رسالة السلطان “مولاي عبد العزيز” لأهل فجيج (1902)

02 ديسمبر 2022 21:37

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

تبين هذه الرسالة دلائل واضحة على تواجد سيادة الدولة المغربية الشريفة، على المناطق الصحراوية شمال وجنوب وشرق فكيك، وكيف أن الوزير الفرنسي المستقر بطنجة، ابتهج بها، كما في تقديمه، وفي الرسالة التي سيرسلها من بعد لشرح أبعادها لوزير خارجيته.
نص الرسالة 23/1902 في
documents diplomatiques,affaire du maroc
من سانت تتلاندير وزير الجمهورية الفرنسية بطنجة
إلى وزير الشؤون الخارجية
طنجة 1902/1/5
من السلطان الشريف إلى سكان كسور واحة فكيك، وقد تمت صياغة الرسالة بعبارات تستجيب لأقصى حد، للرغبة التي عبر عنها الحاكم العام للجزائر، ويجب تهنئتنا على نجاحنا الكامل في زيادة صلاحيات السي محمد الكباص المسؤول عن تطبيق البروتوكول
سانت رينيه تيلاندير
رسالة السلطان:
الحمد لله
إلى خدامنا أهل واحة فجيج، والوداغير، والعبيد، وأولاد سليمان، والمعز، والحمام الفوكاني، والحمام التحتاني، ازناكة، أهل واحة إيتش، وإلى كل من يرتبط بهم أو يدخل في منطقتهم، وعلى وجه الخصوص الشرفاء والعلماء، والكبراء والأعيان حفظكم الله وأعانكم.
أنتم لا تجهلون القلاقل والإضطرابات التي نشأت بينكم وبين جيرانكم في الجزائر، التي كشفتها الرسائل التي وصلت لجلالتنا الشريفة، ومن أفواه أعيان منكم قدموا عندنا، وأقاموا مدة طويلة.
أنتم تعلمون مقدار الصعوبات التي نواجهها للدفاع عما هو مقدس عندكم، وسعينا لمعالجة، علاقتكم بالحكومة الفرنسية عبر وسيط الحاكم العام للجزائر المستشار الجيد، السيد ريفويل.
أنتم تعلمون أيضا أننا بذلنا قصارى جهدنا لضمان راحة البال لعوائلكم، وحماية أراضيك، لقد ألهمنا تعاطفنا معكم، وقمنا بالمهمة الموكولة لنا من قبل الله ورسوله لرعاية شؤونكم، وإبعاد الأذى عنكم، بشرط احترام جواركم بالجزائر، وإقامة علاقات تجارية حسنة معهم وتسلكوا مهم مسالك الأمن والإحترام، لإفرادهم وممتلكاتهم، وكل ما يرتبط بهم، خاصة ما يتعلق بالسكة الحديدية الفرنسية، المنشأة في تلك المنطقة، وكذا أسلاك التلغراف، التي تتبع مسارها، وقد بيناه لأعيانكم الذين زارونا، والذين تعهدوا لنا بالتصرف وفقا لما أوصينا به.
وقد كلفنا خادمنا الأمين الطالب، السي محمد الكباص بالتوجه هناك على الفور للإلتقاء، برئيس اللجنة المعينة من قبل الحاكم العامل للجزائر، قصد التوصل لاتفاق مع الحكومة الفرنسية، وإبلاغكم بالمزايا التي تنطوي عليها بالنسبة لكم، والضمانات التي تمنحكم إياها، مقابل الأضرار التي تلحق بكم، في الوقت الحاضر والمستقبل.
لقد وصل لعلمنا الشريف أنه من قبل وصول مندوبنا ارتكبت أعمال أزعجتنا، خوفا من أن كل الجهود التي بذلناها لمصلحة عملكم قد تضيع.
لقد سمحتم حقا للرعايا الأشرار، واللصوص المرتبطين بكم، والذين يعيشون بينكم، والذين ليس لهم أرض فلاحية، ولا أرض رعوية، أن يمدوا يد الَّوْم على جيرانكم في الجزائر، لقتل الناس ونهب القوافل، وقطع أسلاك التلغراف، بشكل متكرر، والإنغماس في أفعال أخرى لا يمكن أن تكون مستوحات إلا من الخشونة والوحشية، والتي ترتكب فقط من الأوغاد، الذين يعيشون في المياه العكرة مثل السلاحف، الذين ليس لهم ما يدعو للقلق، والذين لا يخشون العواقب، لا في الحاضر ولا في المستقبل.
لقد بلغ لعلمنا أن أكثر من يحافظ على بقاء الإضطرابات وينشطها، هو المحرض بوعمامة، ويساعده من يعطيه حق اللجوء، مستخدما مظهره الخارجي في خداع الناس، بادعائه القداسة، ولو كان مخلصا في تقواه المزعومة، لابتعد عن هذه المنطقة بأكملها، وقعد مع إخوانه الذين يعبدون الله في انتظار الحق، متبعا آثار من كانت مطامحهم الدار الآخرة، مرددين قوله تعالى “ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة” مثل هذه الطريقة في العمل لن تفيد أي أحد يكرس نفسه لبلده، ويرغب في تحصين ممتلكاته المقدسة، والحفاظ عليها، فلا يمكن القيام بذلك إلا من قبل جاهل أو متجاهل…
أيضا بدون الحاكم العام للجزاير الذي أخذ في الإعتبار الإحترام الواجب لشخصنا الشريف، عندما أراد تنفيذ الإلتزامات التي عقدناها مع الحكومة الفرنسية بهدف بناء أسس السلام الدائم، والعلاقات الطيبة بين البلدين من أجل المستقبل {كان من الممكن أن تحدث أحداث من شأنها أن تجعلكم تعضون بنان الندم}.
يترتب على ما تقدم من جهلكم وغفلتكم عن التفكير في وسائل الحفاظ على مصالحكم، واجتثاث بذور الشر الموجودة عندكم، وعدم حرصكم على اتباع تعليمات الولات الذين نعينهم للعدل بينكم، غير أن اللامبالات التي تنظر بها لمصالح البلد التي تقودكم لعدم تطهيرها من مثيري الشغب والمتمردين، كانت السبب المحددة للأحداث الأخيرة التي وقعت في منطقتكم، بسبب عدم تقديركم لقيمة الجهود التي بذلناها لإدارة شؤونكم بعد الأحداث المذكورة، فكيف يمكن حماية مصالحكم الشخصية؟
لو كان إخلاصكم قد خرج من قلوبكم لجاء متوافقا مع تصريحاتكم، ولكنتم كذلك من المساعدين لحاكمكم والداعمين له، وبذلك تكونوا موفرين علينا وعلى أنفسكم معضم الصعوبات.
والواقع أن تفاني الحكومة لا يكفي لضمان السلام في أي بلد، لأن السلام لا يكتمل في البلد إلا بتكريس أعيان ذلك البلد وشخصياته للمسالمة أولا، باعتبارهم العارفين بالأبواب التي يدخل منها الشر، فيهبون لإغلاقها بوسائلهم الخاصة، ويتركون للحكومة معالجة ما لم يقدرون عليه.
لكن عندما لا يكون أعيان البلد مخلصين بأي شكل من الأشكال لأ لياء أمورهم، وليس لديهم أدنى ارتباط بهم، فكيف سيتم مساعدة الأمة لهم مهما بذلت من مجهود ووفرت من مساندات، وبالرغم من ذلك سارعنا للإمتثال للإلتزامات التي يمليها الشرع علينا، واتخذنا الإجراآت اللازمة للحفاظ على مصالحكم، بتوطيد الأمن والسلام في جهتكم، وإقامة علاقات طيبة مع جيرانكم دون النظر للنوايا، وما تكنه القلوب، لأن ذلك بيد علام الغيوب.
وعليه فنحن قد كلفنا القايد الركراكي الدوبليلي، الذي أرسلناه من زمان للإقامة بينكم، لتتبع وضعيتكم ووضعية جيرانكم، وقدمنا له كل ما يحتاج للقيام بالمهام الموكولة له، من قبل حكومتنا التي تمتد سلطتها إلى كل من يعيش في قرى فكيك والقرى المجاورة.
لقد وضعنا رهن إشارته عددا من الجنود فرسانا ومشاة، وأعطينا الأمر للقوي والضعيف للاستجابة لمد يد العون له بأي شكل من الأشكال الممكنة، الموافقة لحق والعدل، دون تحيز لنا أو لجيراننا الجزائر.
كما أمرنا بأن يتأكد من أن علاقاتكم التجارية مع جيرانكم الجزائر تتم في ظروف آمنة، وتطهير البلاد من كل من يحاول تعكير صفو أمنه وسلامتها، وكذا المحطات المتواجدة بها، وتقديم العلاج المناسب لجميع أولئك الموجودين في تلك الأماكن، لمنعهم من مواصلة فرضهم إتاوات على القوافل والتجار، وإبلاغنا بالصعوبات التي تعترضه، لكي نتخد المتعين في حلها، بعون الله، وإعطائه التعليمات المناسبة للحل. وللعلم فإننا لم نمنحه أي سلطة لفرض أي شيء على أي شخص أكثر من قص أظافره، وقدخصصنا له كل ما سيحتاجه من حيث المعيشة والقوات والسلاح.
وسيطلعه خديمنا الطالب محمد الكباص، الذي أرسلناه لتسوية جميع المشاكل المتعلقة مع حكومة الجزائر، ويوجهه للسلوك الذي يجب أن يحافظ عليه تجاهها.
وقد أوصيناه بالإستماع لتعليماته، وطاعة أوامره ومساعدته في مهمته، ومراعاة أهمية الوظائف التي أوكلناها إليه بشكل استثنائي، تمشيا مع التقاليد المتبعة مع الحاكم السابق للجزاير.
ونحن نامره بتقديم المساعدة لرئيس بعثتنا الطالب محمد الكباص، فيما يتعلق بالترحيل خارج منطقته والمناطق المجاورة، لبوعمامة الشيخي وكل المحيطين به نحو البلد الذي سيشيرإليه الرئيس المذكور، تحقيقا للمصلحة المشتركة، وذلك بالوسائل الممكنة طوعا أو كرها.
ونامره أيضا بطرد الرعايا السيئين واللصوص الذين هربوا من ديارهم بالجزائر، لأنه لا فائدة من منحهم حق اللجوء، ولا يمكنهم إلا أن يجلبوا لكم الصعوبات وجميع أنواع المتاعب، في الحاضر والمستقبل،
كم نأمره بمساعدة رئيس بعثتنا في تسوية المطالبات التي نشأت بينكم وبين جيرانكم في الجزاير، وذلك بإسناد ما يترتب عنه رضاهم، بطريقة فورية، من أجل الفصل في النزاعات، وفق ما يحدده لك الرئيس المعني والذي كلفناه بمراعات مصالحكم وتنظيمها بطريقة مناسبة، ولن يغادر بلدكم حتى يتأكد من نتيجةعمله ويقرر الإجراءات اللازمة للحفاظ على هدوء المنطقة.
وأوصيناه بأن يشرح لكم كل ما لم تفهموه، كما نوصيكم بالإلتزام، بعد رحيله، في علاقاتكم مع محافظكم بما سيوضحه له الطالب المذكور بشكل مفصل، ولعل الله يكلل تلك الجهود بتهدئة المتاعب، التي أتت منكم ويخلص العالم من الضجة التي سببتها أفعالكم، ويحفظ السلام والأمن في بلدكم.
والله أعلم أننا من خلال كل هذا سعينافقط، لفتح أبواب السعادة لكم، فلو كنتم ممن يتبع النصيحة فلن يكون لذيكم شرعا، مطمح يخالف ذلك، ينبغي اتباعه قال تعالى: “من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد”.
السلطان (في 26 رمضان 1319).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M