د. الريسوني يكتب: مشكلة مزمنة في تنقيط المواد الدراسية.. متى ستعالج؟

25 يونيو 2019 22:10
منظمة التجديد الطلابي فرع تطوان تدين الهجوم المسلح للطلبة القاعديين على الندوة التي استضافت د. الريسوني

هوية بريس – د.أحمد الريسوني

أصبحت نتائج امتحانات الباكلوريا – وخاصة في دورتها الأولى – مناسبة سنوية لوسائل الإعلام وللرأي العام، للتعرف على أعلى المستويات والرتب والمعدلات المحصَّلة، ومقارنتها والتعليق عليها؛ سواء على الصعيد الوطني أو الجهوي، وسواء في التعليم العمومي أو التعليم الخصوصي..

والملاحظ أن أعلى المعدلات التي يتم الحصول عليها، عادة ما تكون في الشعب العلمية، وخاصة منها شعبتي الرياضيات والفيزياء، بينما الشعب الأدبية وشبه الأدبية لا حظَّ لها في هذا الامتياز.

وهذا يعطي انطباعا واستنتاجا خاطئا، مفاده أن أذكى الناس وأنجب التلاميذ والطلبة، هم أصحاب الرياضيات والفيزياء، وأصحاب الشعب والمواد العلمية بصفة عامة، وأن أصحاب التخصصات الأدبية هم طبقة دنيا في الذكاء والاجتهاد الدراسي، وأنهم لا قِـبَل لها بالتفوق وتحصيل المعدلات العليا.

أما السبب الحقيقي لهذا “التفوق الدائم” للتلاميذ العلميين، وخاصة في الرياضيات والفيزياء، فهو أن الأسئلة والتمارين، والعمليات والإجابات في هذه المواد، تكون مدققة محددة، ونقطها تكون محددة مفصلة محسوبة. ولذلك فالإجابات قد تستحق النقطة القصوى 20/20 مثلا. وقد تكون 00/20.

ولذلك ربما لو بحثنا عن الحاصلين على أدنى المعدلات لوجدناهم أيضا من أصحاب الرياضيات والفيزياء.

والمشكلة العريقة في النظام التعليمي المغربي، أخذا عن النظام الفرنسي، هي أن تنقيط المواد المسماة بالأدبية لا يكاد يتجاوز 14 و15و16 على 20. فهذه هي أعلى الدرجات التي ينالها المتفوقون النبغاء، في اللغويات والأدبيات، وفي الفلسفة والتاريخ والقانون والسياسة والاقتصاد، وفي سائر العلوم الإنسانية والاجتماعية.

لقد مارست التدريس لنحو ثلاثة عقود، في الثانوي وفي الجامعة، وكنت دائما أرفض هذا الحيف والشح في تنقيط المواد الأدبية ومواد العلوم الإسلامية والإنسانية، وكنت أقول للتلاميذ والطلبة، ولزملائي الأساتذة: إن التنقيط عندي يتراوح بين عشرين وصفر، تماما مثلما هو الشأن في الرياضيات.

وفي سنة 1987، كنت حديث عهد بالتدريس بكلية الآداب والعلوم اإنسانية بالرباط، فأحدثتُ مشكلتين غير مألوفتين في امتحانات الكلية:

المشكلة الأولى: هي إعطاء صفر لعدد من الإجابات يقارب العشرين إجابة، فذهب أصحابها يشتكون ويحتجّون لدى نائب العميد. فنبهني بلطف إلى أن هذا التشدد من شأنه أن يجلب مشاكل ومتاعب نحن جميعا في غنى عنها…

المشكلة الثانية: هي أنني أعطيت لبعض الطلبة الممتازين نقط 17و18و19 على20، فاعترض عليَّ رئيس الشعبة، وقال لي: هذه النقط لا مكان لها في كلية الآداب، فحاججته ورفضت تغيير النقط. فرفع الأمر إلى نائب العميد، فاستدعاني وناقشني .. وأخبرني أن عُرف الكلية هو أن أعلى نقطة هي15، فقلت له: أنا وجدت إجابات جيدة فأعطيتها 15، ثم وجدت ما هو أجود وأعلى، ثم وجدت ما هو أفضل وأرقى، فماذا أفعل؟ فأمسك بورقة صاحب 19 (وهو الآن نائب مدير دار الحديث الحسنية) وقال لي: هل هذا هو الشاطبي عندنا في الكلية؟ فقلت له: الشاطبي كتب ما كتب وهو في الستين من عمره، وهذا شاب في العشرين من عمره…

ولكني أفحمته (وهو رجل قانوني في سلوكه) حينما قلت له: إنني ملتزم بالقانون، والقانون حدد التنقيط فيما بين عشرين وصفر، وليس بين خمسة عشر وصفر.

لا شك أن هذا التمييز اللاقانوني في تنقيط بعض المواد الدراسية وتقدير استحقاقات التلاميذ والطلبة يشكل ظلما بينا، وخللا تربويا فادحا، يجب على أهل التربية والتعليم تصحيحه.

وللأسف فإن بعض أهل التربية والتعليم، وكذلك بعض الآباء، بدل رفع الحيف واللامساواة في التنقيط، يعمقون هذا الخلل عند توجيه التلاميذ، فيوجهون أفضلهم – طوعا أو كرها – إلى الشعب العلمية، وما بقي للشعب الأدبية.

والحقيقة أن حاجة المواد والتخصصات الأدبية والفكرية والفنية والإدارية إلى الأذكياء والمبدعين، هي أشد من حاجة الفيزياء والطب والرياضيات والميكانيك.

وتحضرني هنا نكتة لطيفة ذات صلة؛

وهي أن أحد كبار رجال الأعمال، كان ذا مستوى تعليمي متواضع، ولكنه مع ذلك كان دائم النجاح والارتقاء. وكان يشتغل عنده أحد المهندسين المقتديرن. فقال المهندس لرب العمل يوما: أنت يا سيدي ورئيسي تحقق هذه النجاحات في مشاريعك رغم أنك لم تكمل مسارك الدراسي، فكيف ستكون لو تعلمت أكثر وترقيت في دراساتك وشهاداتك؟ قال رب العمل: لو فعلت ذلك لربما أصبحت مهندسا مثلك، أشتغل عند رجل أعمال مثلي!

آخر اﻷخبار
5 تعليقات
  1. المشكل، سيدي ، هو أن ما يسمى بالشعب الأدبية ما هي إلا فرصة ثانية للتلميذ المتقاعس( لا يستحقها غالبا) ، أفرزها له التخصص :
    سأشرح:
    خلال السنين التسعة الأولى من التعليم، تتم عملية انتقاء : التلاميذ النجباء ، و تجدهم ذوي مستوى عال في الرياضيات و العلوم بشكل عام، و حتى اللغات، و بالطبع يختارون الشعب العلمية، و معروف عن هؤلاء التلاميذ كثرة ساعات العمل منذ الصغر ( لا أقول الذكاء) ، الذي سيجعل منهم أشخاص جديين ( و أكثر تدينا مستقبلا !)

    و تلاميذ، دون مستوى الأوائل، حتى في اللغات ، و هم اللذين سيُوجهون إلى الشعب الأدبية ( و هذا في كل أنحاء العالم)،
    و معروف عنهم إهدار الوقت، و اللا جد إلا من رحم ربي، و التناقض الكبير يأتي حتى من مدرسيهم للآداب، اللذين يشتكون من مستواهم و من أخلاقهم.

    في نظركم ، لو أن تلامذة شعب العلوم الرياضية ، اختاروا شعبا أدبية لإكمال دراستهم العليا ، فهل ستجد تلميذا من الشعب الأدبية في رتبة أستاذ جامعي للإنجليزية أو محام …مثلا؟
    إن الفراغ الذي يتركه تلامذة شعب العلوم الرياضية، هو الذي أفرز هذه التركيبة الغير السليمة.
    أما عن مثال المهندس و رجل الأعمال، فهو مثال سيئ. لو درستم العلوم لقمتم بالنظر لعينة من التلاميذ اللذين أصبحوا مهندسين و كيف يدبرون حياتهم ( بشكل متوسط) و عينة من التلاميذ اللذين أصبحوا رجال أعمال و كيف خسروا مقاولاتهم عموما.
    أما عن النقطة لمستويات الآداب ، و لو تكون الأقصى في السلم ، فهي فارغة من المحتوى النفعي الدنيوي و عمارة الأرض !
    فتلميذ البكالوريا من شعبة العلوم الرياضية قادر أن يكون مهندسا و طبيبا و مدرسا للأداب و محاميا و …
    و أعتقد أن دفاعكم عن هذه النقطة، ما هو إلا مركب نقص و لا نشعر به ، لهول ما يفرضه إيقاع الحياة من إعطاء الشعب العلمية مكانة عالية تسحق ” الشعب الأدبية”. أي أننا نريد أن نصرخ ” أنا عندي معدل عال في الآداب إذن أنا موجود “.
    كوني مدرس رياضيات لمدة 31 سنة في الثانوي،أعرف جيدا مستوى تلامذة الشعب الأدبية لا أقول في الرياضيات بل الآداب. حتى أني أقول لو أن ابني يتِمُّ توجيهه إلى شعبة الآداب ، لَفَصلتُه عن الدراسة ، ليُتم حفظ القرآن في المسجد أولا ( فهو يحفظ سورة البقرة حاليا و عمره 10 سنين) ثم أسجله في دروس إعلاميات و إنجليزية و ميكانيكا السيارات .
    عوض أن يدرس شعر الجاهلية، و لغة فرنسية لا قيمة لها عالميا، و فلسفة كانط …
    أصلا الشعب الأدبية أُحدِثت ( من طرف ممتهني الآداب) لخلق التوازن الجبري في المجتمعات من أجل السلم الاجتماعي، و لتحقيق ذاتهم أنهم موجودون، ( لهذا وحدّوا الأجور في الوظائف العمومية لأنهم الأكثر تمثيلا في البرلمانات العالمية ) ، حتى يمكنني القول أن معظم الكوارث اليوم على هذه الأرض هي من نتيجة سياسات هؤلاء الحكام من أصول شعب أدبية : حروب ، تفقير الشعوب، إحتباس حراري …
    أعتقد أن الأمر كان سيكون أقل حدّة لو أن الحكام كانو من أصول شعب علمية.
    مع كل احترامي للشيخ.

    2
    2
    1. يبدو أن نقاشك ماهو الا ضحية الإيمان بهذا التقسيم المفروض علينا بين ماهو أدبي وما هو علمي والواقع أن العلوم تتكامل ويخدم بعضها البعض ان الإنسان في حاجة إلى علم الاخلاق لتضبط له سلوكاته وبحوثه ومعارفه واختراعاته … البيت العلوم البحتة هي سبب الدمار الذي تعيشه البشرية اليوم حدثني عن مخاطر الآداب ان وجدتها ان الإنسان كائن مركب حاجاته متنوعة تستجيب له كل هذه العلوم كم صادفنا من العباقرة في الرياضيات والطب والفيزياء ولأنهم حرموا دراسة مواد أدبية فقد وجدنا فيهم بلادة اجتماعية وأخلاقية منقطعة النظير ان هذا التضخيم من قيمة المواد العلمية بالرغم من أهميتها يصنع منا إنسانا أقرب منه إلى الآلات والربوتات من إلى الكائنات العاقلة خلاصة تكررها العلوم تتكامل اما التقسيم فهو على مستوى المنهج لا القيمة

  2. السلام عليكم .انا مدرس لمادة الرياضيات واقول فعلا التلاميذ النجباء في المواد العلمية وبالمناسبة هم نحباء حتى في المواد الادبية اما الشعب الادبية فلا يتوجه اليها الا من هم دون الفئة الاولى .ولكن للاسف نجد من هذه الفئة الثانية من يتقلد المناصب والمسؤوليات في الظولة التي تقرر وتتحكم في الفئة الاولى والله المستعان

  3. هل الرياضياتُ هي مقياسُ الذكاء؟

    شاعَ عند الناس أنّ الرياضيات هي مقياس الذكاء، وهذه إشاعةٌٌ خاطئة وقد تؤثر سلباً على الشخص؛ وتُولِّدُ فيه عقدة النّقص والشعور بضُعف الذكاء وقِلّة الحيلة!

    إنّ عدمَ التفوق في مادة الرياضيات لا يعني نقص في الذكاء؛ لأن الضعف في هذه المادة قد يكون بسبب ناتج عن الأستاذ الذي لم ينجح في مهمته، أو بسبب التلميذ نفسه الذي كان يهمل هذه المادة، أو لأسباب أخرى معلومة لدى علماء النفس.

    ومعلومٌ أنّ الرياضياتِ ليست هي مقياس الذكاء عند علماء النفس، بل يستعملون مقاييس خاصة لاختبار الذكاء: مقياس وكسلر، مقياس بينيه…

    ثم إنّ التفوق في الرياضيات لا يعني التفوق في جميع الميادين؛ فكم من متفوق في الرياضيات لا يفهم شيئا في قواعد اللغة، ولا يجيد فن التعامل مع الناس أو حَلَّ مشاكله حتّى!

    إنّ علمَ الرياضيات مثلُ لعبة الشطرنج؛ تحتاج إلى فهم القواعد أوّلاً، ثم حفظها ثانيا، والتدرب على تطبيقها ثالثا. فهل سنحكم على كلِ من لا يُجيد لعبة الشطرنج -لعدم الاهتمام بها- بالغباء ؟

    هناك نظرية تسمّى نظرية الذكاءات المتعددة (بالإنكليزية: Multiple Intelligence) وهي نظريةٌ وضعها عالم النفسهاورد غاردنر عام 1983 وتقول بوجود العديد منالذكاءت وليس على قدرتين فقط هما التواصل اللغوي والتفكير المنطقي واللتين اعتبرتا تقليديا مؤشري الذكاء الوحيدين والمعتمدتان في اختبارات الذكاء (IQ).

    ففي عام 1990، أشار غاردنر إلى خمس قدرات إضافية وهي، بالإضافة للتواصل اللغوي والتفكير المنطقي، الذكاء البصري/المكاني، الذكاء الموسيقي/النغمي، الذكاء الجسمي/العضلي، ذكاء المعرفة الذاتية/معرفة النفس، ذكاء معرفة الاخرين، ولاحقا، اعترف غاردنر بإمكانية وجود ذكاءات أخرى على العلم اكتشافها. وحتى عام 2016، أضاف غاردنر ذكاءين على النظرية وهما: ذكاء عالم الطبيعة وذكاءالتعليم.

    وكان قد ذكر عن إمكانية اعتبار المعرفة الوجودية كذكاء منفصل، إلا أنه لم يبت بالأمر بشكل حاسم.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M