دلالات تدنيس اللوحة التذكارية التي تحمل اسم الراحل عبد الرحمن اليوسفي

01 يونيو 2020 00:28

هوية بريس – إبراهيم الطالب

في ثنايا كل فعل أو قول أو حركة رسالةٌ تحمل كل عناصرها المرسِل والمرسَل إليه وفحوى الرسالة، بل حتى السكوت والصمت لهما دلالتهما وفحواهما وتفهم من خلال القرائن والسياقات، فكيف يمكن أن نفهم هذه العناصر في قضية تدنيس اللوحة التذكارية التي تحمل اسم الراحل عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله تعالى.

وقبل كل حديث، فإني شخصيا أشجب هذا الفعل القبيح، المتخلف الصبياني مهما كانت نية فاعله ومهما كانت أهمية الرسالة التي أراد إيصالها، فالنجاسات لا تدخل في آليات التعبير والتوظيف عند أصحاب العقول المتنورة، فأسوة المسلمين رسول الله ﷺ لم يستعمل قط النجاسات في التعبير ولا المدافعة وهكذا كانت الأمة من بعده إذ المؤمنون أطهار يتطهرون من النجاسات وما يتعلق بها، فهي تحرم بيعا وشراء.

روى لنا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه رسولُ الله ﷺ قال: “اتَّقوا اللَّعَّانين: الذي يتخلَّى في طريق الناس، أو ظلّهم” رواه مسلم؛ ومعنى الحديث أن هذين المكانين “يُسببان لعن مَن فعل فيهما ما يُؤذي الناس، فلا يجوز للمسلم أن يتخلَّى في الطريق، ولا في الظلّ الذي ينتفع به الناسُ؛ لأنَّ هذا يُؤذي الناس، ويشقّ عليهم، والمسلم أخو المسلم، لا يُؤذيه، ولا يضرُّه، ولا شكَّ أن التَّخلي في الطريق وفي الظلّ الذي يُستظل به يُؤذي الناس”.

إذًا لا علاقة للدين بهذه التصرفات والأفعال المشينة، ولا يمكن بحال أن تقبل كشكل من أشكال الاحتجاج أو التعبير عن المواقف، فهي تحمل معاني الانتقام ولا يقبلها شرع ولا عقل ولا عرف.

لكن ما دامت قد وقعت فيُمكننا أن نستشف من ورائها أن هناك غيظا وحنقا عبر عنه صاحب هذا الفعل، فقد يكون من متطرفي اليسار الذين يرون في السي عبد الرحمن خائنا وضع يده في يد النظام الرجعي وركن إلى البرجوازية، وباع القضية بحيث أصبح بيدقا في يد الإمبريالية وقام بخيانة البروليتاريا، وباع البلاد عن طريق الخوصصة، فأكبر عمليات الخوصصة تمت في زمنه.

وقد يكون المنجس متطرفا جاهلا بالدين يرى في عبد الرحمن اليوسفي ممثلا للتيارات اليسارية التي لا تمل أحزابها وصحافتها من استفزاز المغاربة بمواقفها المعادية للدين وللهوية المغربية.

وقد يكون مغربيا عاديا ظلمته الإدارة أو اعتقل أحد أقربائه على خلفية الإرهاب ويراه مظلوما فأعماه إحساسه بالظلم والحكرة وهو يرى هذا الاهتمام بموت اليوسفي فحسبه أحد رجالات الدولة الذين أطلق عليهم في وسائل الإعلام اسم “خدام الدولة”، فأراد أن يظهر عداءه لمن ظلمه بهذه الكيفية، وهو لا يفرق بين “جطو التقنوقراط” و”اليوسفي المناضل اليساري”.

وقد يكون أحد المشردين المساكين ملأ جوفه بالمواد الحارقة الرخيصة وما أكثرهم في طنجة، وجد الشارع فارغا فقضى حاجته تحت النصب، واستجمر برسائل تأبين الراحل اليوسفي ليملأ فراغه ويخفف غزلته في ظل الحجر الصحي.

وقد يكون هذا الفعل لم يصدر لا عن هذا المسكين ولا أولئك، وإنما هو نتيجة عقل مثقوب من تلك العقول المتشنجة التي تريد تصفية الحسابات مع الغاضبين من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي تكرر مرارا، فأراد أن يقوم بأمر يلفت الناس عن القضية التي باتت حديث الجميع، وموضوع المطالبات، ويجعلها تهتم باتهام الإسلاميين ومن ينعتهم الجاهلون بالوهابية، لمعرفته أن الإعلام وجه العقول ليجعلها تصنف مثل هذه الأفعال مباشرة في التطرف الديني بالخصوص، والذي يمثله وفق التصنيف الإعلامي المتحيز كل من ألصقت به تهمة الوهابية.

المهم أن هذا الفعل حرك جانبا من العقل الخمول الذي لا هم له إلا الدفاع عن القضايا الفئوية أو الخاصة بحزبه، فهرول حزب الاتحاد الاشتراكي لتقديم شكاية بمجهول يطالب فيها النيابة العامة أن تبحث له عمن دنس حجارة مكتوب عليها اسم رجل من حزبه، ولم يتحرك لإصدار مثل هذا الشكاية عن فعل أستاذة للفلسفة لعنت النبي ﷺ واستهزأت به، وبهذا نعرف اهتمامات أحزابنا الكبرى بالدين الإسلامي.

كان على الرفيق ادريس لشكر، الذي منع من قراءة كلمة تأبين عند قبر الراحل، أن يطالب النيابة العامة بتحريك الدعوى ضد الأستاذة التي استفزت الرأي العام المغربي وتطبيق القانون الجنائي في حقها، احتراما له وللدستور.

فإن خاف أن يبدو ظلاميا مثل غرمائه الإسلاميين، فكان عليه على الأقل أن يصرح ولو ببضع كلمات يشجب فيها هذا الفعل الشنيع انتصارا للرسول الكريم ﷺ، أما النجاسة فيغسلها دلو من الماء.

الموقف نفسه كان من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي أصدرت بيانا في تدنيس حجارة فهمها اليسار أنها موجهة ضد رمز من رموزه، لنفهم أي عقل حقوقي هذا، عقل لم ينتصر لحق شعب في أن تحمى رموزه الدينية ومقدساته العقدية، فهذه لا تستحق أن يدافع عن حقوقها، ولو وقف أي مسلم جاهل متهور اليوم أمام كنيسة مهجورة وأهان الصليب أو لعن النصارى بالقرب من بابها، لرأيت أغلب أمثال هؤلاء السياسيين والحقوقيين يصدرون البيانات والتصريحات التي تشجب التطرف وتدعو إلى التعايش.

حقيقة مؤسف أن نرى هذا النوع من المواطنين الذين يتخذون النجاسات وسائل للتعبير، وكذلك هذا النوع من السياسيين والحقوقيين الذين لا تحركهم سوى عصبيتهم لمؤسساتهم وأحزابهم ومصالحهم، أما الشعب فلا مانع من أن يموت كمدا في كل مرة يستهزأ برسالات نبيه ﷺ وتوصم بالإرهابية، أو يسب نبيه أو يستهزأ بسنته. فهذا هو ما يُزهِّد هذا الشعب في السياسة ويجعل عوامه ينصرفون إلى التفاهات ويهتمون بالوضيع والسفساف من الأمور.

آخر اﻷخبار
7 تعليقات
  1. لا فض فوك واا قطعت أناملك.
    جمعت فأوعبت وفصلت فأجدت.
    مقال واحد قضى أغراضا عدة.
    تتبدو معارضا
    ثم تبدو مواليا
    ثم تبدو يساريا
    ثم تبدو إسلاميا
    ثم تبدو سلفيا
    ثم تبدو شعبيا
    وكل هذا حنكة وحكمة
    المهم أنت عفرييييت.

  2. سلِمت يداك أستاذنا إبراهيم الطالب، فما قمتم بإيراده في هذه الكلمة يحيل إلى انحطاط أحزابنا السيايسة المنخورة التي بات اهتمامها برموزها الحزبية آكد من الدفاع عن الجناب النبوي و شِرعة رب البرية جل في علاه اللذان يُتعرض لهما بين الحين و الآخر، إذ كيف تُنتظر النصرة ممن هو نفسه وصف حديثا عند البخاري “انصر أخاك ظالما أو مظلوما..” وقد بَتر لِحاقه “فقال رجل : يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : ” تحجزه – أو تمنعه – من الظلم ؛ فإن ذلك نصره” وصفه بالقولة الجاهلية! فأنى لمثل هذا أن يمثل شعبا مسلما يفدي نبيه صلى الله عليه وسلم بالنفس و المال و الولد!

  3. جزاك الله خيرا على هذه الكلمات الصادقة الفارقة.
    هكذا ترد كل قضية الى حجمها الطبيعي.
    وتأخذ المواقف عن بينة..

    5
    1
  4. * اليوسفي رحمه الله ، هل هو الوحيد الذي يستحق التذكار ، فاللائحة طويلة للمغاربة
    الذين أعطوا و أبدعوا في ميادين شتى . لماذا لا يكون لكل واحد منهم تذكار ؟
    الإنسان يذكره عمله لا غير .
    * هناك عظماء ، ماتوا منذ قرون ، و لا زلنا نتذكرهم و نذكرهم بخير أو بسوء ،
    و قبورهم مجهولة أو ليست لهم قبور . نذكرهم أكثر من الأحياء .
    * قد يكون لكل واحد منا عزيز ، نتذكره و نذكره أينما رحلنا و إرتحلنا ، دون اللجوء
    إلى إنشاء تذكار له .
    * السيد مات رحمه الله ، و ليس ضرورياً أن يتذكره جميع المغاربة ، لا أؤيد التدنيس
    أو الهدم (رغم إني لست وثنياً) ، و إنما أعتبره رد فعل على فعل .

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M