سؤال القراءة بين الحقيقة والتزييف

25 يونيو 2020 13:08
د. البشير عصام: تنبيهات حول طريقة القراءة السريعة

هوية بريس- عزيز المحساني

لعل من الأحكام الجارية المجحفة في حق شعوبنا العربية والإسلامية، أننا أمة لا تقرأ وتعادي القراءة. هل فعلا أننا أمام حالة عزوف جماعية عن القراءة، ومعاداة لها، وتلقي المعرفة من مضانها؟! وأننا مقايسة بغيرنا من شعوب العالم والمتحضرة منها خصوصا لا نكاد نشكل رقما وراء الصفر وبعد الفاصلة؟! وقد يصل الأمر عند البعض ممن أخطأت الطبيعة في وضعهم في صفنا، من أصحاب جلد الذات إلى طقس جماعي ينظم إليه تباعا تعابا، عدد ممن لا يروننا إلا ظلاما دامسا، وضلالا غالسا، متحسرين على حظهم العاثر أنهم ولدوا في الزمان والمكان غير المناسبين.

هل واقع القراءة ذاتي نابع من كراهة القراءة ونحن أمة شعارها “اقرأ”، أم هو وضع مخطط له سلفا لخلق أجيال جديدة من الضباع بتعبير السوسيولوجي المغربي محمد جسوس، لا رأي لها ولا موقف، مساقة في دروب ومتاهات التوجيه المخطط له للإبقاء على هذا التوزيع المجتمعي والطبقي والاقتصادي الذي خلقه الاستعمار في الداخل والخارج. المعرفة ضريبتها التغيير والتحرير والتبديل وقلب الأوضاع السابقة المرسومة والمفروضة إلى أوضاع جديدة مختارة عن إرادة حرة مؤمنة بمهمتها التاريخية والحضارية في سياق الأقوياء.

نعم إنه خيار مخطط له يتواطؤ فيه البعض مع المستعمر السابق لمصالح مشتركة. ولكن السؤال كيف ذلك؟ أليست المكتبات متخمة بالكتب، والمطبعات تلقي للقراء بالآلاف من النسخ من كل الأجناس الكتابية، وبمختلف أزمنتها، ومن أطراف الدنيا وأصقاع الأرض؟

نعم سيل هارم من المطبوعات من علوم وفنون مختلفة عربية ومترجمة، لكنها بين إكراه الجودة والقيمة العلمية والفنية المفقودة في أغلبها، والأثمنة الفاحشة التي لا ترحم عشاق المعرفة وقراء الأدب. نعم هذه هي الحقيقة المرة، وليس للأمر علاقة بالتحضر بمفهومه الغربي، الذي يسعد جلاد الذات أن يرددوه صباح مساء. الأمر له علاقة بالحياة الكريمة التي تكفل للإنسان حقه في المعرفة كما تضمن له الحق في العيش الكريم. لا يمكن لشعوب تعيش تحت عتبة الدولارين، بل قل الدرهمين ،ولا تخف، أن تقرأ! لشعوب تسكنها الأمية أن تقرأ! شعوب تفقد حقها في الكلام أن تقرأ! شعوب تحلب وأرضها تنهب أن تقرأ!

في الكلمة التي قدم بها الإعلامي والكاتب المغربي خالد مشبال للعدد الحادي عشر من كتاب الشهر لسلسلة شراع يناير 1997، بعنوان “التجربة المستحيلة” تحدث عن إكراهات كساد الكتاب في المغرب، وعن تقليل البعض وتشاؤمهم من استمرار فكرة كتاب الجيب التي سنتها سلسلة شراع، والتي كانت عكس التوقعات، وأكد من خلال التجربة التي خاضتها سلسلة شراع؛ أن أزمة الكتاب والقراء قضية مفتعلة لصرف النظر عن الأسباب الحقيقية وراء أزمة الثقافة الوطنية ككل، لعل من بينها وفي مقدمتها: هيمنة الفرنكفونية، ومحاولاتها الخادعة لفصل القارئ المغربي عن لغته ودينه ووطنه..وعن جذوره التاريخية والحضارية.. ويرى الكاتب أن مشكل الكتاب وترويجه لا يكمن في أزمة القراءة كما يقال، وإنما في كيفية قهر الصعوبات الحائلة بين المثقفين ومجتمعهم المتعلم. وأنه ما لم يمارس المثقفون ضغوطهم لكي يصبح الكتاب في متناول القدرة الشرائية للمواطن المتعلم فإن أزمة النشر ستستمر، فالغلاء الفاحش للكتاب والتعامل الفاتر مع المتغيرات المعرفية لمجتمعنا المدني من أسباب هذا الكساد.

إنها الحقيقة، فالبطون الجائعة لا تسمع إلا لغة الخبز، والمحروم المستعبد لا يسمع إلا لغة الحرية، والمعرفة والقراءة لا تقوم في حواضر الجائعين والمحرومين، إلا إذا كانت إرادة التغيير من المثقفين تخترق هذا الوضع، وتصنع وتخلق الشروط الموجبة لتفعيل التواصل بينها وبين قرائها، والدفع بالسياسة الثقافية والتعليمية في البلد لخلق مجتمع قارئ حر.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. أحسنت النشر استاذ محساني فإنه من لامعاش له لامعاد له.وكذلك ليس للفقير في هذا الزمان وقت للمطالعة والقراءة والبحث.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M