د.الريسوني يكتب: القانون الإطار وسياسة ذر الرماد في العيون

27 أغسطس 2019 21:15
الريسوني يهاجم الإمارات: تنشر الأحقاد والمؤامرات حول العالم

هوية بريس – أحمد الريسوني

يلحُّ بعض شراح القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي (51/17) على أنه يتضمن مكاسب هامة للغة العربية، تفوق ما انتُـزع منها..

ويقصدون بذلك ما جاء في بعض الفقرات من المادة الثانية والثلاثين، وهو:

– “تقوم السلطات العمومية المعنية في إطار مخططات عمل لتنفيذ مبادئ ومضامين الهندسة اللغوية المشار إليها في المادة31 باتخاذ التدابير التالية:…”

– “تنويع الخيارات اللغوية في المسالك والتخصصات والتكوينات على صعيد التعليم العالي، وفتح مسارات لمتابعة الدراسة باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، في إطار استقلالية الجامعات وحاجتها في مجال التكوين والبحث، حسب الإمكانات المتاحة”.

– “إدراج وحدة دراسية تلقَّن باللغة العربية في المسالك المدَرّسة باللغات الأجنبية في التعليم العالي”.

وبغض النظر عن البون الشاسع والسحيق بين هذه الوعود الهلامية المكبلة بالاشتراطات من جهة، والإقصاءِ الشامل والناجز للغة العربية عن كافة المواد العلمية والتقنية في كل مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والتكوين المهني، من الجهة الأخرى.. فإن من المعلوم المجرَّب أن هذه العبارات الإنشائية في القانون الإطار ليست للتطبيق والتنفيذ، وإنما هي لذر الرماد في العيون، أي للتمويه والخداع، وللتعمية والتغطية.. وحتى إذا ما حاول أحدٌ أن يحركها للتطبيق والتفعيل، فسيجد من “يفشِّله”، حسب تعبير كاتب الدولة، بل سيجد حواجز كثيرة عند كل خطوة وكل حركة..

وإليكم ما يحضرني من أدلة وأمثلة لذلك..

أولا: جاء في (الميثاق الوطني للتربية والتكوين) المعتمد سنة 1999:

المادة 113- “ابتداء من السنة الأكاديمية 2000-2001، تحدث أكاديمية اللغة العربية، باعتبارها مؤسسة وطنية ذات مستوى عال، مكلفة بتخطيط المشروع المشار إليه أعلاه، وتطبيقه وتقويمه بشكل مستمر. وتضم تحت سلطتها المؤسسات والمراكز الجامعية المهتمة بتطوير اللغة العربية”.

المادة 114- “يتم تدريجيا، خلال العشرية الوطنية للتربية والتكوين، فتح شعب اختيارية للتعليم العلمي والتقني والبيداغوجي على مستوى الجامعات باللغة العربية، موازاة مع توافر المرجعيات البيداغوجية الجيدة والمكونين الكفاة”.

فأين هي أكاديمية اللغة العربية هذه، بعد عشرين عاما من قرار إحداثها؟!

وأين وصل فتح شُعب للتعليم العلمي والتقني باللغة العربية في الجامعات المغربية؟!

ثانيا: بعد (الميثاق الوطني للتربية والتكوين) المعتمد سنة 1999، جاء أول “قانون إطار” للتعليم العالي بالمغرب، وقعه الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، عطفا على الملك محمد السادس، وهو القانون01/00  (المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 25/5/2000)، فنص على ما يلي:

– المادة1: يرتكز التعليم العالي على المبادئ الآتية:

– يدرَّس وينمو ويتطور في إطار التمسك بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها….

– يعمل على مواصلة تطوير التدريس باللغة العربية في مختلف ميادين التكوين (هذا في التعليم العالي طبعا).

– المادة3: تناط بالجامعات المهام الرئيسية التالية:

– المساهمة في تعميق الهوية الإسلامية والوطنية…

هذه المواد من ميثاق التربية والتكوين، ومن القانون 01/00، تشكل انطلاقة قانونية واضحة لعبور التعريب إلى الجامعة، ولتأسيس تعليم جامعي وطني، ولكن الانطلاقة الفعلية الحقيقية سارت – كالعادة – في الاتجاه المعاكس تماما..

ثالثا: جاء الدستور الحالي سنة 2011، فثـبّت اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة، ونص في الفصل الخامس على ما يلي: “وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها”. نعم هكذا: “وتنمية استعمالها”.

فأي تنمية لاستعمالها أنجزت منذ 2011؟

ألم تسِـرِ الأمور في الاتجاه المعاكس تماما؟ أي: تنمية استعمال كل ما سوى العربية، وتقليصُ استعمال العربية في مجالاتها المعهودة، لفائدة العامية الهجينة، ولفائدة الفرنسية..، إلى أن وصلنا أخيرا إلى “نظرية الانغماس في الفرنسية”..!

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. في كل المجتمعات الواعية حضاريا -ليس بالضرورة القوية اقتصاديا وعسكريا أو الشاسعة المساحة أو الكثيفة السكان – تعاش كل الحياة الجماعية والفردية وفق اللغة الوطنية من الخطاب اليومي المنطوق إلى لغة الادارة وانتاج العلم وتطبيقاته. فقط في المجتمعات المتخلفة حضاريا والمشوّهة ذهنيا ولسانيا، بسبب من إحتلال أجنبي أو مثيله، تجد حياتها ممزقة بين لسانها الوطني وألسنة أجنبية. إن كنس لغة المحتل الفرنسي من الأذهان والألسن والأذواق والادارة والتعليم والفضاء العام في ربوع المغرب العربي لهو أحد أهم شروط استكمال الاستقلالات والانطلاق في التنمية الأصيلة. وإن هذا الكنس لا ينبغي أن يكون باستبدال لغة المحتل بلغة أجنبية أخرى ولو كانت الأوسع استعمالا في العالم مثل الانجليزية اليوم. إن المطلوب هو تسييد اللغة الوطنية في كل مجالات الحياة بتصميم وحرص دائبين والوقوع في أخطاء في قطاع ما أو مرحلة ما وارد لكنه لا ينبغي أن يكون مبررا للنكوص والارتداد إلى لغة المحتل أو لأي لغة أجنبية أخرى. أما مسألة تدريس اللغات الأجنبية ذات الاستعمال العالمي الواسع في مراحل التعليم فينبغي أن تختار على أساس حاجة البلد لمجتمعاتها ودرجة انتشار ها خارج حدودها ويجب أن تعلّم كلغات فقط بمقررات أصيلة وفق مناهج وأساليب تدريس أصيلة تحمي الدارس من التشوهات الذهنية واللسانية حتى لا تصبح نظام تفكير وتعبير بديل عن العربية ويجب ألا يكون البدء في تدريس أي لغة اجنبية قبل نهاية المتوسطة الاعدادية. وبما أن انتاج المعرفة وتطبيقاتها في مختلف الحقول والتخصصات الفرعية يتم اليوم بدرجة أولى باللغة الإنجليزية فمن تحصيل الحاصل أن يكون ضمن المقرر العربي لكل علم من العلوم الطبيعية حزمة مصطلحات و معادلات ذلك العلم بالإنجليزية. إن التعلّل بصعوبة إنجاز مقررات تعليمية بالعربية في مختلف تخصصات العلوم الطبيعية والطبية والاقتصادية لكل المراحل هو تعلل واه وماكر وخبيث يحركه أعوان الاحتلال وأوتاد التخلف الحضاري لأمتنا. إن العربية بشهادة كل مختصي اللغات في العالم هي اللغة الأثري بعدد مفردات أصلية يفوق 12 مليون – دون احتساب الاشتقاقات- وتليها الانجليزية ب 600 الف مفردة أصلية فقط. والأدهى من الكل ان عرب اليوم لا يستعملون من مفردات لغتهم إلا العشر وحين لا يجدون مصطلحا ما أو مفردة ما عوض التعرف على احتياطي لغتهم تنصرف عقولهم إلى لغات محتليهم. إن لغة المحتل الفرنسي الذي خرب الهوية الحضارية للمغرب العربي و لا يزال لا تزيد مفرداتها الأصلية عن 145 ألف مفردة وبالكاد تجد فيها المفردة المناسبة لمعنى ما ولكنه الانهزام النفسي والحضاري للتبّع والمصلحة الخسيسة لمن اختاروا العمالة. الخلاصة؛ إن الإقلاع الحضاري والتقدم الفكري والمادي في كل تجارب أمم الإنسانية لم يكن ولن يكون إلا بنظام تفكير وتعبير أصيل وهذا ما حسمته سريعا بلدان مثل الصين وكوريا ثم تركيا وحتى كيان الاحتلال الصهيوني اللفيف المجموع بإرادة غربية من كل جهات الأرض.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M