جرائم فرنسا الباردة بالمغرب (ج1)

16 أكتوبر 2020 18:18
جرائم فرنسا الباردة بالمغرب (ج1)

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

جرائم فرنسا الباردة بالمغرب

نقصد بالجرائم الباردة، الأفعال المدنية التي تمت في حق الإنسان والمجتمع للقضاء على مقوماته الحضارية والإنسية، اعتمادا على ما كتبه نقيب المحامين بمكناس 1954 “بول بيتان” في كتابه le drame du maroc بالفصل الثالث المعنون بـ: “تطوير المغرب“، والذي يضم:

إبعاد التنمية عن المغربي، تحنيط المغربي وتجميده، لجم تطور الشباب، تفكيك الأسرة المغربية عن طريق المرأة، الوطنية صناعة فرنسية، تهجير القرويين للمدن، احتكار التقنية وحرمان الشباب من تعلمها، وفيما يلي تفسير ذلك:

– إبعاد التنمية عن المغربي

عندما يريد الفرنسي الدفاع عن عمل بلادنا (فرنسا) في المغرب، فإنه يستعرض بفخر التنمية الاقتصادية الواقعة بالبلد منذ تواجدنا فيه، فيقارن بين الأرقام المتجمعة من الإحصاء، بين ما كان وما هو موجود، ويستنتج الفرق دون ضجيج، بيد أن الخدمات المقدمة للمغرب بعيدة عن المغربي، وكأنها في مكان آخر، ويبدو أننا نخاف من تقديمها له، خوفا من عواقب قد تترتب عنها، بالنسبة للسلام الفرنسي المبسوط على البلاد، والتنمية الاقتصادية، التي ساهمنا بشكل كبير في تطويرها.

لقد أخرجنا المغرب من سباته، ووضعناه على اتصال بحضارة الشعوب المستقرة في الغرب، وزرعنا به جزء كبيرا من ثقافتنا، التي فرضناها عليه عن طريق صدمة وحشية، لم يمر منها دون معاناة، حددت تطورا، بدأ لحد كبير بلا رجعة فيه.

– تحنيط المغربي وتجميده

إن مغرب 1954 لم يعد هو مغرب مولاي عبد الحفيظ، ومغاربة 1954 لم يعودوا هم مغاربة 1912، وهي إحدى هذه الحقائق الجوهرية التي ترفض سياستنا أخذها بعين الاعتبار.

الكثير من الفرنسيين تبقى أعينهم مفتحة من الدهشة، وهم يرون ما حدث بالمغرب الذي عرفوه عندما نزلوا به قبل 34 عاما، أو 20 عاما فقط.

يتخيل كثير من الفرنسيين أنه من الممكن إدارة البلاد في عام 1954 كما في عام 1912 أو 1920 وهذا كما قلت، هو أخطر خطأ يمكن ملاحظته ضد إدارة الفرنسيين بالمغرب، ومع ذلك هذا هو بالضبط ما لم يعد يريده المغاربة المكونين في مدرستنا، هذا التطور بالمغرب متعدد ومعقد، وهذه بعض سماته الأساسية: تطور الشباب، تطور المرأة، تطور الحس القومي، تكون بروليتاريا كبيرة، جاذبية التكنولوجيا.

وفي ما يلي تفصيل ذلك:

لجم تطور الشباب:

هذا التطور كان تدبيره طبعا بطيئا، فالحضارة الغربية المحمولة من قبل فرنسا للمغرب مختلفة تماما عن الحضارة المغربية، حيث بقيت القوة الاجتماعية المحافظة مهيمنة لمدة طويلة، لذلك رفض الآباء تعليم أبنائهم في المدارس التي أنشأناها لهم وفق برامجنا في نفس الوقت الذي عملت فيه فرنسا على لجم هذه العملية حتى لا تنتشر، بيد أنه في 1930 بدأت أولى علامات تنمية بطيئة لغاية 1939.

أحداث 1939-1945 انتهت بصدمة موجعة، في نفس الوقت جاء الراديو لإنعاش انفتاح المغرب على العالم الخارجي حيث وجد عند المغاربة حوالي 120.000 جهاز راديو تزايد كل يوم في المدن والبوادي، كما ارتفع الطلب على المدارس حتى صار عدد التلاميذ 270 ألف، ليرتفع لـ300 ألف في سنة واحدة، مما تطلب معه الرفع من مراكز التأطير السريع وإحداث مراكز لتكوين المعلمين والمدربين لهم، مما أحدث ارتباكا اقتصاديا لما كنا مبرمجين له من إيجاد وظائف أكثر جاذبية نتيجة للتعليم المقدم في المدرسة التي أحدثناها، والتي أدت جاذبيتها لنتائج صادمة بالنسبة للنظرة الاقتصادية التي حملناها معنا.

هذه الصدمة حدثت في مرحلتين:

الأولى تمثلت في الدهشة، والذهول والتعجب من الطرائق الجديدة في التدبير والتسيير والإدارة، واستخدام الآلات الحديثة في المنشآت والمعامل.

الثانية جاءت بعدما أدرك المغاربة أن الأوربي أحضر بعض الأشياء الحديثة الهامة حقا، وأن المغربي لا يمكن له استعمالها دون تعلم وتدريب.

من تلك اللحظة فصاعدا، تزايد عدد النخبة المثقفة التي ولجت مدارسنا تدريجيا، ونالت شهادات مساوية لشهادات الطلاب الفرنسيين فظهر من المغاربة، أطباء، وصيادلة، ومحامون، ومهندسون، أخذوا مكانتهم في الحياة الاقتصادية.

بيد أن التطور لم يكن مماثلا في البادية والدليل على ذلك، انتشار القومية فيها خاصة بين صفوف الشباب، الذين يريدون لعب دور تنموي ينطلق من عاداتهم وثقافتهم التقليدية، بعدما تكونوا، وسافروا، وقرأوا لأعلام، كفولتير، وماركس، وسارتر، وكامي، واطلعوا على إعلان حقوق الأنسان، فصاروا بذلك: الجناح المتحرك في المغرب بالرغم من المزاعم الرسمية، المزينة للسياسة المتبعة لحد اليوم بالمغرب، والتي تشكل خطأ فادحا يهيئنا لحلم قاس.

تطوير المرأة لتفكيك الأسرة التقليدية

في خضم هذا التطور الشبابي، وجب الإشارة لما يمس المرأة، والذي هو أكثر من تطور، إنه ثورة؛ فالمرأة المسلمة التي كان دورها داخل الأسرة الأبوية أكثر مما نعتقد عموما، ومما توحي به العادة فهي على الأقل لم تترك الحجاب خاصة في المغرب المتشدد حيال ذلك، كانت تظل تقريبا دائمة الجهل، وأمية، مكانتها في التصنيف معدومة عكس فتاة اليوم التي تذهب لتتعلم في المدرسة والليسي، فحصلت بعضهن على شهادات في التمريض، والتوليد، والمساعدة الاجتماعية، وشيئا فشيئا صارت تتخلى عن الحجاب على الأقل عندما ترتدي ملابس أوربية، وصارت تقرأ الجرائد وتستمع للراديو والأخبار الخارجية، وتمارس الرياضة، وفي مكناس توجد فرقة نسائية لكرة السلة تشارك في المباريات العامة بالسراويل القصيرة، وهي التي كانت لأمد قريب محتجزة في البيت بعد سن البلوغ، ولا تخرج إلا تحت المراقبة الدقيقة، لذلك لا نبالغ إذا قلنا بأنها أحدثت ثورة وتغيرا عميقا في الأسرة المغربية من خلال دراستها وعملها بالخارج.

قبل وصولنا كانت بعض النساء تخدمن في بيوت البورجوازية المغربية، لكن كإماء أو غير ذلك من أشغال المنزل، وكن يعاملن معاملة حسنة، لقد كن جزء من الأسرة يقضين حياتهن كلها أو جلها معها، بيد أنهن اليوم يشتغلن في المعامل وعند الأوربيين أشغالا جديدة ستذهب بهن بعيدا عما كن يعرفنه.

فالمرأة اليوم تغادر منزلها لتعمل عند عائلة مسيحية بالنسبة لها كل الأوربيين نصارى تراقب تصرفاتهم، وعندما تنقلها لمحيطها تنتقدها وتبرز عيوبها، ونتيجة حصولها على أجر تساهم في مصاريف البيت فتشعر بأنها أقل خضوعا لأسرة زوجها، وإن لم تكن متزوجة، فإن تلك الأجرة تسمح لها بالعيش مستقلة، مرة أخرى لقد أحدثت المرأة بدراستها وعملها بالخارج ثورة حقيقية في المجتمع المغربي التقليدي.

ترى ماذا سيكون دورها في المستقبل؟

من الصعب التنبؤ، ما هو مؤكد هو أنها سترفض العودة لمستوى ما كانت عليه.

في البادية لم تكن المرأة الأمازيغية منعزلة قط، ولم ترتد الحجاب أبدا، لذلك يجب أن نتوقع تطورا سريعا لها بنفس القدر الذي حدث في المدن، وسيمتد ذلك للجبال على الرغم من ضبط النفس الذي تفرضه المجتمعات الفلاحية على جميع الإبتكارات.

– الحس الوطني:

الحس الوطني كما سبق أن قلت كان دائما موجودا، ووجد تفسيره في الماضي في الشخصيات التاريخية والاجتماعية القوية بالبلد، لكنه تراجع بسبب الانقسامات بين الجبل والسهل، وبين المدينة والبادية، وكذلك بين القبائل نفسها.

كان التماسك موجودا بشكل خاص داخل القبيلة، وكان له أصل أكثر بيولوجية من الإقليمية، يدل على ذلك تسمية القبائل، فالقبيلة تسمى باسم سلفها (اولاد، آيت، ارياح، عقل…) يمكن القول بأن القبيلة نفسها تشكيل أكبر بالنسبة للشعب الذي يعيش منعوتا باسم ما، يظهر ذلك في زمن الحرب، حيث فخذات القبائل تقاتل بإحساس نصرة الدم الذي يدير الحياة اليومية، أكثر من إحساس الانتماء للوطن.

فقط إذا كان هناك سلطان مرتكز على أرضية ولاء صلبة -قبلية أو شرف- وخاصة لو كان مضاف لذلك أنه رجل حرب، فإنه سرعان ما يضم كل البلاد وراءه.

عندما وصلنا المغرب بدأنا أعمال التهدئة التي انتهت سنة 1933.

الشباب المغربي لا يميل لنسيان أن هدوء المغرب بالكامل اليوم، وخضوعه للسلطان، هو من إنجاز فرنسا، وهي التي قامت به في الوقت الذي أنشأت طرقا ووسائل مواصلات جعلت المغاربة الذين يريدون السفر يحققون رغباتهم، ويدرك أيضا أن البلاد صارت موحدة، ولها حدود واضحة لحد ما، على الأقل في الشمال والغرب، ولو ظلت غامضة في الشرق والجنوب.

ومن ثم فإن المفهوم البيولوجي للانتماء لقبيلة عاشت بشكل أو آخر خاضعة للسلطان والمخزن المركزي بنعتها وصفتها، قد استبدلت ذلك بالإكراه، فأصبحت إقليما من أقاليم بلاد المغرب ليس إلا، والذي أنتجت الوطن المغربي.

فالوطنية المغربية ولدت لأول مرة، منذ هذا اليوم، وفي نفس الوقت ظهرت معها التنمية الإلزامية، وكذلك مفهوم القومية التي أشهرتها سياستنا شفويا، هذه النزعة القومية الوليدة، قامت سياستنا نفسها في نفس الآن بالعمل على إحباطها بأكبر قدر من العنف بدلا من العمل على توجيهها، فرمتها بذلك في وضع يميل لليمين وكره الأجانب.

كانت سياستنا لحد كبير هي التي ولدت حركة الاستقلال التام التي طالب بها حزب الاستقلال، لأنها لم تكن تعرف كيف تفهم، وتوجه، وتربط، هذا الشعور الناشئ، هذه ليست واحدة من أصغر الأخطاء التي ارتكبناها والتي تتحمل مديرية الشؤون الأهلية نصيبا كبيرا من المسؤولية عن هذا النقص في الفهم والتدبير

ولادة البروليتاريا الحضرية

هذه البروليتاريا حديثة التكوين، لم تكن موجودة قبل وصولنا، البادية لم يكن يأتي منها للمدينة سوى عناصر قليلة سرعان ما تستوعبها؛ لكن منذ 1912 نمى عدد السكان بسرعة، فالولادات زادت عن الوفيات بما لا يقل عن 150.000 وحدة إن لم يكن 200.000 كل عام، بالإضافة لذلك احتاجت الشركات التي أنشأها الأوربيون ليد عاملة متزايدة مع السنوات، أدت للهجرة من البادية نحو المدن، بحثا عن فرص للعمل، مما أدى لظهور أحياء من الصفيح لسكن المهاجرين هؤلاء.

في تحقيق قام به “مونطان “وجد أن أعداد هؤلاء بلغ مليون نسمة وما زال يتزايد، وهذه البروليتاريا غير قادرة على القراءة ولا الكتابة، وليس لها أي مؤهل تقني أو مهني، ولا تعرف شيئا.

تعيش هذه البروليتاريا في ظروف مادية وأخلاقية يرثى لها، فاقدة الشعور بالعائلة التي تركتها في البادية، ومعها المعنى الأخلاقي المرتبط بأصلها، وتنحل الزيجات بنفس السهولة التي تتم بها، وتتزايد الدعارة بنسبة مهولة.

لقد وجد المحرضون في هذه الجماهير مشروعا سهلا لترويج أفكارهم ومبادئهم، خاصة وأنه لم يعد لهم إطار طبيعي يدافعون عنه، أو يصغون لتوجيهه، بعدما انتزعوا من قبائلهم وعائلاتهم، واختل توازنهم الاجتماعي والقيمي، وصار خروجهم عن الضوابط المتعارف عليها لا يشكل بالنسبة لهم همّا يَحذرونه.

لقد تبين أن فكرة القضاء على هذه الأحياء الصفيحية من خلال سياسة بناء وحدات سكنية للبروليتاريا القاطنة بها، لن يحل المشكلة لأن هذه الأحياء في تنام مستمر، لذا يجب التفكير في حل جذري يقضي عليها جذريا، وهو ما لم يتبلور بعد.

إلى جانب هذه البروليتاريا الفرعية، هناك أيضا بروليتاريا أوربية تتألف من عمال متخصصين، ومؤهلين، وعمال لديهم وظائف قارة، وموظفون.

هذه البروليتاريا التي تطور فيها الحس القومي، أيضا تسعى للتنظيم، وإن كان ما يزال هناك نقص في المديرين التنفيذيين المدربين، لكن هذا الاتجاه التنظيمي يتزايد بشكل كبير، وهو توجه غير مرفوض، وإن لم يتم العثور له على حل، لذلك تخشى الإقامة العامة أن تتبنى هذه النقابات -بدلا من أن يقتصر نشاطها على العمل المهني- خيارات سياسية تعتبرها الإقامة العامة خطيرة.

وأخيرا تجدر الإشارة لوجود حوالي ستين 60000 ألف عامل في الحيازات الزراعية الأوربية، هم بشكل عام يتقاضون رواتب منخفضة لحد ما، وأصحاب الضيعات يعارضون بقوة أي تنظيم نقابي في ضيعاتهم لأن النقابة ستطالب برفع الأجور، والحصول على الخدمات الاجتماعية وغيرها من المطالب الحقوقية.

– احتكار التقنية وحرمان الشباب من تعلمها

من المؤسف أن جاذبية التقنية ما تزال غير كافية بالنسبة للشباب المغربي، وهي إحدى نتائج تأثير عقلية البداوة فيهم، لكن البداوة في طريقها لمغادرتهم، فعقليتها ومؤسساتها حتما ستتضاءل، أمام مذاق التقنية والعلوم التطبيقية المتنامية في نفس الآن، وربما أسرع مما نتوقع.

منذ الآن فصاعدا انجذابهم للتعليم التقني من المستوى الأول، حيث يتجاوز عدد المسلمين عدد الأوربيين، لكن الأمر يختلف في المدارس الثانوية الفنية، وإن كان ليس لدي إحصاء عن المغرب، لكن المدرسة الثانوية التقنية بمكناس، تقدم لنا مؤشرا على هذا الاختلال، حيث يبلغ عدد المسلمين بالكاد 7% أي 28 تلميذا مسلما مقابل 450 تلميذا أوربيا، ويبدوا أن النتيجة هذه تعكس خيار البورجوازية المغربية التي تفضل التخصصات الأدبية، والقانونية، والطبية، على غرار ما يجري في الشرق الأوسط.

أما الطبقات الدنيا فلم تتأثر بعد بالتعليم، وعلينا انتظار بضع سنين ليتم ذلك، ومن المحتمل أن يظهر في عائلات الفلاحين المستقرين، أو الحرفيين، أو العمال مزيدا من الطلاب الذين ينجذبون للتخصصات العلمية، والصناعية، التي تؤدي بهم للمدارس الثانوية التقنية.

لقد تم إنجاز دراسة هامة على الطبقة العاملة المغربية والفرنسية في نفس الوقت، أظهرت نتائج مثيرة للاهتمام، شملت الدراسة 642 عاملا مغربيا مسلما، عدد كبير منهم أمي تقدموا لمكتب الشغل، وتم مراقبتهم مدة سنتين، تم تصنيفهم حسب الموضوع لستة أقسام، الصنف الأول أمي لا يتوفر على أي تقنية، والسادس عامل مؤهل يشغل آلة معقدة ويفكر بثقافة في تدبير شغله، بين هذين النموذجين يوجد أربعة أصناف وسطى.

بالنظر للتقرير المنجز بعد المراقبة، تبين أن هناك تكافؤا بين المفحوصين من المغاربة والفرنسيين، وأن الفحص قضى على أسطورة دونية العامل المغربي إذا ما تم إعطاؤه نفس فرص التدريب والتكوين، لذلك فكل تطور تعليمي لن يعطي فقط عمالا ممتازين، ولكن سيعطي مهندسين سيزداد عددهم، لكن مع الأسف سيأتون من البرجوازية المغربية الحالية، وليس من الطبقة العاملة أو الفلاحية.

(ص:75-83؛ le drame du maroc).

تعليق: تلك بعض الجرائم الفرنسية الباردة التي ما يزال المغاربة يعانون من أضرارها لاستعصاء مكافحتها وتواصل إنكائها والتفنن في توليدها وتدوير تفلتها، ما يعني أن المغرب لا يزال ضحية لما فعلته السياسية الفرنسية الامبريالية به بشكل بارد ولاإنساني.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M