د.بنكيران: رسالة إلى طلبة العلم الملتفين حول الشيخ مولود السريري

11 أبريل 2023 15:17

هوية بريس – د. رشيد بنكيران

بداية، مقيد هذه السطور العبد الفقير إلى سيده ومولاه سبحانه وتعالى ممن يعرف الشيخ مولود السريري معرفة شخصية ، فقد سبق لي أن التقيت به مرتين أو ثلاث، إحداها استضفته في بيتي، فضلا عن مكالمات هاتفية جرت بيننا، وأشهد الله أني أحترمه وأقدره وأعرف مكانته في العلم، بل وأحبه في الله وأدعو له بظهر الغيب.

فيا طلبة الشيخ الكرام ممن يلتفون حول موائده العلمية: إن كنتم صدقا تحبون هذا الشيخ أو الفقيه، وترون أن له حقا عليكم فتحترمونه وتوقرونه، وتغضبون عند مساس عرضه بسوء أو عندما يستهزأ بمكانته العلمية، وتحبون له الخير والرفعة في الدنيا والآخرة… فلا تدخلوه في معارككم الفقهية مع من خالفكم الرأي فيها، وتنقلون له عنهم كلاما غير دقيق أو غير مطابق للواقع، أو تضخمون له صور النزاع التي بينكم وبين المخالفين لكم، وتغلفونها بمعاني مقيتة، وتطلقون على من خالفكم أسماء وأوصاف منتنة، تستجلبون بذلك نصرة الفقيه لما ترونه حقا.

اعلموا يا طلبة الشيخ الكرام أن المعارك العلمية كالمعارك الميدانية القتالية، ليست على وزان واحد؛ فالمعارك الكبيرة المصيرية منهما تحتاج إلى سلاح ثقيل، بخلاف المعارك الصغيرة فتحتاج إلى سلاح خفيف يناسبها، فأنتم إن ضخمتم الصورة في نظر الشيخ أو الفقيه، وصورتم له أن المعركة كبيرة مع المخالفين لكم وهي ليست كذلك، فبدهي أن يستعمل الشيخ سلاحا ثقيلا؛ الذي هو عبارة عن مصطلحات ثقيلة شديدة لا توظف إلا في المعارك العلمية الكبيرة أو في الخلاف الذي يوصف أحد أطرافه بالحق ومقابله بالباطل -قد يعذر الشيخ أو قد لا يعذر في وقوعه في هذا الخطأ- لكنكم أنتم أولا المسؤولون عن هذا الواقع المر؛ لأنكم أوقعتموه في شراك هذه المعارك الكبيرة الوهمية، وهي في حقيقتها معارك صغيرة لا تحتاج إلا إلى سلاح خفيف أي إلى مصطلحات خفيفة جدا، تشعر المخالف بالرحمة والاحترام والتقدير ممن يحاوره وإن كان يخالفه الرأي. ولتعتبروا -رعاكم الله- بمسألة الصائم الذي أكل أو شرب ناسيا، فهل السلاح الذي استعمل فيها يناسبها!؟ أناشدكم الله أن تقولوا الحق وتكونوا منصفين.

اعلموا يا طلبة الشيخ الكرام أن من آفات بعض رواة الحديث النبوي التلقين، فإن ثبت أن راويا ما يقبل التلقين سقطت مكانته، والتلقين كما ذكر أهل العلم ومنهم ابن حزم هو: “أن يقول القائل: حدثك فلان بكذا، ويسمي له ما شاء من غير أن يسمعه منه، فيقول: نعم” أي أن يُعرض على الراوي حديث الذي ليس من مروياته، ويقال له: إنه من روايتك، فيقبله ولا يميزه، وذلك بسبب غفلة وقعت له، أو اختلاط أصابه، فلا يقبل حديثه. فإذا كان التلقين من أسباب تجريح المحدث فتسقط بسببه جميع مروياته أو ما عرف أنه قد قبل التلقين فيها، فإن في زماننا اليوم نلاحظ نوعا جديدا من التلقين أصاب بعض الفقهاء للأسف، وهو انقيادهم من طرف طلبتهم المقربين إليهم (الخواص)، وذلك بإدخال شيوخهم في صراعات فروعية في الفقه أو في مسائل العلم عموما وقعت بين طلبة الفقيه المنقاد وبين من يخالفهم الرأي، لكنها ضخمت للفقيه وصورت له بشكل أفقدته استحضار الميزان الشرعي المطلوب في مسأئل الخلاف.

وكم من صراعات مقيتة عايشناها بين بعض كبار العلماء المعاصرين سببها الطلبة الخواص الملقنين، والأمثلة في الباب كثيرة والله المستعان. وإني أرى أن الفقيه السريري لا يبعد أن يقع في هذا الفخ، بل أمارته واضحة في بعض الأمثلة التي أفرزت مناخا غير علمي.

ولهذا فإني أناشدكم الله يا طلبة الشيخ الكرام في شيخكم، لا توقعوه في مزلة التلقين ولا تدخلوه في صراعات بعضكم التي لا خير فيها سوى إذكاء نعرة الفرقة بين المسلمين وإشعال نار التعصب المقيت.

أما كان يجدر بكم أيها الطلبة الخواص أن تتفطنوا أن الاشتغال بالرد على المخالف في مسألة فقهية فرعية هي من الخلاف المعتبر بالاسلوب الذي تناوله الشيخ لا يناسب هذا الشهر المبارك، بل لا يناسب واجب الوقت وهو التفرغ للمعارك الحقيقية التي يخوضها المسلمون في المغرب مع من يسعون إلى تحريف شرع الله في مدونة الأسرة وفي غيرها مما تبقى من أحكام الشريعة…

وختاما أقول: إن غرض مقيد هذه الرسالة هو النصيحة الصادقة له ولكم ولغيركم، ليس اتهاما لجميعكم أو طعنا في نواياكم، بل قد يكون قصد بعضكم حسنا، لكن لا يكفي القصد الصالح إذا كانت الوسيلة إليه فاسدة أو غير مناسبة.

وأخيرا أختم ما يسر الله كتابته -وأنا بقرب المسجد النبوي الشريف أنتظر صلاة الظهر في يوم الثلاثاء 20 من شهر رمضان- بقول الله عز وجل على لسان شعيب عليه السلام:
((إِنۡ أُرِیدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِیقِیۤ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ)).

اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا

اللهم وفقنا لإحياء العشر الاواخر من هذا الشهر المبارك

اللهم تقبل أعمالنا وأنت راض عنا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M