د. عادل رفوش يكتب: مغرب العطاء.. (راتب مدرب.. ودراجة الأوقاف..)

23 فبراير 2016 19:49
د. عادل رفوش يكتب: مغرب العطاء.. (راتب مدرب.. ودراجة الأوقاف..)

هوية بريس – د. عادل رفوش

الثلاثاء 23 فبراير 2016

لقد أولى القرآن الكريم “الجهاد المالي” عنايةً بالغةً؛ فوضع الأسس الإسلامية للفرد وللمجتمع وللدولة؛ فالمال من حيث هو مدد إلهي أنعم الله على الخليقَة الخَليفَة به؛ لتحقق النماء والتكافل وتوفر أسباب الكرامة والقوة؛ وجعل له قواعد ترسي في النفس البشرية حسن التعامل معه وحسن التصرف فيه:

– فيؤكد القرآن القاعدة الأولى:

أن المال مالُ الله؛ إذ يقول سبحانه: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}.

فحتى لا يبغي بعض على بعض كما فعل قارون إذ قال: {إنما أوتيته على علم عندي} يمكننا الله من المال ومن تملكه ومن التصرف فيه ثم هو ينبهنا على وجوب نسبته للمالك الحق سبحانه وأن لو يشاء لسلبنا إياه فلا اشتراكية باغية ولا رأسمالية طاغية؛ حتى ترعوي النفس عن حب التسلط إلى حسن التبسط.. فالمال مال الله هي أولى أسس المالية الإسلامية…

– والقاعدة الثانية: هي الحب الفطري الذي أودعه فينا سبحانه تجاه المال والغنى ليكون وازعاً طبعيا لطلبه واختراع أسباب نمائه؛ وللحرص عليه بحيث لا يضيع ولا يُضَيَّع؛ فالشهوات من حيث هي مرقاة للعمران وللدرجات نعمة وأي نعمة؛ لأنه لولا تلك اللذة الكامنة في تلك المحاب لما حرص عليها أحد ولانقرضت الدنيا كما هي اللذة الغريزية في حب المناكح لتحقيق التناسل بحفظ الجنس البشري؛ غير أن القرآن يهذب هذا الحرص الفطري الذي أقره بقوله سبحانه: “وإنه لحب الخير لشديد” و﴿زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب﴾.

فقيدهُ بقوله تعالى: “كلا إن الانسان ليطغى أن رَآه استغنى”.

ولتحقيق التوازن بين الداعي وبين الناهي؛ يعرض لنا نماذج من طغيان السلطة والمال كفرعون وقارون وأصحاب البستان… ونماذج من طاعة الأثرياء كسليمان وذي القرنين وأبي بكر الصديق..

– والقاعدة الثالثة الكبرى: هي قوله: ﴿ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا﴾.

فالمال قِيمةُ الحياة وبه قيامها السليم وقوامها الحسن.. ولا تعطوا -أيها الأولياء- الأموال للذين لا يحسنون التصرف، فهذه الأموال جعلها الله سببًا تقوم به مصالح العباد وأمور معاشهم، وهؤلاء ليسوا أهلاً للقيام على الأموال وحفظها، وأنفقوا عليهم واكسوهم منها، وقولوا لهم قولاً طيبًا، وعِدُوهم مَوعِدَةً حسنة بأن تعطوهم مالهم إذا بلغوا الرشد وحُسْنَ التصرف…

هكذا يرسم لنا ربنا جل وعلا في نعمة المال الذي هو عديل النفس والروح والذي هو من أعظم تجليات التقوى والإيمان عطاء في سبيل الله وإنفاقاً في ابتغاء مرضاته…

فهذا غيض من فيض البيان القرآني حول “نعمة المال وعبادة العطاء” عرضتها بإيجاز لنستبصر أخي القارئ الكريم في تصرفاتنا المالية وهل نحن بالمحل الذي وصف رسول الله إذ قال: {نعم المال الصالح للرجل الصالح}، أم نحن بالمحل الأسوإ كالذي قال فيه ربنا: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم}.

إننا أمام صورتين تجعل الحليم حيران في مجتمع صار فيه من التناقضات المريبة بقدر ما فيه من المسرّات الحبيبة؛

1- الصورة الأولى: مدرب المنتخب المغربي: الفرنسي رونار سيشرف على المنتخب براتب شهري قدره 600 ألف درهما، وفي حالة ضمانه التأهل لنهائيات كأس العالم سيتم رفعه إلى 800 ألف درهما أي حوالي 3 مليون سنتيم يوميا عدا الامتيازات الفارهة… فبغض النظر عن السياق الدولي الذي يفرضه اللوبي العالمي للفيفا على ”الكرة الأرضية” بفرض “الكرة القدمية” ونشر “الفلسفة الرياضية” وما يتبع ذلك من تحطيم للأفكار وللولاءات وللانتماءات؛ وبغض النظر عما يجده قراصنة الشعوب في هذه الرياضات من مزيد إلهاء وتخدير للوعي العام وملجأً آمناً لهم تُجاهَ يقظتها لما هو أنفع وأصلح؛ فإن المغرب صار مُنهكاً بالقرارات المالية التي تحير الناظر هل يعده في الدول الثرية لما يراه من سخاء يغدق على الفنون وعلى مهرجانات العفون وعلى سفهاء الغناء الهابط وعلى سينما الدعارة وعلى إشهارات بالملايين للداودية وللشاب خالد وملايير على الأحزاب العقيمة والنواب النائمين…

أم يعده في صور دول إفريقيا الجائعة وهو يخوض معارك في المعاشات وفي منح المتدربين وفي إغاثة قرى المنكوبين.. وفي صورة على النقيض من صورة السخاء مع المدرب الفرنسي..

2- نرى صورة كالحةً لعطاء سخيف مع جنود الأمن الروحي والمدربين في الإرشاد الديني من الخطباء والواعظين الذين تحتاج المملكة إلى توعيتهم في كل زلزال ديني داخل المغرب وخارجه لتثبيت أركانها وتثبيت المؤمنين حولها ودرء خطر الإرهاب والتطرف عنها…

فقد ذكرت يومية “أخبار اليوم” في عددها ليومه الإثنين الفائت؛ أن كلا من عبد الرحمان بن علي، عامل إقليم شتوكة أيت بها ومندوب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والدكتور الحسن رغيبي، رئيس المجلس العلمي المحلي، ومحمد مطيع رئيس المجلس الإقليمي لشتوكة أيت بها، على توزيع 27 دراجة نارية صينية الصنع على الأئمة المرشدين الذين يشتغلون بالإقليم في مجال الوعظ والإرشاد والتوجيه الديني.

ونقلت الجريدة “تصريحا لمندوب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالإقليم لوسائل الإعلام، أشار فيه أن العملية تدخل في إطار اهتمام الملك محمد السادس ووزارة الأوقاف بهذه الفئة، وفي إطار الخطة الوطنية لتحسين ظروف عمل المرشدين، حيث وفرت الوزارة 20 دراجة نارية، في حين تكفل المجلس العلمي المحلي لإقليم شتوكة أيت بها بتوفير 7 دراجات أدى ثمنها محسنون”..

فهل يعقل أيها “المغرب الكريم” أن يكون جزاء أهل العلم وحملة القرآن ودعاة التوعية بهذه الدرجة من التفاهة؛ بحيث ينفق عليهم بالمناقيش ويكرمون بالحناتيش كما لو أنهم حرافيش خفافيش؛

في العطاء يحرمون وفي العقاب يهانون؛ فالجود معهم يأتي في أفواه النمل على ظهور السلاحيف؛ أَبْخلَ مِنْ مادِرٍ وأبي حُباحِب؛ بل أعز من الأبلق العقوق ومن بَيضِ الأنوق فلا نُوقَ ولا عَنوق؛ وفي المحاسبة تأتي الزواجر مزمجراتٍ بسرعة الضوء بالنقير وبالقطمير… حتى صار لسان حالهم من الأماني يقول بقول الشاعر:

يا ليتنا عند شَدَّادٍ فَيُنْجِزَنا***ويُذْهِبَ الفقرَ عَنَّا سَيْبُهُ الغَدَقُ

أيها المغرب الكريم:

حملةٌ يزج باسم “جلالة الملك” فيها ويشرف عليها ”عِلية القوم” وينفق فيها “المحسنون”؛ فإذا فتحنا الظرف وجدناه أَفْرَغَ مِنْ فؤادِ أمِّ موسى؛ وكما في المثل المغربي “المندبة كبيرة والميت فار”؛

فلماذا نجد هذه الشريحة -من الأئمة والخطباء- وهي التي نفزع لدعائها عند الشدائد ونجند منابرها عند العوادي والعوائد؛ هي أضعف الشرائح حرمةً وأحقرها منزلةً وأبعدها اعتباراً وآخرها اهتماماً؛ لا نقابة ترعاهم ولا جمعيات تنظمهم ولا رؤوس تتكلم دفاعاً عن رفيع مقامهم ووجوب تشريفهم كما في حديث رسول الله بأن إجلال حامل القرآن غير الجافي عنه ولا الغالي فيه من إجلال الله تعالى وأنه من أعلى درجات التعبد في حقوق العباد؛ بل حقهم آكد من حقوق الوالدين ومن حقوق ولاة الأمور؛ لأن أهل العلم والدعوة والقرآن هم آباء الأرواح وهم ولاة أمر الشرع الذي هو أساس أمر الحكم…

أفيليق بِنَا في “مغرب الكرم” وباسم جلالة الملك الرجل المعطاء الكريم؛ أننا نقابلهم بمزيد تضييق ونرسخ في المجتمع أن “الطالب” و”الفقيه” ما هو إلا تابع قانع!! يحضر المآتم ويبارك الولائم؛ وأن منتهى أحلامه “قَصَعات الكساكيس” في كل جمعة ولا رأي له لا في دنيا ولا في دين… فإذا اجتهدنا أعطيناه “دراجة نارية c90” أملها في أن توصله إلى المقبرة بحادثة أليمة أكثر من أن توصله لإلقاء درسه!!!

ومع ذلك لا نتورع عن استغلال براءة بعضهم ودماثتهم؛ لنتبجح بهذا العطاء السخيف عطاء الإكداء كما سماه ربنا في حق من تولى وأعطى قليلاً وأكدى.. ثم “نقطر به الشمع عليهم” كما يقول المثل المغربي…

– إن البعد العلماني في مثل هذه المواقف المتناقضة بين اهتمام بالغوغاء السفهاء وإهمال للأخيار والنبهاء؛ مَكْرٌ ظَاهِرٌ يراد منه تزهيد الناس في أبواب المعالي من قرآن وعلم ومعرفة وتدين؛ وتزيين أبواب الانحطاط في نفوس النشء ليتنافسوا على برامج تلفزيون الواقع وستار أكاديمي ونحوه من صُنَّاع وَهَم النجوم طيلة العام وتخصيص القرآن بشهر رمضان مزاحَماً بالمسلسلات والكوميديا والسهرات؛ وجعل الرفعة المستقبلية مرهونة بالقدم لا بالقلم؛ وبالشطيح والرديح لا بالعقل النصيح والعلم الصحيح واللسان الفصيح؛ ومن نظر في الإحصائيات في مختلف المجالات ستخيفه نتائج شبابنا وإلى أين تقودهم هذه التوجهات الماكرة التي تكرم الانحطاط وتهين العلو والانضباط…

ما هكذا يا “مغرب الكرام” يحفظ مالُ الله..

ولا هكذا يتصرف فيه جوداً وإحساناً..

ولا هكذا تنميته استثماراً وعِرفاناً..

وصدق الله إذ يقول: {إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى}.

آخر اﻷخبار
3 تعليقات
  1. السلام عليكم،

    راتبه اليومي يكفي لمعيشة 100 الف شخص يوميا ناهيك عن الإضافات الأخرى …

    السلام عليكم

  2. لا فض فوك يا عادل يا رفوش وكثر الله تعالى من أمثالك، ونسأل الله جل جلاله ان يهدي الضالين إلى الصواب، وأن أيوقظ الغافلين من السبات، وأن يغل أيدي الكائدين لهذا البلد الحبيب.

  3. بارك الله فيك ياسيدي وما قلته في الراتب الزهيد الذي يتقاضاه الائمة والخطباء هو عين الصواب. ولكني أرى ان المقارنة بين راتب المدرب وراتب الإمام لا تستقيم ، لأن المدرب لا يعطى لعلمه بقدر ما يعطى لما سيدر به من الارباح ، فهو استثمار لا أقل ولا أكثر ، فكل هذه الملايين ستأتي أضعافها من سخاء المواطنين الذين يحجون الى الملاعب لمتابعة المقابلات ، وكذلك من اولائك الذين يتابعونها من خلال القنوات.   ولو قاطعت هذه الجماهير هذه اللعبة لانتفى هذا العطاء . ولا عليك سيدي فهذا الاستثمار في الرواتب حاصل ايضا في كل الدول المتقدمة، حيث نجد راتب عارضة أزياء بمستوى الشهادة الابتدائية يفوق أضعاف أضعاف ما يتقاضاه البروفسور في الجامعة. ولم يقل أحد منهم أن الدولة تعظم الجهل في مقابل العلم.
    فأنا مع ندائك سيدي في إصلاح الوضع المادي للأئمة والخطباء والمرشدين ، ولكنها كلمات في فقط في منهج المقارنة.
    ولا فض الله فاك.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M