د. نوفل الناصري يكتب: سبع سنوات من الإصلاح..

05 فبراير 2019 00:22

هوية بريس – د. نوفل الناصري*

تؤكد الحملة الاعلامية الممنهجة والموجهة ضد تراكمات التجربة المغربية عموما وضد التدبير الحكومي لحزب العدالة والتنمية خصوصا، أن هناك نية مبَيتة للضرب في مصداقية هذا الاخير، وَثَمَّةَ من يعمل في الخفاء من أجل تبخيس المنجزات الحكومية، وتيئيس الشعب المغربي من العملية السياسية ومن المخرجات الانتخابية، إذ كيف يعقل أن تُنقط مجلة أجنبية تجربة حكومية بجمل عامة فارغة من أي حجة أو رقم، وبأحكام قيمة مغرضة، وأن تسيئ لسمعة هذا البلد، فقط لعدم اتفاقها مع الحزب الذي يقود حكومته أو ربما لعدائها أحادي الجانب معه.. غير مفهوم!
الغريب أن تبتلع بعض المنابر الإعلامية الوطنية هذا الطعم -سواء بحسن أو بسوء نية-، وأن تعزف نفس السنفونية بشكل متتالي في انحراف خطير عن أدوارها الحقيقية، وفي استهداف مباشر لأنظمة الوساطة المنظمة. وأَعتقد أن تبخيس دور المؤسسات والأحزاب السياسية ليس بريئا، والنتيجة الحتمية لهذا الأسلوب هو هدم عنصر الثقة وتفكيك اللحمة الداخلية والاضرار بسمعة المغرب.
بالفعل، يقود حزب العدالة والتنمية الحكومة، ويتحمل الجزء الأكبر فيما حققته وما فشلت فيه، ولكن لماذا يتم تخصيصه وحده دون غيره من الأحزاب الأخرى المشاركة معه، علما أن القطاعات والخدمات التي انتقدتها هذه المنابر الإعلامية، لم يسير غالبيتها حزب العدالة والتنمية، ولا يُدبرها حاليا؟ وكيف، وفي لحظة زمنية معينة، وبدون مبررات معقولة، تهاجم بعض الصحف الوطنية، بنفس الشكل والأسلوب والكلمات والتعابير تقريبا، هذا الحزب وحده دون غيره..؟ هذه بعض الأسئلة وجب الوقوف على أجوبتها لنتمكن من إكمال الصورة وفهم حيثيات هذه الحملة الإعلامية، والتيقن أن هناك غابة من الأمور تُدبر ويراد إخفاؤها بشجرة الحصيلة الحكومية.
على أيٍّ، لن نُسلِّم بهدم مسار تعزيز دور المؤسسات الوطنية، ولن نسقط في فخ التحطيم والتحطيم المتبادل، وهذا المقال لا يدافع عن حزب العدالة والتنمية، بل يدافع عن الوطن وعن منجزاته وعن سمعته ومصالحه، وهو يبسط أبرز الأدلة الملموسة والحجج الواقعية والأرقام الناطقة التي تترجم النجاحات المغربية خلال السنوات الماضية 2012-2017، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، سواء في مجال تحسين مناخ الأعمال، وتحفيز الاستثمار ودعم المقاولات الوطنية، وفي تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وتعزيز النشاط الاقتصادي، وتطور المؤشرات الماكرو-الاقتصادية.
تحسين مناخ الأعمال وتحفيز الاستثمار:
اهتمت حكومة العدالة والتنمية منذ توليها تدبير الشأن العام، بتحسين مناخ الاعمال ودعم المقاولة وتحفيز الاستثمار، وبفضل تضافر جهود الفاعلين الوطنيين في هذا المجال، تحسن المغرب في مؤشر سهولة الاعمال doing business ب34 مرتبة، لينتقل من المركز 94 إلى المرتبة 60 ما بين 2012 و2018، وتمركز المغرب في المرتبة 60 للاقتصادات القوية عالميا من أصل 190 دولة، وهو التقدم الذي اعتبره المتتبعون الاقتصاديون تاريخيا، حيث تصدر المغرب لأول مرة في مؤشر سهولة ممارسة الاعمال، دول شمال افريقيا، وتمركز في الصف الثاني على مستوى مجموعة الشرق الاوسط وشمال افريقيا MENA، والمركز الثالث إفريقيا..

التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني تحو التصنيع والتصدير:
وفي سياق متصل، ركزت جهود حكومة الاستاذ بن كيران والدكتور العثماني على مواصلة مجهودات التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، بهدف تحقيق مستوى نمو متواصل، يُساهم في فك الارتباط تدريجيا عن تقلبات القطاع الأولي؛ وذلك عن طريق مواصلة تفعيل مخطط التسريع الصناعي، وفي هذا الإطار، استطاعت الحكومة في السبع سنوات الماضية، استقطاب كبريات المجموعات الاقتصادية العالمية العاملة في صناعة السيارات والطائرات، وهو ما سيعزز مكانة المملكة المغربية مستقبلا كمنصة عالمية للتصنيع.
ومنذ إطلاق مخطط التسريع الصناعي، تم إحداث 54 منظومة صناعي بشراكة مع 32 جمعية وجامعة مهنية، ونتج عن هذه المنظومات الصناعية برسم الفترة 2014 -2017، إحداث 288126 منصب شغل، والتي شكلت موضوع اتفاقيات الاستثمار المبرمجة في هذا الاطر، كما تم تسجيل ارتفاع قيمة صادرات المهن العالمية للمغرب من 90 مليار درهم سنة 2012 إلى أزيد من 148 مليار درهم سنة 2017، أي بزيادة 58 مليار درهم، وبنسبة ارتفاع تقدر ب66,14 %؛ بالإضافة إلى التغيير الجذري في بنية الصادرات الوطنية التي أصبحت أكثر تنوعا وتتميز بصناعات ذات محتوى تكنولوجي عال.
رفع جاذبية الاستثمارات الأجنبية:
حسب التقرير الأخير الذي أصدرته أكبر المؤسسات الأمريكية “إيرنست آند يونج”، فقد استحوذ المغرب على أكثر من نصف مشاريع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجهة لشمال أفريقيا في عام 2017 ، والتي تمثل ما مجموعه 52 في المائة من جميع المشاريع المخطط لها في المنطقة، متفوقا على مصر (30 %) والجزائر (13 %) وتونس (4 %) وليبيا (1 %)، وقد حقق المغرب في ظل تراجع دول شمال افريقيا، ارتفاع كبير في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة حيث وصلت ما بين 2012 و2018 ما يقارب 256 مليار درهم، بمتوسط سنوي يُقدر ب36,57 مليار درهم، فيما كانت في حدود 114 مليار درهم خلال 2008-2011 بمعدل سنوي يقدر 28,5 مليار درهم.
ارتفاع الاستثمارات العمومية:
رغم تكلفتها العالية، رفعت الحكومتان من الاعتمادات المالية المخصصة للاستثمار العمومي بنسبة 12%، حيث انتقلت من 167,3 مليار درهم سنة 2012 إلى 190 مليار سنة 2018، أي بزيادة 22,7 مليار درهم؛ وقد ساهمت هذه الاستثمارات العمومية الضخمة في تحفيز الاستثمار وتشغيل المقاولات والشركات الوطنية بشكل كبير، مما أدى إلى تنشيط حركية الاقتصاد الوطني وضمان تمويل الاستراتيجيات القطاعية الكبرى، وإطلاق مشاريع ضخمة من الجيل الجديد كنور 1 ونور 2 ونور 3، والقطار فائق السرعة، وبرامج بناء وتأهيل المدن الكبرى، وتشييد المطارات والقناطر والسدود الضخمة، والطرق السيارة.. هذه الدينامية ساهمت في رفع إشعاع النموذج المغربي، وصنفت المغرب في مراتب مشرفة جدا في مجال جودة البنيات التحتية (تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول التنافسية)، حيث احتل المغرب المرتبة الأولى في شمال إفريقيا، والمرتبة الثالثة في إفريقيا، والمرتبة السادسة في العالم العربي، والمتربة 55 على الصعيد العالمي.
تراجع عجز الميزانية و تحسن الحساب الجاري لميزان الأداءات:
منذ بداية اشتغالهما، ركزت حكومة الاستاذ عبد الاله بن كيران وحكومة الدكتور العثماني على إصلاح وتصحيح الاختلالات والاعطاب الكبرى التي يعاني منها نموذجنا المغربي، مُقدمة بذلك مصلحة الوطن على مصلحة الحزب وشعبيته، وبفضل الاصلاحات الهيكلية الكبرى التي باشرتها الحكومتان، خصوصا إصلاح نظام المقاصة، والتنزيل السليم للقانون التنظيمي لقانون المالية، استطاعت بلادنا ترشيد النفقات، وخفض اختلال التوازن في الميزانية، والتحكم في كتلة الاجور المتوقعة، بالإضافة إلى الاهتمام أكثر بتعزيز فعالية تحصيل المداخيل، الامر الذي أدى إلى تحسين عجز الميزانية ب 50,68%، حيث انتقل العجز من -7,3 % سنة 2012 إلى %3,6- سنة 2017، وهي نسبة غير مسبوقة، وتمت دون اللجوء إلى تقليص حجم الاستثمارات برسم الميزانية، ودون اللجوء إلى الرفع من الضغط الضريبي.
وفي نفس الاطار، وبفضل تركيز الحكومتين على معالجة مختلف أوجه اختلالات الحساب الجاري لميزان الأداءات، تحسن هذا المؤشر ب 57,89%، ما بين 2012 و2017، حيث انتقل من -9,5 % إلى -4 %؛ وفي نفس السياق، ارتفعت عائدات السياحة من 57,8 مليار درهم في 2012 إلى 69,6 مليار درهم سنة 2017، أي بارتفاع وتحسن يُقدر ب %20,42، كما ارتفعت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج من 58,8 مليار درهم سنة 2012 إلى 65,4 مليار درهم سنة 2017، بتحسن نسبته %11,22.
ضبط وتيرة ارتفاع مديونية الخزينة:
رغم المغالطات والاتهامات الكثيرة التي أثيرت حول هذا الموضوع، إلا أنه ولأول مرة منذ عام 2008، سجل معدل المديونية ما بين 2016 و2017، ارتفاع طفيف بنسبة ٪0,2 فقط (65,1٪ من الناتج الداخلي الخام سنة 2017 مقابل 64,9٪ السنة الماضية)، بدل 3,8٪ ما بين 2008 و2015، وبعد اعتماد الحكومة قاعدة ذهبية في القانون التنظيمي للمالية، تتمثل في تحويل جميع ما تستدينه الدولة نحو الاستثمار وليس الاستهلاك، فمن المتوقع أن تستقر نسبة ارتفاع معدل المديونية في السنتين القادمتين، وسيبدأ في التراجع في السنة الثالثة. وهنا لا بد للإشارة إلى أن مؤشرات مخاطر دين الخزينة مضبوطة وتحت السيطرة، ف%78 منها هو دين داخلي، و87,6 % من دين الخزينة هو دين متوسط و بعيد الأمد، ومدة السداد المتوسطة لدين الخزينة هي 6 سنوات و 10 أشهر.
معدل نمو “يقاوم” التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية
على الرغم من صعوبة السياق الداخلي الذي تمثل في تسجيل المغرب ثلاثة سنوات جفاف بما فيها 2016، وثقل إرث تدهور التوازنات الاقتصادية الكبرى، ورغم المُهددات الخارجية التي أثرت بشكل مباشر على المغرب (محيط إقليمي مضطرب، وتواصل الأزمة الاقتصادية والمالية التي همت الشركاء الرئيسيين للمغرب، وارتفاع أثمنة المواد الأولية سنتي 2012 و2013 و2017) ، فإن متوسط النمو في السنوات السبع مستقر ما بين 3,3 و 3,5 “حسب الاختلاف”، وهو معدل نمو متقدم على معدل النمو في المنطقة. وإشكالية النمو، مشكلة بنوية مرتبطة بالتساقطات المطرية وبالقطاع الفلاحي عموما وبالحبوب خصوصا (حينما تكون القيمة المضافة للقطاع الفلاحي سلبية فمعدل النمو يكون أقل من 2% وإذا تحسنت القيمة المضافة، يكون النمو في %4 )، وكمثال على هذه الاشكالية، في 2016 كانت القيمة المضافة الفلاحية -12,8%، فسجل معدل النمو نسبة %1,2، وفي السنة الموالية بعد تحسنها القيمة المضافة الفلاحية، انتقل معدل النمو ل4,1%. وهذه واحدة من الاشكالات التي دعانا جلالة الملك إلى اقتراح حلول لمعالجتها وإصلاح العجوزات الهيكلية الأخرى التي يعاني منها نموذجنا الوطني..
النهوض بالتشغيل:
جعلت حكومة العدالة والتنمية من ملف التشغيل أولى أولوياتها في جميع السياسات العمومية، ومنحت أهمية قصوى لإحداث فرص الشغل في إطار الاستراتيجيات القطاعية واستثمارات البنية التحتية، وذلك من خلال ربط التحفيزات الجبائية والجمركية وأي دعم ميزاناتي بإحداث مناصب الشغل وضرورة التقييم الدوري لمدى الاحداث الفعلي لهذه المناصب؛ وبهذا النهج تطورت أعداد المناصب المالية المحدثة بشكل دائم ومتواصل منذ 2012، إذ تم إحداث 215010 منصب، وهو رقم غير مسبوق في التجارب والولايات الحكومية السابقة، الامر الذي يؤكد صوابية التوجهات الحكومية في السبع سنوات الماضية.
خاتمة
الواقع الذي نعيشه والمعطيات والحجج التي بُسطت أعلاه ونتائج الاستحقاقين الانتخابيين لسنة 2015 و2016، تُبرهن بالملموس نجاح تجربة حكومتا العدالة والتنمية في السبع سنوات الماضية، وتؤكد صوابية المنهج الذي اعتمداه في التدبير، وهو منهج يقوم على الاصلاح لا التنازع على السلطة، وعلى تقديم مصلحة الوطن والمواطنين على المصالح الحزبية، وعلى تعزيز الشراكة والوفاء للحلفاء الحكوميين، وعلى تقوية التعاون والتشاور مع باقي الفرقاء السياسيين.
حصيلة سبع سنوات، حصيلة مشرفة تمكنت خلالها الحكومتان  من معالجة إرث ثقيل والاستجابة لانتظارات كبيرة رغم الإكراهات والعقبات التي واجهتهما، وساهمتا بذلك في إرجاع الثقة في العمل السياسي والحزبي والمؤسساتي، وللعملية الديمقراطية ككل. ورغم ذلك، ما زالت هناك تحديات قائمة تهم جودة التعليم وفعالية الخدمات الصحية، وتوفير فرص الشغل الكريم.. وهو ما يقتضي مواصلة المسار لاستكمال الإصلاح وتحقيق التنمية الشاملة.


* خبير اقتصادي وباحث في السياسات العمومية.

آخر اﻷخبار
3 تعليقات
  1. إذا اردت شراء قلبك فابحث في هذا عن تجار الدين والفتنة فهم كثر يلبسون ثوب الواعظ والمبكي والحنون وقلوبهم قلوب الذئاب تنتظر بشعف وقت بلعك

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M