د.عبد الفتاح الزنيفي يكتب: تغيير نظام الإرث: الأسطوانة المشروخة!

04 يوليو 2022 20:10

هوية بريس – د.عبد الفتاح الزنيفي

(أستاذ التعليم العالي بكلية الأداب والعلوم الإنسانية بن مسيك بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء)

تتجدَّد بين الفينة وأختها مقالات الحديث عن موضوع الإرث، وعلى العادة، فإثارة هذا الموضوع تتم بعيدا عن أهل التخصص والدراية؛ لذلك فلا غرابة أن تجد التعليلات التي تقدم بعيدة كل البعد عن شَرط العِلمية والموضوعية، إذ هي في أغلبها تعليلات عاطفية خطابية أو مغالِطية أو إديولوجية.

فتقول إحداهن مثلا، إن دستور 2011 قد «أقر في ديباجته وكذا في عدد من فصوله خاصة الفصل 19، على «تمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية».

والدستور نفسه الذي تتحدث عنه الأستاذة ينص على أن الدين الرسمي للمغرب هو الإسلام، وعلى ثوابت المملكة التي منها «المذهب المالكي»؛ وعليه، وحتى نفهم الدستور بعضَه في ضوء البعض الآخر، ولا نضرب كلياته بجزئياته ونخلق بينها تناقضا مفتَعلا، فإن الخلفية العقدية والمذهب المالكي اللذين ينص عليهما الدستور واضحان في مسألة الإرث، فمن لديه مرجعية أخرى فليصرح لنا بها لنناقشها، ثم ليطرحها -وفق المسالك القانونية المعروفة- مقترحا بديلا للدستور ويُخضعه للتصويت الشعبي مثل حال دستور 2011؛ أما أن يُؤمَن ببعض الدستور ويُكفَر ببعض، أو يُجعل الدستور مِشجبا لتعليق الأيديولوجيات الفردية التي تصادم ما صوّت عليه المغاربة فكَلّا، ولمزيدٍ من البيان، فقد جاء في الموقع الرسمي للمحكمة الدستورية المغربية ما نصه: «يعلن أن الشعب المغربي وافق على مشروع الدستور الذي استفتي في شأنه بـ 9.909.356 جوابا بنعم مقابل 154.067 جوابا بلا.» أي تم التصويت بنعم بنسبة %98,4، فكيف بعد هذا تُرجَم الإرادة الشعبية المسلمة بالتخلف في مرجعيتها دون سلوك المسالك العلمية، شرعية كانت أو قانونية؟!

صحيح أنّ الدستور نصّ على المساواة، لكنه لم يُفرِدها بالتنصيص، بل نص إلى جانبها على العدل؛ فإن كانت المساواةُ آيِلَةً إلى الظلم، فما العمل إذن؟ أفنضحي بالعدل الذي هو أساس العمران وبناء الأمم والحضارات ونظلم الناس بحثا عن المساواة؟

وإذا نظرنا في كل الدول المتقدمة التي يتخذها مناهِضو نظام الإرث نماذجَ تُحتَذى فإننا نجدها تُعلي من شأن المساواة، لكننا لم نجد في مؤسساتها التشريعية عدد النساء مثل عدد الرجال. ولم نجد في الحكومات المشكلة، عدد النساء الوزيرات مثل عدد الوزراء من الرجال. ما نجده هو أن عدد الرجال دائما يفوق عدد النساء بكثير، ولم نجد القوم يتباكون على المساواة. أما في بلدنا، فنجد في الوظيفة الواحدة مُرتّبات الموظفين رجالا ونساء متفاوتة، فهل باسم المساواة نصيح بالمطالبة بالمساواة في الأجور.

إن الأصل عند جميع الأمم هو المساواة، لكن بشرط أن لا تعود المساواة على ركن العدل بالنقض والإبطال، ساعتها العدل أساس العمران لا يمكن التضحية به.

ودفاعاً عن «المساواة» المزعومة خرج أحد المحسوبين على الفكر الإسلامي مسوِّغاً هذه المقالة بكلام خطابي عاطفي، من قبيل: «نحن في مغرب القرن الواحد والعشرين»، «من العيب والعار»، «كيف يعقل أن تحرم الفتيات من ميراث والِدِهِنّ»، «وأي تخلف أكثر».

وهذه كلها تعبيرات سوقية لا يمكن أن يُستدعى صاحبها إلى حوار أكاديمي أو علمي بين المتخصصين، بعيدا عن إعلام «البوز» وحوارات السوق.

الأعجب من ذلك أن هذا المتحدث كان يخلط بكلامه الخطابي التحدثَ على لسان الشريعة، فيقول مثلا: «إن التعصيب لم ينص عليهما في الكتاب ولا في السنة، بل هي أعراف وتقاليد قبلية».

وهذا يدلك على بُعد هذا الشخص عن التخصص الشرعي، وعن مناهج الاستدلال في علوم الشريعة، فيعتقد أن الكتاب والسنة عبارة عن مدونة للسير، تفتحهما فتجد البنود والمواد منصوصة كلها، بينما المتخصصون يعلمون أن الكتاب والسنة لا يدلان من جهة النص الصريح فقط، بل أيضا من جهة المفهوم واللزوم وغيرهما، وهذا موضوع آخر.

لكن هل التعصيب حكم ثابت بالقرآن والسنة أم إنه عرف وتقليد؟

قد علمنا أن التعصيب هو الإرث بغير تقدير، فإذا أخذنا قول الله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لَكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ…﴾. الآية.

أي إن الوالدين في حالة وجود الفرع الذكر يأخذ كل واحد منهما السدس، أما إذا لم يكن الفرع الذكر، فتأخذ الأم الثلث فرضاً، لكن كم يأخذ الأب؟ سكت عنه القرآن، أي إنه يأخذ الباقي، تعصيباً، ولا يوجد احتمال آخر، فإن كان هناك احتمال فليَأْتِ به منكر التعصيب.

ومن السنة ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».

فماذا يسمى هذا غير التعصيب؟

والأكثر من ذلك، أن منكر التعصيب لا ينكر القرآن والسنة فقط، بل ينكر الإجماع، ولو أبطلنا الإجماع وحده لبطلت جملة من العبادات والأحكام الشرعية.

ثم لنا أن نسأل: ما هو الإشكال في التعصيب؟

يتخيل طارح الإشكال أن التعصيب فيه ظلم للبنت المسكينة، يقول أحدهم: «أيُّ تخلف هذا في معاقبة الأسر التي لم يولد لها ذكر بتفويت جزء من مالها للأقارب الذكور دون غيرهم وإن بَعُدوا…».

فهو هنا يصف حكما ثابتا بالكتاب والسنة والإجماع بالتخلف، ويسمي نفسه «مفكرا إسلاميا».

لكن الأدهى هو طريقة معالجته للقضية، وذلك باستعماله لمصطلحات مغالطية عاطفية كقوله «معاقبة الأسر»، ولا ندري لماذا هي معاقبة؟ ووفق أي خلفية عقدية ومنظومة فكرية؟ فإذا كان يتحدث من منطلق إسلامي، فإن المال مال الله، والآباء والأبناء إنما هم مستخلفون فيه، وللمالك الحقيقي للمال (الله عز وجل) أن يقسمه بين عباده كيف شاء؛ عِلماً أن أحكام المواريث غير معللة، لا بالظروف الاقتصادية ولا الاجتماعية ولا بغيرها، حتى نلوي أعناق النصوص تبعا للتغيرات الاقتصادية وأحوال الطقس.

إذن، فالخلفية الإسلامية لا تعالج مسائل الإرث وفق النظرة النفعية البراغماتية، بحيث يُصرف المال لفئة معينة وفق تقدير مصلحي مادي معين.

أما إذا كانت لهذا الشخص خلفية أخرى، كأن كان يهوديا، فلماذا لا يتحدث لنا عن وضعية المرأة اليهودية؟ هل ترث؟ وكم ترث؟ وإذا كان مسيحيا لماذا لا يتحدث لنا عن أحوال المرأة النصرانية؟ وإذا كان ملحدا لماذا لا يتحدث لنا عن وضعية المرأة اللادينية وهذا التسليع والتشيِيء والاستغلال الرهيب الذي أصبح يمارَس على المرأة في العالم؟

الحاصل: أن هذا الشخص يتحدث بلسان الثقافة الغالبة، وهي ثقافة ظالمة مستعبدة للمرأة.

أما المنظومة الشرعية فهي تقوم على العدل، لا على المساواة المادية السطحية، التي تؤخذ فيها اعتبارات غير صالحة في تعليل الأحكام، ولا في إقامة موازين العدل.

المنظومة التي فرض فيها الإسلام التفاوت في بعض الأنصبة بين الذكر والأنثى هي نفسها المنظومة التي كلفت الرجل بالإنفاق شرعاً، ولم تكلف المرأة بذلك، وكلفت الرجل بالمهر، ولم تكلف المرأة، وكلفت الرجل بالمسؤولية العائلية في الأصل، ولم تكلف المرأة بذلك، فمن كان يتحدث عن نظام الإرث فليتحدث عنه في إطار شامل لهذه المنظومة ككل، أو ليتركه ككل، وليأتنا بمنظومته حتى ننظر فيها، ولنرَ تطبيقاتها في العالم الواقعي، وهل فعلاً نظام التسوية بين الذكر والمجتمع سيكون حلا لأزمات المجتمع «وتأنيث الفقر» فعلاً؟ أم إنه سيخلق كارثة اجتماعية بكل المقاييس.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. كانت المرأة معززة مكرمة ببيتها ،والرجل يقوم بواجبه وكل يتمتع بحقه حتى الأبناء لهم تربية وأخلاق ودين وعلم،حتى جائت فتنة العلمانيين بشياطينهم ليفسدوا على الأسرة نظامها وتبريج المرأة المسلمة بوساويسهم حيث كانت سهلت المنال لتخرج من بيتها وتظهر مفاتنها كما أرادوا لها فخلت البيوت من التربية والقيم الجوهرية، ليجد الرجل نفسه مضايق في كل المجالات وتتعطل مهامه الفطرية ،فظهر لنا جيل مثل هذا الذي يجادل في شرع الله ،لا علم له ولا عقيدة دينية ،وهؤلاء هم الرويبضة الذين حدرنا منه الحبيب المصطفى . والله المستعان.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M