رسالة المجاهد بن عبد الكريم الخطابي إلى المناضل بلعربي العلوي يدعوه فيها إلى إنقاذ المغرب من الفساد وينتقد اتفاقية (إيكس ليبان)

10 سبتمبر 2018 22:28
رسالة المجاهد بن عبد الكريم الخطابي إلى المناضل بلعربي العلوي يدعوه فيها إلى إنقاذ المغرب من الفساد وينتقد اتفاقية (إيكس ليبان)

هوية بريس – ذ. حماد القباج

تعد هذه الرسالة؛ وثيقة هامة تؤكد مجهودات الفقيه المناضل شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي (ت 1964) رحمه الله تعالى؛ في مقاومة الاحتلال ومناهضة المحتل وعملائه.

وكنت علمت بها أثناء إعدادي كتابي عن حياة هذا الفقيه الوطني الكبير؛ لكن لم أتوصل إلى نصها الكامل حتى وقفت عليه وأنا أقرأ العدد 30 من مجلة “الملتقى” التي يصدرها: أستاذنا ومفيدنا الدكتور عبد الصمد بلكبير.

وكان قد أهداني -مشكورا- أعدادها في لقاءات سابقة.

وتدور الرسالة حول:

1. التأكيد على حق الشعب المغربي في حياة حرة وكريمة

2. وحقه في المشاركة في تقرير مصيره

3. وانتقاده الجماعة التي ذهبت إلى (إكس ليبان) ووقعت اتفاقيتها

4. وانتقاده الذين هرّبوا حقوق الشعب المغربي وأدخلوا البلاد في الفساد الأخلاقي والسياسي والمالي

5. والشهادة للفقيه بلعربي بالاستماتة في مقاومة الاحتلال والظلم والفساد والمطالبة بصيانة كرامة وحقوق الشعب المغربي

6. ودعوته للاستمرار في ذلك ..

وإليكم نص الرسالة:

عبد الكريم الخطابي

القاهرة 4/10/1960

5 شارع قاسم أمين – حدائق القبة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله؛

الحمد لله وحده وبيده الحول والقوة؛

حضرة الأخ العالم الجليل الشريف المحترم السيد: محمد العربي العلوي حفظكم الله ورعاكم، وقواكم على محاربة الظلم والفساد، والسلام عليكم ورحمة الله وبعد؛

فإنه من دواعي الغبطة والسرور، أن نكتب إليكم أول مرة، توثيقا لعرى الأخوة الصادقة المتينة والمحبة الصحيحة النزيهة.. متضرعا إلى المولى سبحانه وتعالى، أن يلهمنا الصواب والحكمة والسداد، حتى نحقق آمالنا وأهدافنا في تحرير بلادنا من الاستعمار البغيض وتطهيرها من خبث الغاصبين ورجس المعتدين.

أيها الأخ الكريم:

ما من عاقل ذي ضمير حي، تجيش في صدره نخوة الإسلام والعزة بالإيمان بالله ورسوله.. إلا ويغار على أبناء أمتنا الذين ساروا في متاهات الفوضى والانحلال، وعلى ما وصلت إليه بلادنا من التقهقر وعدم الاستقرار.. وما من منصف إلا ويرى أن حالتنا أصبحت تستحق الرثاء، بسبب الظلم الذي استشرى بصورة تدعو إلى اليأس، والفساد الذي غزا كل مجتمعاتنا وأوساطنا، أدى إلى طغيان الأوغاد والأنذال، الذين نجحوا إلى حد بعيد، في زعزعة العقائد وتدهور الأخلاق، نتجت عنها التفرقة والمحسوبية والتنكر للمسؤوليات والواجبات.

ونحن وإن كنا لم نتعرف بكم شخصيا، نظرا للعوائق التي اصطنعها المستعمرون… إلا أننا قرأنا عنكم كثيرا، وعرفنا عنكم الشيء الكفيل بمعرفتكم معرفة تتفق ومواقفكم في ما تسدونه من النصائح والإرشادات والتوجيهات لأبناء الأمة المغربية الأبية.. وهو شيء جميل بالنسبة إليكم كما لم يقدر مسؤوليته، وكشريف من العترة الطاهرة يغار على دين جده رسول الرحمة وسيد المرسلين وإمام المتقين.

لقد أدركنا، بما يرد علينا من أخباركم السارة، ومواقفكم المشرفة؛ أنكم تعملون جادون، لمعالجة ما أفسده الإهمال من المصائب التي انتصبت علينا وعلى بلادنا نتيجة التواكل وعدم الاهتمام.. وفهمنا أنكم تدافعون وتجاهدون ضد الأنانية والمنافع الشخصية السافلة، مما عرضكم للاتهامات الباطلة والادعاءات المغرضة، من قبل أولئك الذين عرفناهم يحملون نية سيئة نحو البلاد والعباد، متجاوبين مع نيات المستعمرين الدخلاء، الذي يحاربوننا لا لجريمة اقترفناها ولا لذنب ارتكبناه.. إلا.. دعوتنا للتحرر من الاستعباد والاستغلال..

ومن المؤسف أن نجد إخوانا لنا تجمعنا وإياهم، لغة ودين ووطن ومصالح… يقومون بنفس ما يقوم به أعداء الدين واللغة والوطن.. لا لشيء إلى من أجل الحصول على منصب الحكم الزائف الذي لا يفيد ولا ينفع من وثبة الشعب ونهضة الأمة.

أيها الأخ المحترم:

كلنا يعلم، ما تعرض له المغرب والمغاربة من نكبات وأهوال وكوارث، سببتها “مأساة اتفاقية إكس ليبان” الملعونة، التي قاسينا من جرائها ما شوه تاريخنا، ومسخ وجودنا وجعلنا موضع السخرية والازدراء لمن حولنا من الأمم، التي كانت تحسب لنا حسابا، وتعتبرنا أمة لها تاريخ مجيد وماض مشكور في كل الميادين على مر العهود والعصور.

وكم نددنا آنذاك، بنتائج هذه الاتفاقية المشؤومة، ودعونا إلى تلافي الأمر بأسرع ما يمكن، حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه؛ ولكن -والأسف ملء جوانحنا- ذهبت كل محاولاتنا أدراج الرياح.. تنكرا لمصلحة البلاد العليا.. ومجاملة للعدو المحتل الغاضب المخذول والمنهزم، لولا هذه العكاكيز والعماريط..

وبعد مرور خمس سنوات، كلها تنكيل وتجويع وتشتيت وتشريد ومماطلة وتسويف وتخدير وتضليل وتدجيل ومراوغة وتلكؤ وتزوير وحرمان وكبت وعذاب وتعذيب… رأينا مرة أخرى ذيلا آخر من ذيول تلك المؤامرة الشنيعة، يعلن عنها في بلادنا على مرأى ومسمع من الأمة، التي لا تعلم القليل ولا الكثير عنها، ولا عما يجري ويحاك ويدبر ضدها وضد البلاد..

مع أن الأمة هي صاحبة الحق والكلمة الأولى والأخيرة في كل ما يهم البلاد وأبناء الشعب..

إذ الأمة هي التي شاركت مشاركة فعالة إيجابية بأبنائها وأموالها وأعراضها وأرواحها… في سبيل تحقيق ما تصبو إليه من عزة لها وكرامة لبلادها وحرية لأبنائها ومستقبل زاهر مشرق سعيد للجميع… فهذه مؤامرة (إكس ليبان) رسمت وخططت وحبكت خارج البلاد، وفي غيبة عن الأمة وأبنائها بمشاركة “حفنة” من عشاق المناصب وعباد الكراسي.. أثبتت الأيام أنها مشؤومة، وجريمة ارتكبت في حق البلاد والعباد.

وهذه مؤامرة أخرى دبرت في الخفاء وراء الستار، وتحت راية الاستهتار بحقوق الشعب، وصيغت في ألفاظ منمقة وكلمات مزوقة، فأعلنوها بدون حياء ولا خجل، باسم “اتفاقية الجلاء”!

وما هو بجلاء.. وليس هناك جلاء… ولم يكن أبدا جلاء.. إنه نوع آخر جديد من التدجيل والتضليل لكسب الوقت محليا.. إلى حين.. إذ منذ متى اصطلح على ثكنات جيش الاحتلال “بالمدارس” والضباط “بالأساتذة والمدربين”؟!

ترى، من قال لهذه الجماعة أن لها الحق في كبت حرية المواطنين في التعبير عن إرادتهم؟؟

أتوهم هذه الجماعة نفسها، بأن ليس هناك “أمة” يجب اعتبارها وأخذ رأيها في كل ما يهم البلاد؟

أتعتقد هذه الجماعة أن الشعب المغربي لم يعد أمة، بل قطيعا من السوائم لا تعرف إلا ما تهتدي إليه البهائم من التبن والبرسيم…؟

أتظن هذه الجماعة، أن المغاربة استساغوا العبودية والذل والهوان، لحفنة تلهث على مناصب الحكم، وتتلهف على ملء الجيوب بما تنهبه من أموال الشعب وخيرات البلاد…؟

إن كانت هذه الجماعة تعتقد هذا؛ فهي في خطأ كبير، وغفلة قاتلة توشك أن تذهب بها إلى سحيق الاندحار والاحتقار والازدراء..

على هذه الجماعة أن تعلم، أن لنا غاية منشودة وأهدافا واضحة وغايات سليمة بنيات طيبة.. وتلك؛ هي تحرير بلادنا من كل مظاهر الاستعمار والاحتلال، وعلى هذا الأساس يجب على أفراد الجماعة، ألا يعملوا من أجل إعاقتنا، بتبرير خاطئ ومرفوض..

على الجماعة أن تعلم، أن تمسكها بالقشور والأوهام التي يمليها عليها الاستعماريون، لا يؤدي إلا إلى ازدياد شقة الخلاف بينها وبين المواطنين أبناء الأمة الأبية.. وذلك لا شك، عامل أساس، يفقدنا معاني التضامن والاتحاد والوئام، للعمل سوية من أجل تحقيق مطالبنا العادلة..

على الجماعة أن تفهم، مضامين الحقائق التي تواجهنا كأمة، تسعى من أجل انتزاع حقها من الغاصبين الذين يتربصون بنا الدوائر..

على الجماعة أن تتنازل لنعمل معا لبناء مستقبل أفضل، وحياة أسعد .. كما يتطلبه منا وجودنا.

عليها أن تعلم، أن أخطاءها هي التي جعلتنا نجتاز هذه المرحلة الدقيقة الصعبة محفوفين بمخاطر، تدفعنا إلى الانكماش والقعود.. حتى نتوج مستقبلنا بإكليل من العار، سيظل وصمة في تاريخنا.

عليها -إن تنكرت لمسؤولياتها- أن تعترف بخطئها، وتعمل على تداركه قبل فوات الأوان.. فالإنسان مهما أوتي من فكر ومقدرة وتمييز وعقل ومعرفة واطلاع؛ فلابد له من الخطأ.. وبالخطأ فحسب استطاع كثير من المخلصين أن يحققوا أهداف أممهم، بعد أن اعترفوا بخطئهم ورجعوا إلى جادة الصواب… فحموا بلادهم من الأطماع والأهواء، وأصبحوا بذلك قادة شعوب ورؤساء أمم عن جدارة واستحقاق… وهذه ليست نظرية مطلقة أو نزعة مجردة.. بل نتيجة أعمال وأفعال.. قام بها المخلصون لبلادهم وإخوانهم وأبنائهم، فكانوا بذلك مثار إعجاب وتقدير.. ومحط آمال.. وموئل السلام والسعادة..

وكم وددنا، لو فهم المسؤولون في بلادنا مسؤوليتهم، ورجعوا عن هذه الأوهام التي تسير بهم إلى التمادي في سياسة عرجاء خرقاء، لا يجنون من ورائها إلا الخسران المبين .. وبالأخص، بعدما اصطدموا بالحقائق، وواجهتهم صرخات الشعب صاحب الحق والكلمة والفصل.. إذ الشعب وحده، القادر على فرض وجوده لدرء الخطر من أي شكل كان ونوع أتى..

أما الجماعة الواحدة أو الفرد المنفرد، فلا يعقل بتاتا أن يتمكنوا من “قوة” تخولهم محاربة الشعب مهما كان نوع تلك القوة، ولو كانت قوة البطش والكبت والتنكيل.. إن كل ذلك يذوب ويتلاشى أمام “قوة” الشعب التي هي أشد فاعلية من أي سلاح، تلك هي قوة الإرادة التي تتفاخر بها الشعوب، والتي جعلت من الأمم التي اتصفت بها تحيا وتنمو وتسمو..

هذا.. ويسعدني أن ننتهز هذه الفرصة السعيدة، لنؤكد تأييدنا لكم، في ما تقومون به من محاربة الظلم والفساد والطغيان.. ومجابهة الاستعمار وأذنابه وأبواقه.. أن تثمر جهودكم ثمرات ناجحة قريبا غير بعيد..

المهم.. هو أن تلهبوا العواطف الكامنة في أبناء الأمة المغربية، حتى يجندوا أنفسهم بكل ما يملكون، لطرد العدو الظالم الغاصب من بلادنا.. هذا الظالم الذي يحتضر اليوم تحت وطأة تيار الحرية الزاحف في كل الشعوب التي منيت به..

وبالتالي، لتطهير بلادنا من كل ما يشم منه رائحة الاستعمار والاحتلال، بما في ذلك: الإدارة والشرطة والأمن، وضباط ما يسمى بالجيش الملكي، الذي يسيره ضباط فرنسيون تحت ستار الفنية والتدريب..

ونحن نعتقد؛ أن الوقت قد حان، لتضيفوا مجدا آخر إلى أمجادكم السابقة، التي سجلتموها بجدارة، في مقاومة العدوان والظلم.. فاعملوا، ولنعمل جميعا، عسى أن نتمكن من انتشال الأمة من هذه الهاوية التي تردت فيها.. بدون سابق إنذار..

ولا يفوتنا أن نذكر، أن أكذوبة الجلاء التي فاجأنا بها المسؤولون أخيرا؛ ما هي إلا تضليل من نوع جديد، يجب أن تقاوم وتعارض وتناقش.. من قبل أصحاب من يهمهم الأمر.. من الأمة بحذافيرها.. حتى لا يبقى هناك مجال للدس والمغالطة أو المعارضة.. لأن الجلاء حق من حقوق الشعب كله.. لا فرق بين صغير وكبير.. ولا بين وضيع وسيد.. إذ مصلحة البلاد فوق العباد..

نحن نطالب ببيان الحقيقة وإيضاحها على رؤوس الملأ.. حتى لا ننخدع مرة أخرى.. فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين..

إننا نعرف تمام المعرفة، خداع فرنسا ومكرها ونذالتها وخستها ووضاعتها وميوعتها.. لذا فإننا على حق، إذا ما طالبناهم بكشف النقاب عن المؤامرة.. ولا نقول “اتفاقية”.. لأن الجميع يعلم أنها ليست اتفاقية.. بل مؤامرة ولكنها من النوع المكشوف..

نحن لا نقبل، كأبناء أمة واحدة، أن تدبر ضد بلادنا مؤامرات، وتحاك في الخفاء.. وكأننا دخلاء أو غرباء، يجب على من يسمي نفسه مسؤولا، أن يهجر هذه الفكرة المتحجرة.. والنية الخبيثة.. فلنا الحق في المحاسبة والمناقشة.. ما دامت القضية تهمنا جميعا على السواء…

هذا من جهة.. ومن جهة أخرى، يجب علينا نحن المغاربة؛ مساعدة إخواننا الجزائريين، الذي ضربوا المثل الأعلى في التضحية والفداء.. مساعدة إيجابية فعالة.. ونشاركهم في الإجهاز على المعتدين، حتى يجعلوا حدا لهذا الاعتداء السافر المزري الذي نقاسي منه نحن أكثر من غيرنا..

وما الحوادث المتكررة يوميا على الحدود، إن لم نقل داخل الحدود؛ إلا دليل على أنه من الواجب المحتم علينا أن نشمر عن سواعدنا.. لمجابهة هذه العصابة المكونة من لصوص فرنسا المنهزمة، نزحوا على بلادنا ليعيثوا فيها الفساد.. بإيعاز ممن لا ضمير له من أبناء شمال إفريقيا، سودوا صحيفة حياتهم وكانوا بذلك موضع الاحتقار..

أما عشرات الآلاف، من أبناء الأمة المغربية، الذين تعج بهم السجون والمعتقلات الجهنمية في طول البلاد وعرضها، يعذبون ويجوعون، لا لمعصية ارتكبوها، ولا لجريمة ضبطوا بها، إلا أنهم يعارضون بقاء جيش الاحتلال في البلاد، فذلك تتقزز منه النفوس.. وكم حاولنا عبثا أن تحل مشكلاتهم، فكان ما نراه اليوم من ازدياد البطش والتنكيل.. لأسباب مختلفة ومصطنعة لا أساس لها من الصحة، وعلى كل، فالمغرب في حاجة ماسة إلى ما ينقذه.. في حاجة إلى مرشدين.. إلى موجهين..، وليس أجدر بكم، من هذا الواجب المقدس.. فسيروا على بركة الله.. والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

والسلام.

أخوكم: محمد عبد الكريم الخطابي.

آخر اﻷخبار
3 تعليقات
  1. حبذا لو تنشروا جواب الشيخ محمد بن العربي العلوي على رسالة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي مشكورين.
    وجزاكم الله خيرا.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M