حالةُ التلميذِ بينَ اليومِ المشهودِ واليومِ الموعودِ

15 يونيو 2016 20:29
فقهٌ مغبونٌ فيهِ كثيرٌ منْ أئمةِ التراويحِ

محمد أمين إدحيمود

هوية بريس – الأربعاء 15 يونيو 2016

تَقرَّرَتْ سُنَّةٌ في مـسالكِ التعليمِ وتـرَسَّختْ. وأصبحتْ من مُـجرياتِ العادةِ في المدرسةِ. وقدْ انتبهَ إليهَا النَّاسُ قديـمًا ولكنَّهم لـمْ يتساءَلُوا عن أسبَابِـها حديثًا. فلفتْتُ إليهَا النظرَ. لعلَّ اللهَ أن يهيِّئَ لرِسالتي آذانًا صاغيةً وقلوبًا واعيةً، فإنَّ الذكْرى تنفعُ المؤمنِين بعدَ السهوِ والغفلةِ. وأَحْببتُ إيرادَ مجارِي الكلامِ على طرفيـنِ؛ طرفٌ من أحوالِ اليومِ المشهودِ، وطرفٌ من أحوالِ اليومِ الموعودِ.

* الطرفُ الأولُ: حالةُ التلَاميذِ في اليومِ المشهودِ.

سأبْدأُ هذهِ الحالةَ بسؤالٍ، منْ فَهِمَهُ سَهُلَ عليهِ الوقوفُ على الغرضِ من المقالِ؛ لـماذَا يفِرُّ المتعلِّمونَ من المدرسَةِ فرارَ القسْوَرَةِ في اليومِ المشهودِ عندمَا تُعْلِنُ الإدارةُ عنِ الرحيلِ كأنَّـهم خرجُوا منْ سجنِ عُكَاشةَ؟ ينْتَظِرونَ ذلكَ اليومَ بشوقٍ بالغٍ كأنَّـهُم يـُمسِكُونَ فـي أيْدِيهِم جـمرةً؟ لـماذا يتمَنَّـى بعضُ الأساتذةِ أنْ ينْقَطِعَ التلاميذُ قبلَ حلُولِ العطلةِ؟ لـماذا يَتِمُّ إيصَادُ أبوابِ المؤسسَاتِ التعْلِيميّةِ حتَّـى يسكُنَ مناكبَها وأرجاءَها الحمامُ والنملُ والضفادعُ؟!! عجِبتُ لـمؤسَّسَاتِنا تُطوَّقُ قاعَاتُـها لـمدَّةِ شهْرين متتابِعَيْـنِ وعشرًا يتعطَّلُ فيهَا كلُّ شيءٍ عنِ العملِ ولَا يتَحَرَّكُ فيهَا ساكنٌ؛ إلَّا ذلكَ الحارسُ المسكينُ المجاهدُ إنْ وُجدَ. تصوَّرُوا معي لوْ قرَّرَت الوزارةُ إلغاءَ العطلةِ الصّيفيّةِ هذهِ السنةَ، وتـخصيصَ هذِهِ الأشهرِ للدَّعمِ والتقويةِ والتثقيفِ وتتبُّعِ أنشطةِ التلاميذِ. كيفَ سيَسْتَقْبِلُ النَّاسُ هذا القرارَ؟ جرِّبُوا باستمارةٍ خاصةٍ ووزِّعُوها على الأساتذةِ والمتعلّمينَ واسْأَلُوهم عن ذلكَ وانْظُروا في النتائجِ ثـم احْكُموا بعدَ ذلكَ؟ الحقيقةُ أنَّنا نَسْتثْقِلُ العلمَ والمعرفةَ وأبناءُنَا يكرهُونَ المدرسةَ ويبْحثُونَ عنِ سبلِ التخلُصِّ من السَادةِ الأساتذَةِ بسرعةٍ. شاهدْ رعَاكَ اللهُ واقعَ المتعلِّمينَ حينَ يَقْذِفُون بـمَحافِظِهِم وكُرَّاساتِـهم في اليومِ الأوَّلِ كأَنَّ الحربَ وضعتْ أوزَارَهَا؟!! ولَا يلْتَفِتُون إلى كتابٍ حتَّـى يدُورَ الحولُ أمَّا عنْ بُلوغِ النصابِ فَلَا تسْأَلَنَّ؟!!

الكلُّ طبعًا سيتأَسَّفُ وسيُحِسُّ بآفاتِ هذَا الاخْتِلَالِ ومظاهرهِ، فلماذَا لَا نبحثُ عنْ أصولِهِ ومعاقِدِهِ للتَّوَصُّلِ إلى حلٍّ مناسبٍ يُنقذُ المنظومةَ من بأْسِها الشديدِ؟ فالمدرسةُ بـهذَا الوضعِ الحالـيِّ ليستْ على خيرٍ ولوْ قرَّرتِ الوزارةُ ما تشاءُ. لأنَّ أجملَ شيءٍ في وزارةِ التعليمِ عُطلةُ الصّيفِ، حيثُ يطولُ أمدُها وتدُومُ راحتُها وتكثرُ أفراحُهَا ومسَرَّاتها.

إنَّ أحوالَ المتعلِّمين اليومَ شاهدةٌ على أنَّـهم يـمْكُثُون على أنغامِ الكسلِ واللَّعبِ والخُمولِ حتَّـى ينْسَوا كلَّ ما تعلَّمُوهُ، ويُلْقُونَ السَّـمْعَ والأبْصَارَ لاستقبالِ خطابٍ جديدٍ منَ الخارجِ، ينْسَخُ معارِفَهم وتعلُّمَاتـِهم فتنْسَلِخُ القيمُ والأخلاقُ بفعلِ تأثيرِ ‘تقَلُّباتِ الصَّيْفِ’. فتَبْقَى حصيلةٌ من العلمِ هزيلةٌ وبضاعةٌ مزجاةٌ تعْلَقُ بالأذهانِ لَا تُسمِنُ ولَا تُغنِـي منْ جُوعٍ. فالانقطاعُ عنِ العِلْمِ طيلةِ هذهِ الـمُدّةِ أمرٌ خطيرٌ جدًّا وغيرُ صحيٍّ. ولَا يَشْعُرُ بـخطَرِهِ إلَّا مَنْ جَرَّبَ فخَسِرَ وخابَ.

* الطرفُ الثاني: حالةُ التلاميذِ في اليومِ الموعودِ.

..وبعدَ نـهايةِ أوهامِ الصيفِ ولهوِهِ وتُرهاتِهِ وسَكْرتِهِ وغفْلَتِهِ. ينتقلُ الجميعُ منْ حالةِ السُّرورِ إلى حالةِ النُّفورِ والفُتورِ؛ الوجوهُ خاشعةٌ. والصدورُ ضيقةٌ. والعقولُ شاردةٌ. والأنظارُ شاخِصَةٌ. والذكرياتُ مطويَّةٌ. والدروسُ منسيّةٌ. والأقلام مبعثرةٌ. والدفاترُ مبِيعةٌ. والتلاميذُ يثَّاقلونَ الحضورَ لـمَا أصَابـهُمْ من الفتورِ. إذَا قامُوا إلى السَّبُورةِ قامُوا كُسَالى. يُرَاؤونَ الأستاذَ وقلُوبـُهُم تـهتَزُّ منَ الخوْفِ والوَجَلِ. ولَا يتفاعلُونَ مع المقرراتِ الدراسيّةِ إلَّا قليلًا. يتَلَمَّسُونَ ساعةَ نُزولِ الإلْفِ بعدَ الخُلفِ. ولَا تتَنَزَّلُ عليهِم بوادِرُ الجدِّ وسحائِبُ النشاطِ إلَّا بعدَ شهورٍ معدودةٍ، عندَما يُبشَّرُونَ بفرْضِ المراقَبةِ ‘المستمرَّةِ’. فيصرُخُ من خلْفِهم قومٌ من الغافِلين كانُوا معهُم ويعْرِفُونـهم بِسِيمَاهُم، هـمَّشَهُم أباطرةُ المدارسِ، لَا ذنْبَ لَـهُم سوى أنَّـهم تَعثّرُوا فـي سنواتٍ قدْ خلتْ فيضْرِبُ الأستاذُ بينهُمْ بسورٍ بعدَ الصّيْحةِ ولَا يقبَلُ لـهُم عذرًا ولَا حجَّةً ولَا شِكايةً. لأنَّ ذنْبَهُم كبيرٌ. وموْقِفَهمْ خطيرٌ. وعِسَابـَهم عسيرٌ. فيودُّ هؤلاءِ لوْ كانُوا نِسْيًا منْسيًا لَا يعرِفُهُم أحدٌ. فَتراهُمْ يـجلِسُون في الصفوفِ الأخيرةِ في آخرِ الركْبِ لِـمَا حلَّ بـهم منَ الكَرْبِ. وبعضُ هؤلاءِ المتأخِّرِينَ منَ التائبينَ يقعُ في قلوبـِهم ندمٌ شديدٌ ويُصِيبهم همٌّ وضنكٌ وخجَلٌ وحِشمةٌ؛ لأنَّـهم سيسْتَقْبِلُونَ دُروسًا جديدةً وعُقولُـهم فارغةٌ مِنَ المعارفِ القديمةِ. فتزدحِمُ عناوينُ الدروسِ في أذهانِـهم وتختلطُ لهم الأوراقُ وتكثرُ ديونُـهم كالغرماءِ؟!! فلَا يَدْرُون المقدَّمَ منَ الـمُأخَّرِ؟!! ولَا الـمُعجَّلَ منَ الـمُؤجَّلِ؟!! فإذَا لـمْ يجدْ هؤلَاء المظلُومُونَ منْ يفْهَمُهم ويقترِبُ منهُم اسْتَسْلَمُوا لشبَحِ الفشلِ فيُقَرِّرُونَ الانسحابَ والاعتزالَ عن جماعةِ القسمِ ويَنْزَوونَ إلى ركنٍ في القاعةِ حتَّى لَا يُصَدِّعَ الأستاذُ بالَـهُم. وحتـَّى يسْتَتِروا عنِ الأنظارِ.

فمَا أجملَ اليومَ المشهُودَ في مؤسساتِ المغربِ عندَ إعلانِ العطلةِ. ومَا أهْوَلَ اليومَ الموعودَ في نُفوسِ التلاميذِ عندَ الإخْبَارِ بالعودةِ. فهَوِّنُوا أيُّها الأساتِيذُ تلكَ الأسابيعَ الأولَـى على تلامذَتِكُم حتَّـى يأْلَفُوا. وسِيروا فيهَا سَيْـرَ الضعفاءِ. وشخِّصُوا معارفَ الفقراءِ وتَـمَثُّلَاتِـهِم. واسْأَلُوا عنْ ظُروفِهِم وأحْوَالِـهِم. وإيَّاكُم والميلَ إلَـى الأغنياءِ. فإنَّكُم إنْ تفعلُوا ذلكَ يقعْ في القِسْمِ فتنةٌ وفسادٌ عريضٌ. وينْتَهِي الأمرُ بعاقبةِ سوءٍ.

بَدأْتُ بسُؤالٍ وسأخْتِمُ بسؤالٍ علِقٍ أتَوَجَّهُ به إلـى أسْرةِ التعليمِ قاطبةً لاستفزَازِ البُحوثِ الميدانيّةِ والأصْواتِ العالِيةِ المطالبةِ بالإصلاحِ؛ لـمَاذَا لَا تسْتَهْوِي الـمُؤسَّسةُ التعليميّةُ نفُوسَ التلَاميذِ وعُقولَـهُم وينتَظِرونَ أيّامَ العُطْلةِ بشوقٍ؟

واللهُ تعالى الموفِّقُ.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M