د. الودغيري يرد على القائلين “إن معارضة فرْنَسة التعليم دعوةٌ لإحداث أزمة سياسية مع فرنسا الداعمة للمغرب في قضية الصحراء”

16 أغسطس 2019 17:22
د. الودغيري يكتب عن قانون "فرنسة التعليم": كيف يجري النهر بعد تجفيف منابعه؟

هوية بريس – عبد الله المصمودي

تحت عنوان “لا لمنطق الابتزاز والمساومة”، كتب د. عبد العلي الودغيري منشورا مطولا يرد فيه على من وصفهم بـ”مَمْسوخي الهوية من كل صنف ولون، والواقفين في جبهة خصوم لغة الأمة من المَحميّين الجدد والفارغين من كل وعي سياسي وثقافي، والفاقدين لكل حسّ وطني”، والقائلين “إن معارضة فرْنَسة التعليم دعوةٌ لإحداث أزمة سياسية مع فرنسا الداعمة للمغرب في قضية الصحراء”.

حيث نشر الأستاذ الجامعي وعالم اللسانيات في حسابه على فيسبوك، هذا المنشور المطول:

“أقول لكل من يريد الاصطياد في الماء العَكِر من مَمْسوخي الهوية من كل صنف ولون، والواقفين في جبهة خصوم لغة الأمة من المَحميّين الجدد والفارغين من كل وعي سياسي وثقافي، والفاقدين لكل حسّ وطني، الذين قال قائلُهم: إن معارضة فرْنَسة التعليم دعوةٌ لإحداث أزمة سياسية مع فرنسا الداعمة للمغرب في قضية الصحراء:
إذا كانت فرنسا تدعم موقف المغرب في قضية من القضايا مقابل التنازل لها عن لغته وأحدِ أركان هويته الوطنية، والسماح لها ببسط كاملِ هيمنتها الثقافية واللغوية والاقتصادية والسياسية، فأنا شخصيّا مع كل الوطنيّين الأحرار الذين برفضون منطق الابتزاز في العلاقات الدولية. لا يمكن لأي وطني غيور أن يقبل منطق: (تنازلْ عن لغتك وهويتك وانسلِخ عن جِلدك وشخصيتك وكَينونتك، حتى أقف بجانبك في قضيتك) مهما عظم شأنُ تلك القضية التي تقع المساوَمة عليها.
ومن جهة أخرى. من قال إن فرنسا لا تمارس ضغوطَها على المغرب منذ فجر (الاستقلال) وأن هذه الضغوط الاقتصادية والسياسية هي سبب بقاء هيمنة الفرنسية لغةً وثقافة طيلة المدة السابقة، والسبب الحقيقي في عرقلة التعريب وإفشاله، والسبب في كون المعاملات الاقتصادية والتجارية كلها تصبّ في صالح فرنسا بالدرجة الأولى قبل غيرها من الشركاء الأجانب الآخرين؟ ولكن اذا كانت هذه الضغوط قد وصلت هذه المرة إلى حد فرض التراجع عن حصيلة أربعين سنة من تجربة تدريس العلوم بالعربية، وتدمير مستقبل لغتنا، فمعنى ذلك أن الأمور تجاوزت الخطوط الحمراء التي لا يمكن السكوتُ عليها بعد اليوم.
ثم أيضاً: من قال إن فرنسا لا تمارس نفس الضغوط بنفس المنطق على شقيقتنا الجزائر مقابل موقفها من الصحراء أيضًا، وعلى دول أخرى في مقابل مواقفها من كثير من قضاياها السياسية والثقافية والاقتصادية؟ إنها بلا شك حالةُ استغلال لتفكّك الصف العربي والإسلامي، وفشلِ قيام وحدة المغرب الكبير، للانفراد بكل واحد منا على حدة، ومساومته على مبادئه وثرواته ولغته وثقافته وأغلى ما عنده؟ هذا هو منطق الاستعمار القديم والحديث المعروف بفرق تسد. وهذا المنطق تستعمله السياسات الميكيافيلية للتفريق حتى بين مكوّنات الشعب الواحد والقبيلة الواحدة.
منطق الضغوط والمساومات في السياسة الدولية معروف ومعمول به دائما، لكن لكل شيء حدود. والتنازل أيضا له حدود مهما بلغت الضغوط والمساومات. وإذا كانت لفرنسا مصلحة كبرى في نشر لغتها، فالمغرب أيضا له مصلحة كبرى في الحفاظ على استقلاله اللغوي والثقافي الذي هو التعبير الحقيقي عن امتلاكه لسيادته الكاملة غير المنقوصة، وله الحق الكامل في تنمية لغته وتطويرها والمحافظة عليها حسب منطوق الدستور ومفهومه. والتنازل عن هذا الحق تفريط في المسؤولية الكبرى الملقاة على من بيدهم أمرُ حماية الدستور والالتزام بتطبيقه وعلى كل مواطن حر. لأن كل مواطن له قدر من المسؤولية (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
وقد كنا دائمًا نطالب دولتنا المغربية بأن تقيم سياستها في الخارجية والتعاون الدولي على مبدإ التوازن في العلاقات، وفي القضايا الاقتصادية على مبدإ تنويع الشراكات في الصادرات والواردات والاستثمارات، حتى لا نكون عبيدًا لأحد، ولا مضطرين في وقت من الأوقات أن نرهن أنفسَنا عند من يريد أن يستبيح بلادنا ويقضي على لغتنا وهويتنا، ويحوّلنا إلى قطيع من الخِرفان التي ضلّت طريقَها، ومجرد سوق واسعة لترويج بضاعته واستهلاك منتوجاته.
لقد دأبَت فرنسا منذ زمن طويل على أن تجعل من نشر لغتها وثقافتها في أنحاء العالم حجرَ الزاوية في سياستها الخارجية والاقتصادية، لأن كل استثماراتها في الخارج قائمة على هذا الرأسمال الرمزي الذي هو أغلى شيء لديها. وهذا دليل على أننا نحن العرب والمسلمين أكبر المغفَّلين، وأكبر الخاسرين والفاشلين الذين لا يعرفون كيف يستثمرون في اللغة الجامعة لهم باعتبارها مصدرًا قويّا من مصادر ثروتهم التي لا يُعطونها أدنى قيمة، وهم أمة واحدة قوامها حوالي ربع سكان العالم. ليست هناك دولة في العالَم تعرف كيف تستثمر في لغتها، وكيف تحول لغتَها إلى عملة قابلة لتصريفها إلى سلع وبضائع ومواقف سياسية في سوق الاقتصاد والسياسة والثقافة وكل المجالات مثلما تفعل فرنسا. ولذلك أعلن الرئيس ماكرون في العام الماضي عن خطة كبيرة لجعل الفرنسية اللغةَ العالمية الثالثة مقابل الموقع المتأخر الذي توجد فيه حاليًا.
ومسألة أخرى: من قال إن هذه الحجة الواهية التي أطلقها أذنابُ حزب الاستعمار الثقافي والغزو اللغوي، إنما هي مجرد بالون لاختبار عزائم الناس ومواقفهم وبثَّ البلبلة في أوساطهم وإقناع المتذبذبين الباحثين عن أوهى الأسباب لإخفاء وجوههم والتخلي عن الصف الوطني الذي يجعل مصلحة الأمة والوطن فوق كل اعتبار، وفوق كل مساومة أو تنازل أو أخذ ورد؟
وما أختم به، هو أننا لسنا ضد فرنسا باعتبارها دولة لها علاقات وطيدة وتاريخية ومتنوعة مع المغرب، ولا يمكن أن ننازعها حقها أو نلومها عندما تتخذ أية سياسة للدفاع عن مصالحها، ولسنا أيضا ضد اللغة الفرنسية التي تعلمناها وتعلّمها أبناؤنا، ونجد فيها ما نجده في كل اللغات الأخرى من فوائد لنا ولبلدنا على المستوى الثقافي. لكن لكل دولة مستقلة مصالحها، ولنا أيضأ مصالحانا ومطامحُنا الخاصة التي لا تقبل المزايدة أو الابتزاز، وعلى الدول الأخرى كافة أن تحترمها وألا تتجاوزها. وكلامنا موجَّه لمن يجتهد في خرق الصف المعارض للسياسة اللغوية والتعليمية التي اختارتها الحكومة المغربية وفرَضَتها بطريقة تعسُّفية ملتوية وأساليب غير نزيهة وغير معبِّرة عن مشاعر أغلبية المغاربة ورغباتهم، وخرقًا لفصل أساسي من فصول الدستور. ومن أبسط العواقب السيئة لهذه السياسة التي أقرّتها هذه الحكومة اللاشعبية، الإضرار بلغتنا والتضييق عليها والحيلولة دون تنميتها وتطويرها ونشرها على أوسع نطاق. ومنع المغاربة من حقهم الدستوري في استعمالها في تلقين أبنائهم وأحفادهم كل أنواع العلوم والمعارف”.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. تحية وتقدير للأستاذ.. فعلا ردا شافيا كافيا ..
    هذا الأستاذ وأمثاله هم المثقفون.. هم ضمير الوطن والأمة..

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M