دة.صفية الودغيري: رحلة سفر

08 يناير 2022 19:30

هوية بريس – دة.صفية الودغيري

حين يغادر قطارك محطته، وتختار رحلة سفرٍ طويلة، ويصير غيابك عمن تحبهم يتلوه الغياب..
وتفصل حياتك عن حياتهم، واهتماماتك عن اهتماماتهم، وتقرر وتختار بإحساسك وعقلك، أن تبتعد لأيّ سببٍ من الأسباب، أو لأيّ ظرفٍ أو عذرٍ من أعذار حياتك..
ثم تقرّر فجأة بعد أن مللت من اختيارك وقرارك الرّحيل والغياب أن تعود إلى وطنك، وأن تصل أصحابك وأحبابك الذين فارقتهم دون أن تودعهم، أو تخبرهم انّك في يوم غير مشهود ستعود أو لا تعود..
ستصدمك الحقيقة والواقع، فالساعة التي قررت فيها الرّحيل والغياب قد تحرّكت من مكانها، ولم تقف عقاربها عن الدَّوران..
وستكتشف أنّ كلّ أولئك الذين وعدتهم في زمنٍ قد مضى أن لا تفارق يدك يدهم، وستظلّ وفيًّا لهم تقاسمهم الحُلْو والمُر، والفرح والحزن، والصِّحّة والمرض، والضّعف والقوّة، والانتصار والهزيمة..
وتقاسمهم جميع الألوان، واللَّون الأبيض والأسود، والشُّروق والغروب..
وتقاسمهم فصول حياتك وحياتهم السَّعيدة والكئيبة..
قد تغيّروا، وتبدّلت أمزحتهم وطبائعهم وأذواقهم، وأصابهم القنوط واليأس، وتعبوا من الشّوق والحنين إلى وجودك، وملّوا من الجلوس على مقاعد الانتظار..
فهم كذلك يملكون حقّ الرَّحيل والغياب، وأن يختاروا ويقرّروا نسيانك ومسح إسمك المقرون لعهود بأسمائهم، وقطع أوراق خريفك الذّابلة..
وهم كذلك من حقّهم أن يفصلوا شريانهم عن شريانك، لتتَّسع مضايق عروقهم لصبيبٍ دمٍ طاهرٍ صادقٍ، فيه قوةٌّ، وفيه خفقانٌ ونبض الحياة..

هم كذلك يعشقون السّفر مثلك، وأن يركبوا قطار حياتهم، ليمضي في اتِّجاهٍ معاكسٍ لاتّجاه قطارك، وأن يجلسوا على مقاعد جدبدة تحتويهم بحبٍّ صادق، وأن يختاروا وجوهًا لا تتغيّر ملامحها مع الفصول، ولا تقودها الأهواء والفتن، وتحكمها الأحداث والظُّروف..
وكما أنّ العواطف والمشاعر، والمواقف تتغيًّر، كذلك المحطّات والمقاعد تتغيَّر، فهناك من يسافر وهناك من يعود، وهناك من يموت وهناك من يولد..
والوجوه لا يمكن أن تظلّ هي نفسها، ولا الملامح هي نفسها..
وبين طريق الرَّحيل والإياب سيمضي زمنٌ وعمرٌ وحياةٌ قصيرةٌ وطويلة، وستمضي فصولٌ وعقودٌ وعهودٌ ومواثيق..
لا يمكن أن تُعَوَّص، أو تتكرَّر كما كانت على حالتها وصورتها وهيئتها الأولى..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M