حق السطحية وفق القانون المغربي والضوابط التوثيقية

05 نوفمبر 2020 21:08

هوية بريس – نور الدين مصلوحي (عدل موثق بخنيفرة)

 شاع تعريف الحق العيني بأنه سلطة مباشرة يمارسها شخص على شيء معين، وهو بذلك انفراد واستئثار شخص من الأشخاص طبيعيا كان أو معنويا بشيء معين دون حاجة إلى تدخل من أي كان، ومثل الحق العيني استئثار بملكية دار مثلا، حيث يكون للمالك حق عيني على الانتفاع بها وعلى استغلالها وعلى التصرف بها دون وساطة أحد، وذلك باعتبار أن هذا الشيء الذي هو في ملكه خاص به وله عليه حق عيني فيدخل في سلطته[1].

وقد عرف المشرع المغربي الحق العيني بأنه سلطة مباشرة يخولها القانون لشخص معين على عقار معين، ويكون الحق العيني أصليا أو تبعيا[2]. ونص أن الحق العيني الأصلي هو الحق الذي يقوم بذاته من غير حاجة إلى أي حق آخر يستند إليه، وعدد الحقوق العينية الأصليةوجعل منها حق السطحية[3] وهو عنوان موضوعنا هذا، وقد ارتأينا التطرق لمعالجة هذا الموضوع نظرا لأهميته النظرية والعملية، ووجه أهميته النظرية كون هذا الحق أصبح منظما بقانون جديدألا وهو مدونة الحقوق العينية الصادرة بتاريخ 24 نوفمبر 2011 ، أما الأهمية العملية لهذا الحق فلكونه موضوع اهتمام الناس إذ يقبلون على إبرام عقود تفويت حق السطحيةتحقيقا لمصالحهم الاقتصادية،كما يشكل هذا الموضوع جزءا هاما من عمل مهنيي التوثيق، فكيف عالج المشرع المغربي هذا الحق؟ (المطلب الأول) وما هي الضوابط التوثيقية لتأسيسه؟ (المطلب الثاني).

المطلب الأول: حق السطحية وفق القانون المغربي:

سنقوم بتعريف حق السطحية وتحديد طبيعته (أولا) وسنتعرض لحقوق مالك السطحية ومالك الأرض (ثانيا) لنختم المطلب ببيان أسباب إنشاء حق السطحية وطرق انقضائه (ثالثا).

أولا: التعريف بحق السطحية وتحديد طبيعته:

عرفت المادة 116 من مدونة الحقوق العينية حق السطحية بأنه حق عيني قوامه ملكية بنايات أو منشآت أو أغراس فوق أرض الغير. ويتضح من التعريف أن حق السطحية عبارة عن تملك شخص لأبنية وأغراس على أرض مملوكة للغير[4]. وهذا يعني أن مالك حق السطحية تقتصر ملكيته على الأبنية والأغراس دون الأرض التي أقيم عليها ذلك البناء والغرس لأنها تكون مملوكة لشخص أو أشخاص آخرين، ويتضح من هذا التعريف أن حق السطحية لا ينشأ إلا على الأرض، ولا يقع على غيرها[5].

أما عن طبيعة حق السطحية فقد صنفه المشرع في المادة 9 من مدونة الحقوق العينية ضمن الحقوق العينية الأصلية.

ثانيا: حقوق مالك السطحية ومالك الأرض:

يتمتع مالك حق السطحية بمجموعة من الحقوق، فيمكنه القيام بتحفيظه، وفي هذا نص الفصل 10 من ظهير التحفيظ العقاري أنه لا يجوز تقديم مطلب التحفيظ إلا ممن يأتي ذكرهم وذكر منهم: المتمتع بحق السطحية، وينتج عن تحفيظه تأسيس رسم عقاري خاص بهذا الحق ومنفصل عن الرسم المتعلق بتحفيظ تلك الأرض. كما متعته المادة 117 من مدونة الحقوق العينية بحقوق عديدة وهي تفويت هذا الحق بجميع طرق التفويت كالهبة او البيع، والقيام برهنه وترتيب له أو عليه حقوق ارتفاق في الحدود التي يجوز له فيها مباشرة هذا الحق.

أما عن حقوق مالك الأرض فيجوز لهذا الأخير الانتفاع بجوف أرضه، كحفر المقالع واستثمارها ما دام ذلك لا يتعارض مع مصلحة مالك السطحية، كما يمكنه بناء نفق في جوف أرضه، كما يحق له الاستفادة من الكنز الذي يعثر عليه مدفونا في تلك الأرض ويستخرجه منها.

وعلاوة على ذلك يمكن لمالك الأرض تقرير ارتفاقات على أرضه لمصلحة الأراضي المجاورة، ما دام ذلك لا يتعارض مع مصلحة مالك السطحية، وذلك كأن ينشىء حق ارتفاق بالمرور على أرضه الزراعية، ويحق لمالك الأرض التصرف في رقبة أرضه بالبيع والهبة وغيرهما، ولكن هذا التصرف لا يعطي المالك الجديد أي حق في السطحية، لما هو معروف من أنه لا يمكن لأي شخص أن ينقل إلى غيره أكثر مما يملكه[6].

ثالثا: أسباب إنشاء حق السطحية وطرق انقضائه:

ينشأ حق السطحية إما بالتعاقد أو بالشفعة أو بالتقادم المكسب، فقد ينشأ حق السطحية عن طريق العقد كالبيع والهبة والكراء كما إذا أكرى مالك الأرض أرضه لشخص وأجاز له بمقتضى العقد إنشاء أبنية أو أغراس في هذه الأرض على أن تكون هذه البنايات والاغراس ملكا للمكتري، كما ينشأ حق السطحية عن طريق الشفعة، كما إذا كان أصحاب حق السطحية مالكين للحق على الشيوع فيما بينهم ويبيع أحدهم حصته في حق السطحية للغير فيجوز لكل من الشركاء على الشيوع أخذ الحصة المبيعة بالشفعة، وأخيرا قد ينشأ حق السطحية عن طريق التقادم المكسب بالنسبة للعقارات غير المحفظة، كما إذا وضع شخص يده على بناء أو غرس قائم على أرض غير محفظة، وبعد مضي المدة التي يحددها القانون يصبح مالكا للبناء أو الأغراس دون الأرض[7].

وينقضي حق السطحية وفقا للمادة 118 من مدونة الحقوق العينية إما بتنازل مالكه عنه صراحة، وإما باتحاده مع ملكية الرقبة في يد شخص واحد، وإما بهلاك البنايات أو المنشآت أو الأغراس هلاكا كليا.

المطلب الثاني: الضوابط التوثيقية لتأسيس حق السطحية:

سنتطرق في هذا المطلب للشكلية في تحرير العقود المنصبة على حق السطحية (أولا) ثم للالتزامات التي تقع على محرر العقد قبل تلقي وأثناء تحرير العقد (ثانيا) لنختم بالتزامات محرر العقد بعد تلقي أو تحرير العقد (ثالثا).

أولا: الشكلية المتطلبة لتحرير العقود المنصبة على حق السطحية:

أوجب المشرع المغربي تحرير التصرفات المتعلقة بإنشاء حق السطحية أو نقله أو تعديله أو إسقاطه وكذا الوكالات الخاصة به في محرر رسمي (عدلي أو توثيقي) أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض، وذلك تحت طائلة جزاء تشريعي لا يستهان به ألا وهو البطلان[8].

ثانيا: التزامات محرر العقد قبل وأثناء تلقي أو تحرير العقد:

يجب على محرر العقد الاطلاع على أصل التملك الخاص بالشخص الراغب في انشاء حق السطحية أو أصل تملك صاحب حق السطحية الراغب في نقله للغير، والتأكد من مطابقته للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل.

ويتأكد من الهوية الكاملة للأطراف، وحق مريد التفويت في التصرف، وكونه يتمتع بالأهلية القانونية لهذا التصرف[9]، ثم على محرر العقد إسداء النصح لأطراف العقد، وأن يبين لهم ما يعلمه بخصوص العقد المتعلق بحق السطحية، ومما عليه استحضاره وإعلام المتعاقدين به ما نصت عليه المادة 116 من مدونة الحقوق العينية أنه لا يمكن ترتيب حق السطحية على حقوق مشاعة إلا باتفاق جميع الشركاء.

كما يتعين على محرر العقدالتعيين الكاملللمحل المراد تفويته[10]، فإذا كان عبارة عن أشجار وجب تحديد عددها ونوعها، وأن تكون صيغة العقد لا احتمال فيها، أي أن يصرح في العقد أن البيع مثلا يشمل الأشجار دون الأرض التي تبقى ملكيتها خالصة لصاحبها. كما يتعين عليه أيضاأن يبين لهم حقوقهم التي سبق ذكرها في المطلب الأول وشرحها للأطراف شرحا يفهمونه بيسر، وتبصير الذي سيؤول إليه حق السطحية بالتزاماته كالالتزام الذي ورد في المادة 120 من مدونة الحقوق العينية والذي بموجبه يمنع على مالك حق السطحية أن يبني أو يغرس من جديد ما تلاشى لقدمه أو مات أو اقتلع بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة ما لم يكن هناك اتفاق مخالف. وتنبيهه أيضا إلى أن هذا الحق ينقضي بالطرق السابق بيانها في المطلب الأول.

ثالثا: التزامات محرر العقد بعد تلقي أو تحرير العقد:

بعد الانتهاء من تلقي أو تحرير العقد لابد من تلاوته على أطرافه حتى يكونوا على بينة من أمرهم[11]، لينجلي الغموض ويتم البيان. وتنبيه الذي سيستفيد من حق السطحية أنه يقع عليه أداء واجب التسجيل داخل أجل ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ العقد وفقا للمادة 128 من المدونة العامة للضرائب، هذا الواجب الذي حددته المادة 133 من نفس المدونة في خمسة في المئة من قيمة الحق العيني.وإخبار من فوت حق السطحية بضرورة القيام بالتصريح بهذا التفويت داخل أجل ثلاثين يوما كذلك.

وإذا كان العقار محفظا فلابد لمحرر العقد إشعار المستفيد من حق السطحية بمقتضيات المادتين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري، ومضمونهما أن حق صاحب السطحية يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده، وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، وأن عقده هذا لا ينتج أي أثر ولو بينه وبين من تعاقد معه إلا من تاريخ التقييد بالرسم العقاري. وأن أجل التقييد هو ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ تحرير العقد طبقا للفصل 65 مكرر من ظهير التحفيظ العقاري.

المراجع المعتمدة:

الكتب:

*محمد بونبات، الحقوق على العقارات، الطبعة الأولى 2008، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش.

*إدريس الفاخوري، الوسيط في نظام الملكية العقارية على ضوء مدونة الحقوق العينية والتشريعات العقارية الخاصة،، الطبعة الثالثة 2019، مكتبة المعرفة مراكش.

*محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، طبعة 2016.

*مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية، في ضوء التشريع المغربي، الجزء الثاني، نشر شركة الهلال العربية للطابعة والنشر، الطبعة الثانية 1987.

القوانين:

* القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.

*الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري، كما تم تغييره وتتميه بمقتضى القانون 14.07 والقانون رقم 57.12.

*المدونة العامة للضرائب 2020.

*القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة.

*القانون 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]محمد بونبات، الحقوق على العقارات، الطبعة الأولى 2008، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش ص 71

[2]المادة 8 من مدونة الحقوق العينية

[3]المادة 9 من مدونة الحقوق العينية

[4]إدريس الفاخوري، الوسيط في نظام الملكية العقارية على ضوء مدونة الحقوق العينية والتشريعات العقارية الخاصة،، الطبعة الثالثة 2019، مكتبة المعرفة مراكش، ص 353.

[5]محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، طبعة 2016 ص 412.

[6]محمد بن معجوز م س ص 414

[7]مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية، في ضوء التشريع المغربي، الجزء الثاني، نشر شركة الهلال العربية للطابعة والنشر، الطبعة الثانية 1987 ص 521

[8]المادة 4 من مدونة الحقوق العينية

[9]المادة 31 من القانون 16.03 والمادة 37 من القانون 32.09

[10]المادة 31 من القانون 16.03 والمادة 36 من القانون 32.09

[11]المادة 19 من قانون 16.03 والمادة 40 من القانون 32.09

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M