طعنة قاسية تتلقاها الصناعات العسكرية الفرنسية

17 سبتمبر 2021 20:40

هوية بريس – إلياس العمراني

عام 2016 طلبت أستراليا شراء 12 غواصة متقدمة تكون لها مميزات الشبحية والتخفي عن سونار العدو مع وجوب نقل التكنولوجيا وأن يكون التصنيع محليا، وكل ذلك استعدادا لأي مواجهة محتملة مع البحرية الصينية المتعاظمة.. تقدمت ثلاث شركات لعرض منتوجها من ألمانيا وفرنسا واليابان، وفي الأخير فازت شركة (نافال كروب) من فرنسا بالصفقة الضخمة من خلال غواصتها القوية (باراكودا) بطرازها الذي يعمل بالدييزل.

بعد ذلك بدأت المفاوضات لتحديد السعر والمميزات والتصنيع وباقي التفاصيل، وتحدد السعر حينئذ عند 31 مليار أورو (رقم ضخم للغاية)، ورغم اعتراض المعارضة الأسترالية على السعر الكبير وتأخر التسليم (اول غواصة سيتم تسليمها عام 2030) إلا أن المخاطر من مواجهة محتملة مع الصين بددت كل الإشكالات، إضافة إلى أن نسبة التصنيع المحلية ستكون عند 90٪ مع توظيف حوالي 2800 من اليد العاملة المحلية، لكن في نفس العام أي 2016 سيقع طارىء لم يكن أبدا في الحسبان.. شركة نافال كروب المصنعة للباراكودا تعلن عن قرصنة حوالي 20000 وثيقة من وثائقها المتعلقة بأسرار وتقنيات صناعاتها البحرية بما فيها الغواصات، لكن الشركة ذكرت تسرب أسرار غواصتها الصغيرة (سكوربين، وهي بالمناسبة مرشحة بقوة لتصبح أول غواصة يتعاقد عليها المغرب) ولم تذكر الباراكودا (ربما لحماية صفقتها الضخمة مع أستراليا وخصوصا ان المقرصنين يحتمل بقوة أن يكونوا صينيين).. لكن الحكومة الأسترالية غضبت بشدة وبدأت تتردد في مواصلة المفاوضات مع الجانب الفرنسي، ثم ما فتئت أن واصلت المفاوضات والتي ستنتهي بالاتفاق النهائي عام 2019.
لكن هذا الاتفاق لم يكد يصادق عليه حتى بدأت المعارضة (ستصبح في الحكومة بعد ذلك بأشهر) في الاعتراض لكون التفاصيل تغيرت بشكل جذري..

فالسعر الذي تحدد في 31 مليار أورو أصبح 55 مليار اورو، ونسبة التصنيع المحلية التي كانت تصل إلى 90٪ تحولت إلى 60٪، بل عام 2020 ذكرت شركة نافال كروب أن النسبة ستكون أقل بكثير من ذلك لأن الصناعات الأسترالية المحلية غير قادرة للاستجابة لمستويات التصنيع المطلوبة في الغواصة المتطورة، وزاد من الطين بلة عندما ذكرت الحكومة الجديدة أن تكاليف الصيانة للغواصات الإثناعشر خلال مدة صلاحيتها تحدد في مبلغ 90 مليار أورو (أي ضعف قيمة الصفقة تقريبا)، وأفدح من ذلك عندما أعلنت الشركة المصنعة أن التسليم لن يبدأ قبل 2035، وهو ما يعني تأخرا فادحا أمام التقدم الصيني الهائل.

وعلى ضوء هذه المتغيرات الكارثية غير المنتظرة دخلت أمريكا على الخط ومعها إنجلترا وتم التوقيع على تشكيل حلف جديد تحت اسم (أوكوس) AUKUS والذي يقصد منه مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في بحر الصين الجنوبي، وبما أن أمريكا هي التي تضمن حقيقة أمن أستراليا لقوتها العسكرية الجبارة بالمنطقة بخلاف فرنسا الضعيفة، فإن أمريكا عرفت كيف تقنع الحكومة الأسترالية الجديدة بإلغاء الصفقة الضخمة مع فرنسا رغم خسارة بعض المبالغ الأولية (حوالي 1.5 مليار أورو)، وتعويضها بصفقة مع الشركات الأمريكية والبريطانية من أجل شراء غواصات نووية (تعمل بمحركات نووية) وذات مميزات شبيهة بمميزات الباراكودا وربما أكثر.

طبعا فرنسا لم تستسغ هذا الانقلاب الكلي في القرار الأسترالي وغضبت بشدة من الطعنة الأمريكية الغادرة، وقررت متابعة أستراليا قانونيا من خلال شروط الصفقة نفسها والتي تفرض غرامات ثقيلة في حال قرر أحد الطرفين فسخ العقد النهائي.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M