د. كمال العيفي: كشف الحقيقة في موضوع الاغتيالات السياسية من أعقد الأمور وأصعبها

05 نوفمبر 2018 12:33
د. كمال العيفي: كشف الحقيقة في موضوع الاغتيالات السياسية من أعقد الأمور وأصعبها

حاوره: مصطفى الحسناوي

 

  • شهدت العشرية الأخيرة عمليات اغتيال سياسي كثيرة، آخرها اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، أنتم كأحد النشطاء الحقوقيين في فرنسا، كيف تتعاملون مع ملفات الاغتيال السياسي؟

الاغتيال السياسي ممارسة لم تقتصر على العشرية الأخيرة للأسف الشديد، فقد شهد العالم عموما والمنطقة العربية جزء من عمليات الاغتيال سياسي منذ أمد بعيد.

ولعل الملفت هو استمرار هذه الممارسة الإجرامية المنظمة غالبا من قبل الأنظمة الحاكمة أو المعارضة لها بعد الاستقلال. إذ حرص الحكام الجدد على تصفية العناصر التي من الممكن أن تشكل خطرا على استمرارها  في السلطة، أو الأخرى التي يمكنها كشف حقيقة السياسات التابعة التي يمارسونها. كما لم تخل الدول الغربية من هذه الممارسة التي طالت حتى رؤساء أقوى الدول وأكبرها، الولايات المتحد الامريكية.

الحقوقيون أمام هذه الظاهرة، في الحقيقة، هامش حركتهم كبير، ولكنه محدود التأثير لدرجة كبيرة.

هامش الحركة كبير أخذا بعين الاعتبار المؤسسات الإقليمية  والدولية المهتمة  بمجال حقوق الانسان، إذ بالإمكان تصعيد قضايا الاغتيال السياسي إلى المؤسسات الدولية إن تهاونت المؤسسة القضائية الوطنية في التعاطي مع القضية المطروحة أمامها كما هو حاصل الآن في قضية الرئيس رفيق الحريري.

ولكن هذا الإجراء تعترضه إشكاليات قانونية إجرائية كبيرة يطول شرحها ولكن لابأس من تسليط الضوء على بعضها؛ وهنا نقصد الشروط اللازمة لتدويل القضية من مثل عضوية الدولة في المحكمة الجنائية الدولية وعدم الشروع في تحقيق محلي ونحن نعلم أن في مثل هذه القضايا التعتيم هو سيد الموقف والتهديدات والإغراءات والتشويهات أساليب عادية جدا لعرقلة الإجراءات..

يبقى لنا كحقوقيين إمكانية ممارسة الضغط المتواصل عبر آليات الأمم المتحدة التعاقدية وغير التعاقدية، كفرق الامم المتحدة المختصة، والتواصل مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمقررين الخواص التابعين لمجلس حقوق الإنسان، ورفع قضايا في المحاكم الأوروبية التي تسمح بذلك كالقضية المرفوعة اليوم في فرنسا ضد حفتر، أو القضية الأخرى المرفوعة في فرنسا كذلك ضد السيسي، وثالثة ضد محمد بن سلمان.

وهذه التحركات يبقى أثرها في مجال الإحراج وكشف الحقيقة والحد من ممارسة الظاهرة خوفا على سمعة الدولة أو السلطة الحاكمة ولا تتعداها إلى إعدام الظاهرة والقضاء عليها أو ترجمة ممارسها أمام القضاء الدولي.

ويبقى مهم جدا الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، والاحتفاظ بالقضية والملفات في ذاكرة التاريخ يمكّن من إحياء القضية في أي وقت يكون مناسبا.

 

  • ما تقييمكم للعمل الحقوقي والضغط الذي يمارسه في تعاطيه مع ملفات كهذه، خاصة أن ملفات بقيت تراوح مكانها  دون نتائج تذكر؟

صحيح أن كثيرا من الملفات بقيت تراوح مكانها، ولعل كل القضايا التي تطرق ذاكرتي الآن بقيت طي الادراج دون الوصول فيها إلى نتائج ملموسة؛ ولم يحاسب مرتكبوها، وقد يكونوا حصلوا على امتيازات إضافية بعد قيامهم بفعلتهم.

ولكن الضغط الحقوقي والنضال الميداني من شأنه أن يحصر الظاهرة ويقلص منها؛ خاصة إذا كان بهذه المنظمات الحقوقية والشخصيات العاملة فيها أو المساندة لها تأثير في الدوائر الغربية  والمؤسسات الدولية والاقليمية.

نأخذ على سبيل المثال ملف القتل خارج إطار القانون في مصر، بعد الثالث من يوليو 2013 في اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب والتي من خلالها استطاعت منظمتان حقوقيتان أن توقف تنفيذ حكم الإعدام في مجموعة من القادة السياسيين المصريين ومواطنين آخرين منهم امرأة تجاوزت الستين من العمر.

ويبقى كشف الحقيقة في موضوع الاغتيالات السياسية من أعقد الأمور وأصعبها نظرا لوجود الدولة وأجهزتها في أغلب هذه القضايا مما يلفها بمجموعة من الضمانات للأسف الشديد.

 

  • كيف يمكن استثمار جرائم اغتيال كهذه من أجل تضييق الخناق على الأنظمة الشمولية المستبدة؟

كلمة استثمار لا أرى أنها الكلمة المناسبة في موضوع كهذا. فلنقل كيفية الاعتماد على حيثيات ومضمون هذه الجرائم لمحاصرة فاعليها والأنظمة التي تقف وراءها. ومما يحضرني مثالان بارزان:

الاول هي عملية اغتيال رفيق الحريري وبعض الافراد الآخرين الذين اغتيلوا بعده، فقد كانت فرصة لكشف حزب الله أمام العالم ومن ضمنهم من كان يعتبره حزبا مقاوما مناضلا بطلا، كما كانت عملية الاغتيال فرصة لإيقاظ العالم وتوجيه اهتمامه إلى أن هذه القضايا يجب أن تحوز على أولوية في الطرح القانوني الدولي.

المثال الثاني هي القضية الجنائية ضد وزير الداخلية التونسي في عهد زين العابدين بن علي. فقد رفعت شكوى لدى المحاكم السويسرية ضد الوزير عبد الله القلال في بداية التسعينات واضطر على إثر ذلك للهروب من المستشفى بسويسرا، ولم يغادر التراب التونسي حتى قيام الثورة وسجن سنة 2011 بعد هروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وكثير من الساسة اليوم محاصرون في بلدانهم غير قادرين على التحرك الحر بسبب قضايا قد تلاحقهم هنا أو هناك.

 

  • لو تطلعون القراء على التفاعل الفرنسي رسميا وشعبيا مع قضية اغتيال خاشقجي

فرنسا الشعبية  للأسف الشديد غائبة تماما على المسرح الدولي باستثناء بعض الجمعيات والأشخاص ولذلك لم نلمس اهتماما شعبيا يذكر ولو بوقفة يتيمة للصحفيين أو نشطاء المجتمع المدني.

رسميا بقيت الصورة باهتة حتى التحرك الرباعي الذي حصل بمشاركة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا ومطالبتهم السعودية بكشف الحقيقة دون وضع ذلك في الأجندة السياسية المحلية للدولة الفرنسية أو حتى إرسال رسائل موحية بإمكانية التعامل مع المجتمع المدني والقضاء في قضية الاستاذ جمال خاشقجي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

*الدكتور كمال العيفي: حقوقي وسياسي تونسي مقيم بفرنسا؛ باحث بمركز الدراسات الديبلوماسية والاستراتيجية بباريس، وأمين عام منظمة صوت حر بباريس.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M