حين يستجير الصغار من الرمضاء بالنار

10 نوفمبر 2015 20:33

عبد الحفيظ كورجيت

هوية بريس – الثلاثاء 10 نونبر 2015

حين رنّ الهاتف بما يشبه الصفير كان العقرب الصغير يهمّ بمصافحة الثانية و الكبير واقفا أعلى الدائرة. يقول مصدر الرّنين أن درجات المحرار بلغت الأربعين تحت إبط مُصعب المسكين، والمطلوب زيارة طبيب في الحين. دقائق بعد المكالمة كان النوم قد غاب والسّيارة خارج المرئاب.

دون تردّد ولا تفكير كانت الوجهة المستشفى الجامعي الكبير: بريق اسم المؤسسة الصّحية له إغراء. أخيرا تساوينا في الاستشفاء مع الرّباط والبيضاء. أما “الفارابي” فقد سقط ذكره من البال لكثرة ما صاحب اسمه من بلطجة حرّاس الأمن ودرجة الإهمال.

وصلنا مدخل المستعجلات فارتفعت أمامنا، كما في المسلسلات، عارضة حمراء وبيضاء تاركة السيارة تمرّ دون إبطاء، “آ حْلِيلِي تْقَدّْمنا”.

بناية عصرية وواجهة شفافة تعلوها علامات النظافة. قاعة الاستقبال مصبوغة بألوان منتقاة بعناية تتوسطها كراسي بألوان زاهية. في زاوية من القاعة، تقعد شابّتين رفقة شاب غارقين في حوار غير حافلين بمن في الباب. وكلما تقدم زائر للاستفسار طُلب منهم الصبر و الانتظار.

تمرُّ الدقائق كالساعات ومعها تتسارع النبضات. يبلغ الصبر حدّه فتعلو الصّرخات ولا سؤال يجد ردّه . وكلما تكرّرت لازِمَة “الطبيب قادم” تردّد في الأذهان “الطبيب نائم”. وأمام إصرار الزّوار وارتفاع أصوات الاستنكار، اشتغل الهاتف لإنقاذ الموقف وسمعة الدّار.

بعد اتصالات عديدة حضر، مِن خارج البناية، أحد الأطباء متّشحا مجسّه. بعد أن فحص الصّغير المحموم، خطّ على ورقة كلاما غير مفهوم ناصحا الأمّ بشراء أحد الأدوية المجرّبة. أخبرته أنها استعملت منه نصف عُلبة دون طائل طالبة منه بدائل. أجاب باقتضاب وهو واقف بالباب أن هذا كلّ ما عنده و عليها انتظار الصّباح وعرض ابنها على طبيب الأطفال إن بقي على نفس الحال.

كانت تنتظره -عند الباب- سيدة تحضن رضيعها المصاب. رفض الكشف على الطّفل الثاني مخاطبا العاملين أنّه ما حضر إلاّ لحالة الاستعجال وما عليهم إلاّ الاتصال بالطبيب المداوم في الحال. لم تنفع توسلات السيدة في ثنيه عن قراره. أدار ظهره للناس مُلبيّا دعوة النُّعاس. تبعه أحد الحراّس متوسلا بكل ما أوتي من عبارات الاستعطاف.

حملت مُصعب الصّغير المستعر -لأريح أمّه قليلا- فلفحتني ريح السّموم وتذكرت ما جاء في الأخبار عن المستجير من الرمضاء بالنار. غادرنا المكان دون أن نعرف ما آلت إليه الأمور وفي البال أكثر من سؤال يدور:

هل نسي هذا الطبيب أنه أقسم بأن يصون حياة الإنسان في كل الظروف والأحوال؟ ألا يعلم أنه أقسم بأن يكون من وسائل رحمة الله وبأن يسخّر للأنام رعايته الطبّية على الدّوام؟ أين طبيب المداومة المفترض؟ وهل ما حدث الليلة قاعدة أم عارض؟ و ما ذنب الصّغير إن كان الطبيب غير راض عن قرارات الوزير؟ وهل ستقلّل استقالة الوزير الوردي من زلات ذوي الوزرات البيض؟

تخلّينا عن المستشفى الإقليمي -أنا ومن معي- فخَذلنا المستشفى الجامعي. هكذا إذا تبدّلت الأسماء وما تبدّد أبدا شعور الناس بالاستياء. ما لهذه المدينة الشرقية الشّقية؟ لماذا قُدّر للمستعجلات أن تقترن في وجدة بالإهمال واللامبالاة؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M