خلفيات المواقف الأمريكية الأخيرة اتجاه المملكة المغربية وسبل مواجهتها

29 مايو 2016 00:24
الدولة و«حراك الريف».. محاولة لفهم متى بدأت جذور هذه الأزمة؟!!

ذ. قاسم علوش

هوية بريس – السبت 28 ماي 2016

لكي نستطيع فهم مخرجات السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه المملكة المغربية في الفترة الأخيرة وهي بالتأكيد لا تنفصل عن السياسة المتبعة اتجاه باقي المنطقة العربية، وبالتحديد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لابد لنا والحال هذه من معرفة المبادئ التي تحكم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية إضافة إلى معرفة أين يصنع القرار السياسي الخارجي وما هي القوى المتدخلة فيه؟ كما ذلك سيمكننا من القدرة على التعامل مع تلك السياسات عبر وسائل تضمن حفاظ المغرب على مصالحه بأقل الخسائر الممكنة.

​من المعروف أن النظام السياسي الأمريكي نظام رئاسي لكن هذا لا يعني أن القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية مرهون بيد الرئيس، ذلك لأن الدستور الأمريكي كرس لمبدأي الفصل بين السلطات والتوازن فيما بينها بحيث لا تطغى فيه سلطة على أخرى. والمقصود هنا هو أن كل سلطة تراقب الأخرى وتعمل على ضبط توازنها منعا لأي طغيان لها، فمجلس الشيوخ يمكن أن يعيق التشريعات الصادرة عن مجلس النواب والعكس صحيح، كما أن الرئيس له حق الاعتراض ((الفيتو)) على ما يصدر عن الكونغرس وهذا الأخير له حق الرقابة على ما يصدر عن الرئيس لدرجة توجيه الاتهام إليه ومحاكمته كما حدث مع الرئيس “نيكسون” في فضيحة التنصت “ووتر غيث” في سبعينيات القرن الماضي.

غير أنه من السمات المميزة للنظام الأمريكي الدور الكبير الذي تلعبه ما يسمى بجماعات الضغط أو جماعات المصالح المختلفة في التأثير على السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو حق كفله لها الدستور الأمريكي. فلا يمكن فهم كثير من مخرجات السياسات الأمريكية المختلفة، داخليا وخارجيا، إن لم نبحث عن الجهة التي تقف وراء إقرارها سواء من قبل الرئيس أو الكونغرس.

فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية الخارجية، وهي التي يهمنا فهمها هنا، فإن ما قاله الرئيس الأمريكي “توماس جيفرسون” وقد كان ثالث رئيس للولايات المتحدة (1801-1809) وهو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، والكاتب الرئيسي لإعلان الاستقلال (1776)، يوضح كثيرا كيفية صنع القرار السياسي الأمريكي الخارجي والقوى التي تؤثر فيه، فقد صرح بأن: (إدارة العلاقات مع الدول الأجنبية هي من اختصاص السلطة التنفيذية، وإن عملية صنع السياسات الخارجية هي مسؤولية الكونغرس).

إن كلام “جيفرسون” يبين لنا بالواضح أن القرار السياسي الأمريكي الخارجي يصنع في الكونغرس وأن الرئيس الأمريكي مهمته هو إدارة ذلك القرار. فعلا قد يكون هناك استثناء لهذه القاعدة، حيث نجد هيمنة للرئاسة الأمريكية على عملية صنع القرار السياسي في فترة من الفترات ؛وذلك راجع لمدى قوة شخصية الرئيس وفعالية الجهاز الإداري الذي يشتغل معه. وهذا ما نلاحظه على الساحة الدولية من خلال تتبع مسار السياسة الخارجية الأمريكية خاصة في الأربعين سنة الأخيرة في كثير من القضايا الدولية، خاصة ما يتعلق بالمنطقة العربية حيث عرف الصراع العربي الصهيوني كثير من المنعطفات السياسية، كان أغلبها في صالح الكيان الصهيوني، الذي يلعب بجميع اوراق الضغط من خلال جماعة المصالح التابعة له، ونذكر هنا بالتحديد لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية American Israel Public Affairs Committee المعروفة اختصارا بـ”الآيباك AIPAC” اللوبي الإسرائيلي، وهو إحدى أهم جماعات المصالح المتحكمة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية التي تستطيع بقوة نفوذها المالي والاقتصادي التأثير عل كل من سلطتي الرئيس والكونغرس داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

​غير أنه فيما يخص المنطقة العربية والصراع العربي الصهيوني، فإن الكونغرس الأمريكي يمارس نفوذا هائلا وحاسما في رسم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه المنطقة برمتها أكثر من أي مكان آخر في العالم. فقد يكون للرئيس الأمريكي والجهاز التنفيذي التابع له دور كبير في كثير من القضايا الدولية الساخنة، مثل صراع النفوذ الدائر منذ سنوات بين الغرب بزعامة أمريكا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، إلا أن يديه تكونان مكبلتين عندما يتعلق الأمر بالمنطقة العربية. وهذا راجع كما قلنا من قبل للدور الذي تلعبه جماعة المصالح/ الضغط الموالية للكيان الصيهوني خاصة في ظل تصاعد تيار الأصولية المسيحية (المسيحيون الأمريكيون المتصيهنون) الموالي لـ”إسرائيل” منذ فترة رئاسة رونالد ريغان (1981-1988).

​فعلا، تعرف المنطقة العربية، الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اضطرابات سياسية خطيرة منذ الغزو الأمريكي / الغربي للعراق وسقوط بغداد في 09 أبريل 2003. كان جميع قادة الأنظمة العربية في ذلك الوقت يظنون أنه بسكوتهم على ما حدث، وبالأخص من تناغم منهم مع السياسة الأمريكية حينها، أن النار التي أحرقت صدام ونظامه ستطفئها مياه نهري دجلة والفرات وبالتالي لا يمكنها أن تنتقل إلى بلدانهم، كما أن (التترس) أو( التخندق ) خلف حدود “سايكس بيكو” سيحميهم من ذلك. باستثناء واحدا، كان الجميع يظنه حينها انه أحمق والعكس هو الصحيح، وهو العقيد معمر القذافي، الذي صرح في أحد قمم جامعة الدول العربية أن الدور بعد صدام سيكون على بقية الحكام العرب. وهذا ما وقع بالضبط بعد حوالي عقد من الزمن، حيث بدأت باقي أحجار “الدومينو” في التساقط، وانتقلت فعلا نار العراق، التي لم تستطع مياه دجلة والفرات إخمادها، إلى باقي الرقعة العربية.

​هذا كله لا يمكن استيعابه إذا نسينا أن كل الوطن العربي يعتبر من منظور السياسة الصهيونية والأمريكية مجالا لأمنهم القومي والاستراتيجي، وبالتالي هو رقعة جغرافية مفتوحة أمام الخطط السياسية والاستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى. فكما أن الإمبريالية العالمية في القرن الماضي كانت خطتها الميئية (مائة سنة) إن صح التعبير هي تقسيم الوطن العربي بعد فصله عن الإمبراطورية العثمانية (الرجل المريض) كي تتمكن من السيطرة على كل مقدراته، ومنع أي محاولة لتوحده من جديد عبر زرع الكيان الصهيوني في أرض فلسطين. فإنه على ما يبدو، ونحن نعيش ذكرى مرور مائة سنة (ماي 1916) على ما يسمى باتفاقية “سايكس بيكو” لتقسيم الوطن العربي، أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفهم الصهيونية العالمية ينفذون الآن، خطة تقسيم المقسم وتجزيء المجزئ التي وضعت على الأقل قبل عقد من الزمان من الآن إن لم تكن قد وضعت قبل ذلك بكثير. وما كان حديث وزيرة خارجية أمريكا على عهد الرئيس الأمريكي “جورج بوش” الإبن عن (الفوضى الخلاقة) التي من خلالها سيتم إعادة ترتيب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من منظور أمريكي إلا إيذانا ببدء عملية التنفيذ.

و المغرب لم يكن يوما في منأى عن تلك المخططات “التقسيمية” التي تستهدف المنطقة العربية من جديد (تقسيم السودان قد تم وجاري الآن مشروع تقسيم كل من العراق وسوريا وليبيا والبقية تأتي)، بحيث لا يمكن القول أن بعده الجغرافي عن الكيان الصهيوني قد شفع له عند صناع القرار السياسي المتعلق بالمنطقة العربية في الكونغرس الأمريكي يجعله بذلك في مأمن من عملية التقسيم التي تهدد وحدته الترابية.

لقد كان خطاب ملك المغرب في القمة المغربية الخليجية الأخيرة واضحا في هذا الباب حيث نبه جلالته إلى خطورة المؤامرات التي تحاك ضد المملكة ووحدتها الترابية الأمر الذي لا ينبغي السكوت عنه. في أفق أن لا يبقى هناك أي قطر عربي له من مقومات القوة والاستقرار ما يجعل المنطقة العربية في حالة ضعف مستمر أكبر مما هي عليه. وأكبر دليل على ذلك التطورات الأخيرة التي يشهدها ملف وحدتنا الترابية وتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة ” بان كيمون ” المستفزة اتجاه الصحراء المغربية التي لم تكن قطعا من وحي أفكاره بقدر ما كانت مطلوبة منه وبرعاية أمريكية صرفة.

إذا كان من بين تعاريف السياسة بأنها مجموعة وسائل وتصرفات ممنهجة، مدنية أو عسكرية، مشروعة أو غير مشروعة، من أجل الوصول إلى هدف معين. فإن المغرب عليه أن يلعب السياسة مع الولايات المتحدة الأمريكية وفق المفهوم الأمريكي للسياسة القائم على المصالح والبراغماتية عبر استعمال وسائل الضغط الناجعة والمختلفة على الأقل في أفق التخفيف من الآثار السلبية للسياسة الأمريكية المرتبطة به إن لم يستطع تغييرها لصالحه. وحتما ليس من بينها الدخول في مواجهة مكشوفة وحادة مع الولايات المتحدة الأمريكية نظرا للفارق الضخم والشاسع في ميزان القوى بين البلدين.

يمكن للمغرب أن يلعب بكثير من الأوراق للتخفيف من وطأة ما تصدره أميركا وما ستصدره مستقبلا من قرارات ومواقف بخصوصه وعبر توظيف ما يمكنها من هيئات ومنظمات دولية، وهي كلها سياسات تتجمع لغاية إرباك المغرب في ملف وحدته الترابية. قطعا تلك السياسات هدفها ابتزاز المغرب في كثير من القضايا الحساسة المرتبطة بالسيادة المغربية واستقلال قراره السياسي كي يقدم فيها تنازلات خطيرة قد يكون من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، السماح بإنشاء قاعدة أمريكية بالصحراء المغربية “افريكوم” نظرا للموقع الجيواستراتيجي الذي يتمتع به المغرب بدعوى محاربة الإرهاب والنمو المتزايد للجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم “داعش” الإرهابي وهو الأمر الذي رفضته الجارة الجزائر من قبل. ويمكن إجمال أوراق اللعب تلك فيما يلي:

  • يمكن للمغرب أن يلعب ورقة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة السرية واتفاقية الصيد البحري للضغط على شركائه الأوربيون من أجل دفع أميركا إلى التراجع إلى الخلف عن سياستها التصعيدية اتجاه المغرب.

  • كما يمكنه أن يستمر في لعب ورقة تنويع شركائه الاستراتيجيين التي أعلن عنها الملك في خطابه الأخير في القمة المغربية الخليجية والذي لاقى ترحابا كبيرا عربيا وداخليا، عبر التوجه شرقا والمضي قدما في تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية عبر محور روسيا – الصين. دون أن ننسى تعميق تحالفه الأمني والعسكري والاقتصادي مع دول الخليج العربي.

  • كما يجب على المغرب أن يعمل على إحياء سياسته بخصوص ملف الصراع العربي الاسرائيلي وملف القدس تحديدا، وهي الورقة التي يمكن من خلالها كشف مخططات التهويد التي تستهدف المدينة المقدسة وهو موضوع قد يجد صدا وتفهما معتبرين عند جيراننا الأوربيين خاصة الرأي العام هناك الذي أبدى في كثير من المحطات وقوفه ضد السياسة العنصرية للكيان الصهيوني.

  • الدفع قدما بسياساته جنوبا في القارة الإفريقية خاصة دول الساحل والصحراء، من خلال المزيد من تعميق الشراكة الاقتصادية والتجارية وتوسيعها لتشمل الشراكة الأمنية أيضا، بهدف تثبيت مواقفها الداعمة لقضية الوحدة الترابية وكسب مزيدا من الدول الأخرى.

كل ذلك يتطلب من المغرب وكل مؤسساته الدستورية وأجهزته الدبلوماسية بذل كثيرا من الجهد وتعبئة كل الطاقات والقدرات كي يفوت الفرصة على المتربصين به ويحول دون تحقيق مخططاتهم. فعلا المغرب قدراته وموارده الاقتصادية والعسكرية محدودة بالنظر إلى ما عند خصومه، لكن عبر التخطيط الرشيد للسياسات وتنظيم الصف الوطني الداخلي عبر تعزيز مكتسبات المغرب في مجال الدمقرطة السياسية وضمان الحريات الأساسية التي انخرط فيها منذ دستور 2011. إضافة إلى حسن الاستفادة من الخيارات السياسية والبدائل المتوفرة لديه يمكن لصانع القرار السياسي المغربي أن يقنع المتربصين به من صناع القرار السياسي الأميركي بأن وجود مغرب مستقر وآمن وموحد في صالح الجميع لأن غير ذلك ستكون أثاره وخيمة على الجميع أيضا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M