رغم تعطيلها.. لماذا يحارب العلمانيون نظام الحدود؟

17 أبريل 2020 20:04

هوية بريس – نبيل غزال

من المقطوع به أن التيار العلماني كما يناصب التشريع الإسلامي العداء ويرفض أحكامه، فهو يرفض أيضا نظامه الجنائي والحدود الشرعية المستمدة منه، سواء المقررة منها في الكتاب والسنة، أو ما وقع عليه إجماع الأمة، لأنه يعتبر كل ما يمس بالحرية الفردية، ويخالف مواثيق حقوق الإنسان الغربية، ويقحم الدين بأي شكل من الأشكال في القوانين، أمرا مرفوضا لا يمكن القبول به البتة.

وانسجاما مع هذه القناعات التي يتبناها المنضوون تحت لواء هذا التيار فهم يعملون على تصوير الحدود الشرعية على أنها وحشية ودموية ورجعية.. وفي جل خطاباتهم يحصرون الدين في رجم الزاني وقطع يد السارق وجلد شارب الخمر.. وهلما جرا..

هذا ما دأبت عيله عدد من المنابر الإعلامية التي تسوق للخطاب العلماني سواء في المغرب أو خارجه، فمثلا جريدة “الصباح” سبق وأعدت في فاتح مارس 2019 ملفا بعنوان “تطبيق الحدود بين الشرع والواقع“، صورت فيه النظام الجنائي الغربي على أنه المثل الأعلى الذي يجب أن نتبعه، لكونه ماض في اتجاه حذف العقوبات الجسدية من جميع القوانين، وابتكار مجموعة من التشريعات والمقاربات الإصلاحية لسلوك الأفراد، بخلاف بعض الدول الإسلامية التي ما تزال، وفق “الصباح”، محافظة بشكل رسمي على هذا التشريع التقليدي الماضوي، إضافة إلى الجماعات الإسلامية، التي لا يختلف طموحها في قيام دولة الخلافة عن طموح “داعش” في الوقت الحالي.

أكثر من هذا فقد زعمت اليومية المثيرة للجدل بأن أصحاب أطروحة تطبيق الحدود الإسلامية يدافعون عن إيديولوجيتهم من منطلق أن جل الحدود الشرعية وردت في القرآن بصيغة الأمر، ولا تقبل أوجه التأويل، وهو المنطق نفسه الذي تعتمده “داعش”!

وفي ظل الجهل الكبير بالدين وأحكامه، لك أيها القارئ الكريم أن تتخيل ما سيحدثه اقتران اسم “داعش” بنظام التشريع الإسلامي في ذهن المتتبع لمثل هاته المنابر، والفوبيا التي سينتجها هذا الخطاب، علما أن الحديث عن موضوع الحدود الشرعية، يتجاوز كل الجماعات الإسلامية، لأنه يعني الإسلام بالأساس، والحديث حول هذا الموضوع لم يخل منه كتاب فقه معتمد في كل المذاهب الإسلامية، بما فيها الفقه المالكي طبعا.

ولكنها الحرب العلمانية على التشريع الإسلامي في شقه الجنائي، والتي مرّت بمراحل ومحطات مختلفة، وإذا كان بعض اللادينيين يحاولون عدم إظهار النَّفَس العدائيَّ اتجاه نظام التشريع الإسلامي، فإن كثيرا منهم يهاجمونه بطريقة تنم عن حقد دفين وكراهية ورفض تامين لمضامينه.

فمن هؤلاء من يلعب مثلا على حبل تفسير النص الديني بما يوافق الواقع والسياق والمقاصد العامة، وبأن نظام الحدود وفق ما هو منصوص عليه في الكتاب والسنة كان يخص مجتمعا قبليا وبدويا، أما المجتمع الحداثي الذي تطور فيه العقل البشري فلم تعد تلك النصوص صالحة ولا ممكنة.

وفي هذا السياق يرى محمد عابد الجابري مثلا أن الحكم الشرعي يدور مع متطلبات العصر لكي تصبح الشريعة قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، ومثَّل لذلك “بحد السرقة الذي كان ضروريا لمجتمع بدوي يعيش في الخيام والصحراء بدون سلطة ولا سجن، فكان لا بد من قطع اليد حتى يعرف السارق بتلك العلامة ولا تتكرر السرقة ويعرف السارق بتلك العلامة” (وجهة نظر ص:59-70-72).

ومنهم من لا يتقبل ما جاءت به نصوص الوحي ويعتبرها غير ملائمة لعصرنا، وفي هذا السياق قال نصر حامد أبو زيد “إذا كنا لا نستطيع أن نتجاهل هذا التراث ونسقطه من حسابنا، فإننا بالقدر نفسه لا نستطيع أن نتقبله كما هو، بل علينا أن نعيد صياغته، فنطرح ما هو غير ملائم لعصرنا ونؤكد فيه الجوانب الإيجابية ونجددها ونصوغها بلغة مناسبة لعصرنا، إنه التجديد الذي لا غنى عنه إذا كنا نريد أن نتجاوز أزمتنا الراهنة” (مفهوم النص 14-16).

ومنهم أيضا من لا يخفي رفضه وكراهيته لهذه الأحكام، من مثل عبد المجيد الشرفي الذي كتب بأن “الحدود الشرعية فظاعات وجذورا متعفنة يجب علينا أن نقطعها ونقطع معها”، وادعى بأن “سبب انحطاط المسلمين هو شريعتهم الدموية المستنسخة من مدونة حامورابي، وأنها “تشكل اليوم جريمة موصوفة وانتهاكا استفزازيا لشريعة حقوق الإنسان العقلانية والإنسانية الكونية” (الحوار المتمدن).

كل هذا العداء والكراهية مع أن نظام الحدود الشرعية معطل في الواقع، ولا يطبق إلا في دول قليلة جدا، لكنهم يحاربون المفهوم ولا يردون له أن يبقى حيا.

هذا مع أن الغرب نفسه لم يسقط العقوبات الجسدية، ولازالت وإلى الساعة عدة دول تطبق عقوبة الإعدام، كما أن العقوبات السالبة للحرية المعمول بها في معظم دول العالم فشلت في محاربة الإجرام فشلا ذريعا؛ وبخاصة تلك التي شرع لها الإسلام عقوبات بدنية، ويدل على ذلك مناداة بعض علماء القانون بالرجوع إلى تطبيق عقوبات بدنية على بعض أنواع الجرائم.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. يبدو أن هناك خطة ممنهجة لهذه الحملة اليوم كان على قناة BBC عربية برنامج مسموم يناقش الحدود في الإسلام هل هي صدفة

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M