سقوط العدالة والتنمية.. نتيجة إسقاط “لا” النافية للذل والهوان من القاموس السياسي

10 سبتمبر 2021 10:49

هوية بريس – إبراهيم الطالب

ما جرى من نتائج في الاستحقاقات الأخيرة، ليست خسارة حزب العدالة والتنمية، فهذا كان يلوح في الأفق آتيًا لا محالة يتدحرج ككرة الثلج المختلطة بدماء من تدعكهم في تدحرجها.

الذي وقع هو إزاحة الإسلاميين من المشهد برمته بحيث لن يستطيعوا المشاركة لا في الحكومة ولا في البرلمان كفريق نيابي، سيخرجون من اللعبة السياسية برمتها، سواء في تدبير الحكم، أو في تأطير الناس، لقد علم النظام العميق العريق في كسر العظام من عبد الله إبراهيم إلى عبد الرحمن اليوسفي، كيف يشلُّ الحزب الإسلامي الآتي إلى السياسة بلحى الإصلاح بخلفية دينية تنافس النظام في الشرعية الدينية وتريد أن تشاركه الحكم وتزاحمه تدبير الثروة باستعمال عكازات الهش.

لكن حلقت اللحى وكسرت العكازات.

ويحتاج الحزب إلى زمن تحدث فيه المعجزة، حتى يأخذ مكانه مرة أخرى في سُلم العمل السياسي في أولى درجاته، فقد سقط من أعلى الدرجة 125 (مقعدا) إلى خارج السلم حيث الدرجة 13 (مقعدا) وهو مستوى يعتبر ملتصقا بالأرض.

العدالة والتنمية دخل السياسة العليا في تدبير الحكم في سياق الربيع والثورات، كان يتخطف رجاله ويودعون السجون بعد أحداث 16 ماي 2003، وكان عزم النظام على حله بعد أن حمله المسؤولية الفكرية على الإرهاب، ولما شبت النار في عنق النظام العميق وكانت على وشك حرق فروة رأسه، نظر رجالاته ذات اليمين وذات الشمال فما وجدوا في كراكيز السياسة المهترئة الصدئة من يصلح لمرحلة الثورات الشعبية، ولم يجد النظام في الوجود من أجل حفظ وجوده واستمراره سوى أصحاب اللحى المغضوب عليها، فأخرج من كان منهم في السجن ورفعهم إلى مصاف رجال الدولة، ليشاركوا في إدارة المرحلة.

وللأسف لم يكن الحزب فاعلا مستقلا ولا حاكما فعليا، كان فقط نِعم رجل المطافئ الشجاع الذي لا يهاب ألسنة النيران، نفذ كل الخطط للحفاظ على الوطن، وأطفأ النيران الداخلية والخارجية. لكن كانت النتيجة أن حُرق وجهه وكفاه، وفقد بصره من شدة اللهيب.

الوطن هنا يعني مصلحة النظام وليست مصلحة الشعب، وهذا ما لم يستطع الحزب التمييز بينه ليضمن المشي متوازنا وسط البحر المسجور الذي دخل لجته.

لقد وضع الحزب “قاعدة كلية” حكمت السلوك السياسي للعدالة والتنمية وهي: “الإصلاح في ظل الاستقرار”.

فكانت مخرجات تطبيقات هذه القاعدة هي النتائج التي خرجت من صناديق الاقتراع.

عقاب جماعي شعبي للعدالة والتنمية لفشله في التدبير والتسيير بوصفه حزبا له حياة مستقلة عن حياة الدولة.

والسبب الأساسي الجوهري القاتل هو أن الحزب لم يستطع إقامة التوازن بين شروط ضمان حياته الحزبية الخاصة التي هي شرط الاستمرار، وبين المشاركة في الاستقرار وحفظ الأمن واستمرارية النظام.

ولإحداث هذا التوازن كان لا بد للحزب من ممارسة القوة ولو أدى الأمر إلى وضعه المفاتيح في قصر المشور السعيد،
لكنه آثر أن يتحلى بالاحترام اللازم والخضوع التام، لذا كانت العواصف تحدث في فنجان الحزب كلما هبت الريح بين أذني الدولة، فكان الحزب هو من يوقف العاصفة ويُحوّل مسارها إلى داخله، فلم يستطع بهذه المنهجية الحفاظ على الحزب وقوته الجماهرية، كلما كان الاستقرار يهدَّد ولو بقشة يابسة أو بريشة تلعب بها رياح التغيير.

على العموم هذه ممارسة السياسة وفق الشروط المغربية التي لا يملك الإسلاميون ولا غير الإسلاميين شيئا من خيوط تحريك كراكيزها على خشبة المسرح السياسي لا الداخلي ولا الدولي.

ما عاشه العدالة والتنمية من تآكل واستضعاف وإذلال كان السبب فيه أولا وقبل كل شيء ضعفه وعدم قدرته على إحداث التوازن بين مصلحة الحزب ومصلحة النظام والدولة، وقد بدا واضحا من الوهلة الأولى أن “لا” السياسية النافية للذل وهدر القيمة في نفوس الأتباع قد سقطت من قاموسه السياسي.

لذا كان طبيعيا أن يسلك مسار القتل الرحيم الذي مورس في حقه؛ بدْءًا من البلوكاج الذي واجهه بنكيران في الولاية الأولى؛ إلى أن جاءت الضربة الثانية بعد البلوكاج الثاني الذي أنتج الإقصاء التام لأكبر قائد في الحزب وإحالته على التقاعد.

ليأتي النظام العميق، وليس الحزب، بالعثماني الذي يمارس واقعية سياسية كان فيها كل شيء سوى العمل الحزبي. فصيَّر حزب العدالة والتنمية حزب تيقنوقراط في خدمة المخزن (الملكية). ومن هنا كان طبيعيا أن يفقد الحاضنة الشعبية بقوتها التي دفعت به إلى منصبه الأعلى.

إن من يستطيع جمع القوة الشعبية ويجبن عند ضرورة توظيفها لنصرة قضايا شعبه والواثقين فيه، فإن هذه القوة الشعبية تصبح وبالا عليه وضعفا، ويضرَّس بأنيابها ويوطأ بمنسمها، وهذا ما يشرح اندثارها من حوله وحصوله على 13 مقعدا.

إن القوة الشعبية لا خير في تجميعها إذا لم تكن لك القدرة على توجيهها وتوظيفها.

فإذا كنت عاجزا على توظيفها عند اللزوم، فإنها تصبح بعد سنوات من تعطيلها في صف أعدائك وغرمائك، وتكون بهذا قد جمعت قوة تحسبها لك، في حين كنت فقط تجمعها لتصب في خزان منافسيك عند الحاجة إليها.

القوة الشعبية تحتاج في استثمارها إلى التحكم في سيكولوجيا جماهيرها، وهذا فنّ يتقنه الأمريكان والغرب، ويمتثلون قواعده في أكبر القضايا حساسية في العالم؛ ويشنون الحروب لعشرات السنوات بميزانيات بالتريليونات الكثيرة من مال الجماهير دافعي الضرائب، بسياسة سيكولوجيا الشعب، وينجحون في شل القوة الجماهيرية عندما تحتاجها أنت، أو يحركونها ضدك عندما يريدون، ولذلك العلم آليات ومهارات ووسائل هي الفيصل في تدبير القوة الجماهيرية إيجابًا وسلبا.

ومن له القدرة على ضبط وتوجيه سيكولوجيا الجماهير هو من يمتلك القوة عند الجلوس للتفاوض، ويحرز النتائج عندما يكون القرار في يد الجماهير إبان الاقتراعات والمظاهرات والإضرابات.

إن الجماهير التي كانت لدى العدالة والتنمية كلها كانت لها آمال وقضايا، ولجأت إلى تأييد العدالة والتنمية ليس من أجل سواد العيون، ولكن من أجل أن تنتصر وتحرز آمالاها.

لكن الحزب هيمن عليه فكر الدراويش المسمى الواقعية السياسية، والتي تفرض عليك التسليم والخضوع من أجل أن تمشي الأمور، وبهذا بدا وكأن العدالة والتنمية فضل أن يموت رجل مطافئ، لا رجلا مقاتلا ضد الفساد، فكانت النتيجة أن هشم رأسه الاستبدادُ، وسحرته العفاريت لترمي به بين فكي التماسيح، التي فازت بالمرتبة الأولى، والآن يحتاج إلى جمع فلوله بعد معركة “الإصلاح في ظل الاستقرار” لينظر هل لا زال يصلح لشيء أم عليه أن يحل نفسه ليتخلص من إرث ماضٍ يحتاج إلى معجزة كي يتخلص من آثاره.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار
4 تعليقات
  1. يا أستاذ بنيت كل كلامك وتحليلك على أساس أن هذه النتائج المعلنة هي الحقيقة المطلقة، والحال أن العديد من المراقبين الموضوعيين يشككون بشكل كبير في مصداقية هذه النتائج ويذهبون إلى حد ترجيح فرضية عملية تزوير فاضحة وذلك لعدة اعتبارات منطقية وموضوعية لا يتسع المجال لبسطها هنا. نعم هناك العديد من الملاحظات على أداء الحزب وعلى بعض مواقفه ، ولكن كل هذا لا يمكن أن يفضي إلى هذه النتائج غير المنطقية والصادمة والتي لا يهضمها ولا يقبلها إلا من كان ناقص وعي بالخريطة السياسية والواقع السياسي في هذا البلد. فكيف يعقل أن يعاقب حزب العدالة والتنمية بهذا الشكل الغريب وكأنه مبتور لا علاقة له بالقاعدة الشعبية، في حين يتوج ويكافئ حزب الأحرار وأخنوش وهو الذي قاطعه كل الشعب في عملية غير مسبوقة في تاريخ المغرب قبل سنتين وهو الذي كرهه المغاربة بعد جملته المشهورة : خصهوم تعاود ليهم الترابي، كما أنه كان مشاركا في كل الحكومات السابقة والحقائب وازنة ( المالية الصناعة الفلاحة..) وبالتالي فهو مسؤول عن الحصيلة الحكومية. فهو كان التصويت فعلا عقابيا، لكانت الأصوات تذهب الى حزب اليسار الفيدرالي والى أحزاب المعارضة، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث. فالمرجو إعادة النظر في مثل هذه التحليلات وعدم مجاراة التحليلات التي أريد لها أن تغرق السوق الإعلامية بتوجيه من يدبرون العلمية برمتها.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M