجـاهرة به ليس وحده قمينٌ بمعالجة إشكـالات الواقع، وكذلک وعي المبدأ والكيـان… بل لابدّ من دراسة موضوعية للواقع، ونظرة عميقة استشرافية تستبطن المآلات، وعمل ديبلوماسي رزين لحلّ شفراته باللين…

فلو رفع اليوم إخواننا في الريف لواءً، وغداً رفع أهل سوس لواءً، وبعد غد رفع أهلنا في الصحراء علماً باسم المناطق الأقاليمية، وقام الأمازيغ والعرب باسم القومية، وكذلك اليهود المغاربة والنصارى والمسلمين باسم الدين، لصار البلد طرائق قددا، وحينها لم تعد قضيتنا الأساس؛ قضية مطالب حقوقية واجتماعية عادلة، وانتقلنا من المطالبة بالحقوق، إلى المطالبة بإسقاط النظام، إلى التطاحن بين كلّ ما ذكرنا آنفاً، إلى المطالبة بإحداث دويلات والانفصال، وهذا ما رأته الحكومة في بداية الحراك لأنه أمرٌ تسلسلي واقعي، عاشته كل البلدان العربية أثناء الربيع العربي من تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى سوريا؛ لذا فمحاولات جميع الإصلاحيين في الأوطان العربية باءت بالفشل.

لماذا؟

 لأنّ وصفات الإصلاح عندهم جاهزة في طبق من ذهب، لا تتوافق ورؤانا الحضارية. فلم يميّزوا بين واقع الثورات الأوربية الناشئة عن وعي وحال العرب مع الانتفاضة، وإن انقسموا منذ أواخر الستينيات وبداية السبعينيات في المغرب إلى قسمين:

فهناك من دعى إلى الإصلاح الجذري من القاعدة أي الشّعب.

وهناك من نادى بإصلاح رأس الهرم أيّ الحاكم.

وتناسوا أنّه لا يمكن إصلاح أحدهما إذا فسُدَ الآخر -فعلى الأقل محاولة المقاربة بينهما- وكرّسوا أن علاقة الحاكم بالمحكوم هيَ علاقة صدام وليست علاقة تكامل واحترام… من هنا جاءت أخطاء بعض المصلحين.. وهل يصلح الملح إذا الملح فسد.

ولو اتّحدنا اليوم في الموقف الذي هو عبارة عن مطالب اجتماعية عادلة، سنفترق غداً لا محالة في المبدأ “العقيدة” وفي الكيان “الجماعة” كذلك. فإضفاء أيّ صبغة قبلية أو إديولوجية أو طائفية على أي حراك لا محالة سيؤدّي به إلى ما لا تُحمدُ عقباه.

إننا نقول هذا ليس حمايةً للظلمة المستبِدين المضطهِدين الذين يمتصون دماء المواطنين، وليس إسدالاً للثام عن المفسدين الذي يعيثون في الأرض جهاراً نهاراً، وإنما حمايةً للأعراض، ورأفةً بالمستبَد المضطهَد كي لا يزداد استبداداً واضطهاداً على ما هو عليه، وسداً للذرائع التي ينتحلها الأعداء ويفتحون بابها بمصراعيه للولوج إلى هذا الوطن الآمن وزعزعة استقراره وترويع أهله.. إنّ مفهوم “الانتزاع” من المقولة المشهورة على طرف كل لسان: “الحق ينتزع ولا يُعطى” بات من الواجب تجاوزه، إذا كنا نؤمن حقا بنظرية التطوّر وبتجاوز قانون الغاب، لأن الانتزاع يأتي بالقوة والجبر.. ومبدؤنا -معشر المسلمين- قاعدة “يُدرك باللين ما لا يُدرك بالعنف” فما كان الرّفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فكما تطوّرت الأنظمة يجب تطوّر المطالبة بالحقوق، والرّقي في النضالات والاحتجاجات، وعدم الاعتماد على الأشكال التقليدية التي تبثّ الفوضى والبهرجة واللاتحاور كالتجمهر الغير مرخّص والاحتجاح بمسيرات وإن كثر أهلها، ونحن نعي حكم مسألة الأكثرية في الدين.

ولله درّ الأستاذ أحمد أمين حين قال كذلك:

أكبر ما يؤلمني فيكَ وفي أمثالك من الشبان، أنكم فهمتم الحقوق أكثر مما فهمتم الواجب، وطالبتم غيركم بحقوقكم أكثر مما طالبتم أنفسكم بواجباتكم، والأُمة لا يستقيم أمرها إلا إذا تعادل في أبنائها الشعور بالحقوق والواجبات معاً، ولم يطغى أحدها على الآخر… فلو تصوّرنا الموظفين في المصالح الحكومية شعروا بواجبهم نحو الأفراد فأدّوا ما عليهم في عدل وسرعة، وأدّى الطلبة ما عليهم نحو دروسهم وجامعاتهم وأساتذتهم، وأدّى الصّانع ما عليه في صناعته، وأدّت الحكومة ما عليها لشعبها لاستقامت الأمور وقلّت الشّكوى.

فالمغاربة أمام ملكهم الجديد سواسية كأسنان المشط، ولو كان هناك تفاضل كما يدّعي البعض لما انتفض جلّ سكان المغرب، وإن كان إعطاء نماذج من مناطق في المغرب العميق تعيش تحت سقف مطالب أهل الريف بل تحتَ بساطها، لكونها تفتقد لأبسط الأمور من ضرورياتها كالماء الصالح للشرب والكهرباء والطرق… ستأخذُ حيزاً شاسعاً لبسطنا الحديث عنها باستفاضة ولكن الواقع سوءته ظاهرة للعيان ولا يمكن كما نقول بالدارجة “نغطيو الشمس بغربال” بات من الواجب على كلّ مغربيّ غيور على وحدة وطنه من البغاز إلى الصحراء أن يذودَ عليه، وأن يشمّر على ساعديه ويكون لبنة أساس تساعد على البناء المجتمعي المتماسك، وأن يعلم بأن ما نعانيه اليوم من أزمات خانقة سببه نحن! لأننا نحن من يبني تلك الدكاكين السياسية المُهترئة بكل طواعية، ونحن من يضفي عليها صبغة المشروعية والأهلية لتمثيلنا! أجل نحنُ من نُربّي المفسدين ونشجّعهم، نحن من ننشئ الخونة والمارقين والسارقين ونولّيهم شؤوننا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M