حافظ على فطرتك التي فطَرك اللهُ عليها

19 يناير 2018 17:05
وزير الأوقاف: ارتفاع عدد مدارس التعليم العتيق بالمغرب

هوية بريس – د. صفية الودغيري

من السهل أن تكون معوجًّا في سلوكك، منحرفًا في طريقتك ومنهاجك، ولكن مِن الصعب أن تكون سويًّا، محافِظًا على فطرتك التي فطَرك اللهُ عليها، ومستقيمًا على طريق الهدى والصَّلاح، لا تحيد عنه ولا تنحرف مهما تبدَّلتِ الأحوالُ، وتغيَّر المكانُ والزمان.
وإنَّ النُّفوسَ السويَّة تدرك قيمة الجمال الحقيقي، فلا يستقيم حالُها إلا بانْتِهاج سَبيل الفِطْرة، والعَوْدة إلى الأصول والثَّوابت، والحِفاظ على الطَّبيعة الإِنْسانيَّة في أسمى تَجَلِّياتها ومظاهرها وصُوَرها، فتقتصر على الضَّروري في أحوالها؛ ولا تَرْكَن إلى ما يَرْكنُ إليه أهل التَّرف من أهل الحضَر والتمدُّن الزَّائِف، من الشَّغَف بحاجات التَّرف وطلب الكمال في جلِّ أحوالها وعَوائِدها، وسلوكها ومعاملاتها، فمن عاج إلى الدَّعَة وأحوال التَّرف الزَّائد عن الضَّروري والحاجي، لم تتطَهَّر روحه من ذمامة الخُلق السَّقيم، ولم يستُر عيوبَه وعَوْراته لباس التَّأنق والتحضُّر الرَّفه ..
ولم تدرك من بريق تحضُّرها وسطوع شمس تمدُّنها جَوْهَر الجمال الحقيقي، ولم تَلْتذ بسكونِها إلى الزَّائِد عن الضَّروري في أَقْواتها، ولم ينفعها انْجِذابها إلى الفاخِر من الملابس والبيوت والمساكن، ولم تَهْنأ في عيشها بما يجعل لحياتها نظامًا معتدلاً، وفكرًا متوازنًا، وشعورًا مستقرًّا، منتظِمًا على منهج مستقيم، وأصل ثابت على دِين الحق، لا يحيد عن أحكامه ولا يُخالفها ..
وقد ذكر ابن خلدون في الفصل الرابع من تاريخه : <<أنّ النّفس إذا كانت على الفطرة الأولى، كانت مُتَهيِّئة لقَبول ما يَرِد عليها ويَنْطبِع فيها من خير أو شرٍّ، قال صلّى الله عليه وسلّم «كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه» وبقَدْر ما سبق إليها من أحد الخُلْقَين تَبْعُد عن الآخر ويَصْعُب عليها اكتسابُه، فصاحب الخير إذا سبقت إلى نفسه عَوائِدُ الخير وحصلت لها ملكتُه بَعُدَ عن الشَّر وصَعُبَ عليه طريقُه، وكذا صاحب الشَّر إذا سبقت إليه أيضا عَوائِدُه، وأهل الحضَر لكثرة ما يعانون من فنون المَلاذِّ وعَوائِد التَّرف والإقبال على الدُّنيا، والعكوف على شهواتهم منها، وقد تَلوَّنت أنفسهم بكثير من مَذْمومات الخُلْقِ والشَّر، وبَعُدَت عليهم طرق الخير ومسالكُه بقَدْر ما حصل لهم من ذلك، حتّى لقد ذهبت عنهم مذاهب الحِشْمَة في أحوالهم، فتجد الكثيرَ منهم يَقْذَعون في أقوال الفحشاء في مجالسهم وبين كُبَرائهِم وأهل محارمهم، لا يَصدُّهم عنه وازع الحِشْمَة لما أخَذتهُم به عَوائِدُ السُّوء في التَّظاهر بالفواحش قَوْلاً وعَملاً، وأهل البَدْو وإن كانوا مقبلين على الدُّنيا مثلهم إلّا أنّه في المقدار الضَّروري.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M