دفاعا عن السنة النبوية الشريفة: سلسلة الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية “محمد بن الأزرق الأنجري”

23 ديسمبر 2015 00:27
الدروس المؤصلة لمن خالف العلماء وفقد البوصلة

الجزء الرابع: المقدمات الممهدات 4

منير المرود

هوية بريس – الأربعاء 23 دجنبر 2015

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد الورى وإمام الأنبياء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، وبعد:

فلا تزال هجمات الأنجري على السنة النبوية ورموزها شرسة، وقد بدأت تظهر بعض المعالم الواضحة التي تبين قصده من مقالاته السابقة في الطعن في الصحيحين، والتي كنت قد أشرت إلى بعضها في المقدمة الحادية عشرة حين قلت: «وهكذا يتضح لنا مرادهم من إسقاط السنة النبوية، فإذا خلا لهم القرآن الكريم فسروه بما يتفق مع أهوائهم، لأننا لن نثق حينئذ في المرويات الواردة عن السلف في التفسير، فيضيع الإسلام بين سنة مهترئة وضعيفة ومكذوبة!!، وبين قرآن مؤول ومفترى عليه».

ثم وجدت بعد ذلك مقالين لهذا المتخرج من دار الحديث الحسنية، يطرح من خلالهما فقه الأولين والآخرين، حول موضوع خارج إطار التاريخ والجغرافيا، لا ينبش فيه عاقل في هذا الزمان والمكان، مما يدل على عدم إحاطة الرجل بواقع الحال والمآل، حيث كتب موضوعين ينفي فيهما كون الجزية حكما شرعيا، مع العلم أن دليلها قطعي الثبوت قطعي الدلالة، معتبرا أن هذا الفهم أحد أسباب التطرف والغلو، مع أنه هو نفسه لا يتورع عن تكفير المخالف صراحة كما سأبين ذلك في مقال لاحق إن شاء الله.

فقل لي بربك يا ابن الأزرق: هل هذا الزمان مناسب لمثل هذه المواضيع التي قتلت بحثا في كتب الفقهاء؟، وهل المكان -الجرائد الإلكترونية- مناسب لعرضها أمام الملأ ممن لا علم له ولا فقه؟، ما هدفك من إثارة هذا الموضوع في هذا الوقت؟، فهل طبقت الشريعة وحكمت وسادت حتى نناقش أمر الجزية؟، وهل نادى أحد الفقهاء أو المنتسبين إلى العلم في المغرب أو غيره بوضع الجزية على غير المسلمين حتى تثور ثائرتك ـ أم أنك ترد على ذلك السلفي المصري المجهول ـ !؟.

وهكذا صدقت فراستي في قصد الأنجري، إذ أن مراده إسقاط الاستدلال بالسنة ليختلي بالقرآن الكريم، فيفسره على وفق ما يشتهيه ويهواه كما فعل في تفسير الآيات 38 ـ 39 ـ 40 من سورة النمل على الوجه الذي بينته في المقدمة الحادية عشرة، لكي يرضي أعداء الإسلام ممن يصفقون له وينعتونه بالعالم المتنور، لا لشيء إلا لأنه يسعى إلى هدم عرى الإسلام عروة عروة.

وقبل أن نشرع في إتمام ما بدأناه من مقدمات، أجد نفسي ملزما برد بسيط مختصر حول الموضوع من خلال نقطتين رئيستين ـ وسأفصل القول في هذه المسألة في مقال مستقل بإذن الله ـ :

النقطة الأولى: إن ما اعتبره ابن الأزرق فهما سقيما للدين، ونقطة سوداء في جبين المسلمين، يعتبره المنصفون من غير المسلمين من محاسن الشريعة، وسأنقل هنا كلاما واحدا للمؤرخ “توماس أرنولد” في كتابه “الدعوة إلى الإسلام” عن الغرض من فرض الجزية وعلى من فُرضت، ـ وسأرجئ باقي النقول إلى مقال مستقل خاص بموضوع الجزية ـ  حيث قال:

« ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين، كما يريدنا بعض الباحثين على الظن، لونا من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة. وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش، في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين»[1].

النقطة الثانية: قولك: « ولكي تتأكد أيها المسلم المتحرر من أن الجزية ليست حكما شرعيا، فما عليك إلا أن تتذكر أن يهود المدينة لم يكونوا يدفعونها لا قبل نزول الآية ولا بعدها ، ولا يكذب عليك المنتسبون للعلم بإحالتك على شأن يهود خيبر، فإن أمرهم يؤكد ما نقول، فهم لم يكونوا يؤدون الجزية بعد إلحاق الهزيمة العسكرية بهم، بل خيرهم النبي صلى الله عليه وسلم بين الجلاء عن أرضهم أو البقاء مع دفع نصف المنتوج الفلاحي من مساحة خيبر للدولة المسلمة الحامية لهم الضامنة لحقوقهم »، وهذا القول منك خطيئة علمية كبرى تضاف إلى خلطك في بعض مقالاتك بين المتقدمين من العلماء والمتأخرين والمعاصرين.

إذ أنك تستدل هنا بأحداث وقعت قبل نزول آية الجزية بسنوات، فجلاء بني قينقاع كان في السنة الهجرية الثانية، وغزوة بني النضير وقعت في السنة الهجرية الرابعة، وغزوة بني قريظة كانت في السنة الهجرية الخامسة، وأما غزوة خيبر فقد وقعت في السنة السابعة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، بينما نزلت آية الجزية بعد غزوة تبوك في السنة الهجرية التاسعة، فمن الكاذب الآن يا “ابن الأزرق”: أأنت أم من وصفتهم استهزاء بالمنتسبين للعلم!.

قال ابن القيم رحمه الله في “أحكام أهل الذمة” 1 ــ 90  وهو يناقش أقوال العلماء فيمن تؤخذ منهم الجزية: «فإن قيل: فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأخذها من أحد من عباد الأوثان مع كثرة قتاله لهم.

قيل: أجل وذلك لأن آية الجزية إنما نزلت عام “تبوك” في السنة التاسعة من الهجرة بعد أن أسلمت جزيرة العرب ولم يبق بها أحد من عباد الأوثان، فلما نزلت آية الجزية أخذها النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن بقي على كفره من النصارى والمجوس ولهذا لم يأخذها من يهود المدينة حين قدم المدينة ولا من يهود خيبر لأنه صالحهم قبل نزول آية الجزية».

ولن أعلق على هذا الأمر كثيرا فإنه لا يقع إلا من جاهل متعالم، وهذه الزلة وحدها كفيلة بأن تبين أن “خريج دار الحديث هذا” لا في العير ولا في النفير، فكيف لمن كان هذا حاله أن يخطئ جماهير العلماء والفقهاء سلفا وخلفا؟، ولكنها الفوضى العلمية التي تجعل كل من هب ودب يكتب وينشر ويعلق ويعترض ويستشكل لا على سبيل التعلم ـ فهذا مقبول ـ بل على سبيل الاستئساد والتعالم، ثم يوصف بعد ذلك بالعالم أو الباحث المتنور، فهذا زمن العجائب، جيل الرويبضات، فافعل يا “أنجري” ما شئت فلن يحاسبك في الدنيا أحد.

ولنعد إلى مقدماتنا لنبين حقيقة الرجل، وبعدها لن نستغرب من كتاباته ومقالاته الممسوخة.

المقدمة الرابعة عشرة: هل محمد بن الأزرق شيعي متخف؟

تعتبر التقية من أهم العقائد التي أسس عليها المذهب الشيعي الخبيث، لذلك نجدهم في كتاباتهم وخطاباتهم ومؤتمراتهم الموجهة للمسلمين من أهل السنة يقولون أقوالا مجملة تنطلي على من لا علم له بأساليبهم القذرة وتاريخهم المليء بالمراوغة والمكر والخديعة.

وقد بوبت هذه المقدمة بصيغة الاستفهام كي لا أظلم الرجل بمجرد الظن الراجح، حيث سأترك للقارئ والمتابع الوصول إلى النتيجة بنفسه، حتى وإن لم يتفق مع ما تضمنته هذه المقدمة، رغم أن جميع الأدلة والبراهين تدل على صدق دعواي، سواء تعلق الأمر بأسلوبه الذي يشبه أساليب القوم، أو شبهه التي هي نفس شبههم ، أو بتصريحه ـ وهذه هي الصدمة الكبرى ـ الذي صرح به في بعض مقالاته كما سأذكر، إلا أنه ـ في اعتقادي ـ يضمر ويخفي قناعاته التي ظلت منبوذة في الغرب الإسلامي طيلة القرون الماضية رغم أن الفاطميين مروا من هنا لبرهة من الزمن.

 فأما من حيث موافقته لطرائق الشيعة الروافض: فإننا نجده يقدح في الصحيحين وصاحبيهما باسم البحث العلمي، ويلمز أبا هريرة رضي الله عنه باسم التجرد وعدم التقليد، ويعرض بأمين الوحي معاوية رضي الله عنه من منطلق نصرة الحق، وينسب النفاق للكثير من الصحابة دون تمييز بينهم، وينعتهم بالغفلة والبساطة والأمية، ويدافع عن الوجود الشيعي في المغرب رغم أنه يعلم أو يجهل أن هذه النحلة الباطلة لم تدخل بلدا إلا تسارع إليها الخراب، وتغيرت فيها الأحوال من الأمن والاستقرار إلى الفتن والقلاقل.

فأما قدحه في الصحيحين وصاحبيهما فقد بينته في المقدمتين الثانية عشرة والثالثة عشرة، وأما لمزه لأبي هريرة فظاهر من خلال تعليله حديث “لولا بنو إسرائيل … الحديث” بانفراد حافظ الأمة أبي هريرة رضي الله عنه بروايته ـ وهذا من أعجب ما رأيت من سني ينسب نفسه إلى الاشتغال بعلم الحديث ـ كما سأذكر في المقدمة التالية، وأما تعريضه بمعاوية فواضح جلي أيضا، وفيما يلي نص كلامه مما سطرته يداه:

قال في مقال له بعنوان “محاولة انتحار المعصوم…”: «كان الفسقة من أمراء دولة معاوية بن أبي سفيان رحمه الله، يسبون مولى المؤمنين عليا رضي الله عنه، ويحرضون على ذلك، كما في قصة سهل، تقربا إلى معاوية وتثبيتا لملكه، ومنهم مروان بن الحكم الأموي. وسب مولانا علي أو التشجيع عليه، شعبة من النفاق، ويؤديان حتما إلى القدح في أصحابه ثم في معاوية، لأنه كان المسئول الأول عن صنيع أمرائه».

وقال في مقال “الإرهاب الفقهي والفكري…”: «كان الخلاف في البداية سياسيا بين المسلمين على عهد الخليفة الثالث سيدنا عثمان رضي الله عنه، وتعمق أيام مولانا علي بن أبي طالب بسبب الانقلاب والتمرد المسلح الذي قاده معاوية بن أبي سفيان، رحمه الله وغفر له.

ثم تحول الخلاف إلى انحراف في نظام الحكم لما استولى معاوية بطريقة غير شرعية على السلطة، وحكم الأمة بطريقة هرقلية».

وقال أيضا في: “لماذا يتشيع شبابنا؟”: «أثبتت الوقائع التاريخية أن سب مولانا عليا كان بأمر وتشجيع من معاوية بن أبي سفيان رحمه الله وغفر له، وهي معصية كبيرة جدا جدا».

وأما انتقاصه من الصحابة على وجه الجملة وطرح شبهة النفاق التي يتمسك بها الشيعة فقد صرح به في مقال “عذرا رسول الله…”، فقال: «وإذا اتفقنا على أن الكذب بدأ مع المنافقين، وعرفنا أنهم لم يكونوا معينين معلومين، أدركنا أن مجموعة ممن كانوا محسوبين على الصحابة إنما هم في حقيقة الأمر منافقون.

وهذه الفئة كان بمقدورها أن تختلق الأحاديث فتستغفل بعض الصحابة والتابعين، الذين يسمعون الخبر من المنافق المحسوب على الصحابة فيصدقونه، ثم يروونه دون تسمية راويه المنافق على سبيل الإرسال…

لقد كان القوم أميين بسطاء العقول في الغالب، وكانوا رحمهم الله جاهلين بأعيان المنافقين، غافلين عن حقيقة المندسين من اليهود والزنادقة الملحدين، وكانوا لا يعرفون الكذب ولا يتصورون جرأة غيرهم على اختلاق الأحاديث، لذلك كان يسهل خداعهم وتمرير الموضوعات عليهم.

والتصور الذي نملكه عنهم، بعيد عن الواقع والحقيقة، فلم يكونوا عباقرة دهاة كما نعتقد، ولم يكونوا رحمهم الله عارفين بحقائق القرآن كما نتخيل،..».

أضف إلى هذه الأمور كلها إباحته لنكاح المتعة وهو الأمر الذي ضل لصيقا بالمذهب الفقهي الرافضي منذ عصور ولت.

وهنا يجب أن نسجل أن صفة واحدة من هذه الصفات المذكورة سابقا مع دليلها من قوله، لو نسبت إلى أحد المنتسبين إلى العلم من أهل السنة لقدحت فيه واعتبرت من طوامه، فكيف إذا اجتمعت كلها في شخص واحد لم يرح رائحة العلم ولو من مكان بعيد، بل الأدهى والأمر أنه صرح تصريحا لا يمكن تأويله بحال من الأحوال، بأن أحد مذاهب الشيعة المتقدمين القاضي بتقديم علي رضي الله عنه عن غيره من الصحابة هو الصواب عنده كما سنرى بعد قليل.

وبما أن المجتمع المغربي عبر تاريخه الطويل مجتمع متحصن ضد هذه الأفكار الظلامية المنحرفة، فإن الإعلان عن مؤسسة “الخط الرسالي” سيتبعه بلا شك موجة غضب شعبي عن هذه الخطوة اللامسؤولة ممن سهل أو ساهم أو شجع أو فرح بافتتاح تلك المؤسسة، الشيء الذي جعل صاحبنا يستشيط غضبا فيكتب مقالا كان عنوانه: ” لماذا يتشيع شبابنا؟”، يدافع من خلاله عن الوجود الشيعي بالمغرب، خلط فيه الحابل بالنابل، ولم يتمالك نفسه فصرح ببعض ما كان يضمر طيلة هذا الوقت حتى اختنق الرجل أو كاد، فوجد في تلك الفرصة مجالا للتنفيس عن نفسه، وإظهار بعض الحقيقة قبل أن يأذن لنفسه أو يؤذن له ـ من طرف من يحركه ـ بالتصريح بها كلها في اليوم الذي سيخرج فيه علينا بمقال تحت عنوان : ” لماذا تشيعت؟”.

وصاحبنا كان يعرف منذ البداية أن أقواله وآراءه لن تنطلي على الخبراء بطرق منتحلي ذلك المذهب الوثني، وسيشتمون في مقالاته رائحة التشيع كما حدث مع غيره من قبل -حسن بن علي السقاف نموذجا-، فكان في كثير من الأحيان ينهي مقالاته بنفي هذه التهمة عن نفسه -من باب (مول الفز تا يقفز)-، كما فعل مثلا في نهاية مقال “التنقيح” حيث قال: (وسأوصف بالتشيع وحب الشهرة والجهل المكعب مرة أخرى).

إن مما يؤكد أنه يزين مذهب الشيعة ويمهد الطريق أمام متابعيه المغيبين ذهنيا وإعلاميا من أجل قبوله أو اعتناقه، ما وجدناه في بعض كتاباته من التماس الأعذار لمن تشيع على اعتبار أن في هذا المذهب متنفسا ومخرجا للعديد من مشاكل الشباب، وقد ورد هذا صريحا في قوله في مقال: “زواج المتعة: رحمة أم حرام…”: (أيها الفضلاء النبلاء، إن شباب مذاهبنا السنية يتشيعون لدوافع سياسية وأخرى جنسية، فهم يعانون العزوبة والفتنة، ويجدون في مذهب الشيعة متنفسا ومخلصا.

إنهم يجدون مذهب الشيعة في المتعة حلا واقعيا يناسب الفطرة، فيعتنقونه في بلاد المهجر بكل ما فيه من غث وسمين، ثم يعودون إلى بلادهم دعاة مبشرين).

فماذا سيقول عوام الناس الذين يملئون المواقع الإلكترونية التي يكتب فيها، وكيف سينظرون إلى هذا المذهب الواقعي المخلِّص الذي يناسب الفطرة حسب تعبير الكاتب، فهذه العبارات وحدها كفيلة ببيان حال الرجل، فكيف إذا انضم إليها تعبيره الصريح بأن أحد مذاهب الشيعة هو الحق الذي عليه جماهير التابعين والأصحاب، حيث نجد هذا في مقاله المشار إليه أعلاه والمعنون بـ”لماذا يتشيع شبابنا؟” حين قال: (للتشيع معنيان أساسيان:

الأول: تفضيل مولانا علي بن أبي طالب على سائر الصحابة الكرام دون غلو في شخصه، مع الإقرار بصحة خلافة موالينا أبي بكر وعمر وعثمان عليهم الرضا، ومن غير تعرض للأصحاب بنقيصة أو شتيمة.

ثم موالاة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبراءة من العدوان الذي لحق بهم على أيدي النواصب من بني أمية وبني العباس.

وهذا القدر هو الحق والصواب، وعليه كان جماهير السلف من التابعين والأصحاب.

وهو مؤيد بقواطع الأدلة من الكتاب والسنة، تنظر في مظانها، لا في مقال يتوخى التنبيه والتحذير) اهـ.

ولي على هذا المقطع الأثيم ملاحظتان اثنتان:

الأولى: إذا كان هذا هو المذهب الحق والصواب عندك، وهو خلاف ما عليه أهل السنة يقينا، بدليل إقحامك له مباشرة بعد تعريفك للتشيع، فلماذا لا تتبعه وتنافح عنه بما لديك من أدلة قطعية في ذلك كما زعمت !، دون أن تتنكر برداء أهل السنة والجماعة وتتلبس بلبوسهم، ثم تتسلل بين شبابهم تسلل الثعلب إلى قن الدجاج، وتدلج في سواد الليل كخفافيش الظلام لتبث سمومك بين صفوف المسلمين الغائبين أو المغيبين ذهنيا وفكريا.

أما إذا أصررت وأنكرت وجادلت ونافحت ولويت عنق الحقيقة، وأقسمت بالأيمان الغلاظ على أنك من أهل السنة، فستكون حينها النتيجة الحتمية التي ليس لك منها مخرج هي أنك من أصحاب الأهواء، حيث إنك تعرف الحق بأدلته القاطعة ثم لا تتبعه.

 فليتك يا صديقي لم تقحم نفسك في هذه المزالق، فأنت الآن في شارع ضيق ليس له إلا مخرجان، أحدهما يذهب بك إلى التشيع الذي وصفته بأنه واقعي موافق للفطرة، والآخر يضعك في خانة أهل الأهواء فتنبه !.

الثانية: قولك: (وعليه كان جماهير السلف من التابعين والأصحاب)، مغالطة كبيرة، ومجازفة خطيرة، يسهل ردها بجملة يسيرة إذا ما طالبناك بأن تسمي لنا هذه الجماهير، وأنى لك ذلك، ونحن نعلم يقينا عقائد السلف في الصحابة رضي الله عنهم، بل وعندنا من نصوص الوحي القطعية ما يشهد لهذه العقيدة، وسنبين هذه المسألة في موضعها من سلسلتنا هاته عندما يحين الدور على هذا المقال، فانتظرونا هناك.

أما إذا استدل علينا بنصوص بعض أهل السنة الذين يذكرون كلاما مجملا كما هو الحال بالنسبة لابن حزم في ” الفصل في الملل والأهواء والنحل” 4 ـ 90، والألباني في “الضعيفة” 13ـ880، و”الصحيحة” 1ـ319، فإنه كلام يسهل توجيهه ومحل ذلك المقال المشار إليه قبل قليل.

خاتمة الجزء الرابع

انتهى المراد من هذه المقدمة، وتبين للقارئ اللبيب ما بين الأنجري ومذهب أهل السنة من خصومة، فلا يجب الاغترار بأمثاله، فما هو إلا نتيجة حتمية للتأثر الحاصل من طائفته التي ينتمي إليها بالثورة الخمينية في القرن الماضي، فقد عشش فكر الروافض في جماعته وباض، وها هي فراخه قد اكتمل نموها جسديا، لكنها لم تنضج فكريا بعد، حيث أنتجت جيلا هجينا مشبعا بالشبهات، ما فتئ يبث سمومه بين صفوف المسلمين عامة وأهل المغرب السني خاصة.

وصاحبنا يحب الظهور بمظهر العلماء، ويكثر من الاستدراك على الكثير من رموز السنة وتخطئتهم واتهامهم بالتقصير في البحث، خاصة وأنه وضع نفسه في زمرة المشتغلين بعلم الحديث، لذا فإني سأفرد مقدمتي الخامسة عشر للحديث عن بضاعته الحديثية.

فما مدى إلمامه بهذا العلم الجليل الشأن؟، وما قصة كثرة تخريجه للروايات والطرق والأسانيد؟، وهل كل من جاء بكثرة الطرق وجمع أقوال علماء الجرح والتعديل في الرواة قد صار محدثا؟، أم أن هذا الأمر صار سهلا يسيرا في زمن تطورت فيه التكنولوجيا إلى حد أصبح فيه الباحث المبتدئ يستطيع أن يخرِّج الحديث من طرقه ومصادره الأصلية في أقل من عشر ثوان؟…

تابعونا في الجزء القادم حيث سنزيل معا اللثام عن حقيقة انتساب ابن الأزرق لزمرة المشتغلين بالحديث النبوي الشريف.

وإلى ذلك الحين ها هو كاتب هذه السطور يحييكم بتحية أهل الإسلام والسلم والسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

خريج دار الحديث الحسنية

[email protected]

[1]  ـ  السير توماس و. أرنولد، “الدعوة إلى الإسلام: بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية”، مكتبة النهضة الطبعة الثالثة، ص 79، ترجمة الدكاترة: حسن إبراهيم حسن، إسماعيل النحراوي وعبد المجيد عابدين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M