عام على قمة الرياض.. ماذا فعلت بالمنطقة؟

21 مايو 2018 18:38
ترامب يتراجع عن إدانة السعودية

هوية بريس – الجزيرة

قبل عام جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض -في أول زيارة خارجية له- معلنا أنه يحمل رسالة “صداقة وأمل ومحبة” إلى العالمين العربي والإسلامي. وبمجرد عودته من المملكة تفجرت التوترات بشكل متتال، معيدة تشكيل المشهد الإقليمي.

فبين 20 و21 مايو من العام الماضي عقدت قمة الرياض بمناسبة زيارة ترامب إلى المملكة العربية السعودية، وتضمنت القمة اجتماعا ثنائيا بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، واجتماعين آخرين، أحدهما مع دول مجلس التعاون الخليجي والآخر مع الدول العربية والإسلامية (56 دولة).

جرت القمة أو القمم وسط احتفالية كبيرة من السعودية بضيفها الكبير، وفيها وقعت اتفاقات ومشاريع وجرت في دهاليزها تفاهمات كان لها الأثر البالغ في زيادة منسوب التوترفي المنطقة بذهاب الدول الأربع (السعودية والبحرين ومصر والإمارات) إلى حصار قطر.

مشاركة ترامب لم تكن مجانية، حيث أكد لشبكة “سي بي أن” أنه أبلغ السعوديين بأنه لن يشارك في القمة ما لم يدفعوا مئات المليارات من الدولارات في صفقات شراء الأسلحة الأميركية، وقد فعلوا -على حد قوله- في إشارة إلى توقيعه أثناء الزيارة عقودا مع المملكة بقيمة 460 مليار دولار، بينها 110 مليارات دولار صفقات عسكرية.

إلى حصار قطر
الصحف الأميركية أشارت إلى أن القمة ومخرجاتها كانت مخططة سلفا وجاءت كثمرة تقارب بين السعودية والإدارة الأميركية الجديدة، وتوطد العلاقة بين جاريد كوشنير صهر ترمب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وكذلك ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.

وتشير التقارير التي نشرتها صحف أميركية إلى أن كوشنر عقد مشاورات طويلة مع ولي العهد السعودي قبل قمة الرياض ولاحقا قبيل موجة الاعتقالات الكبيرة التي شنها وشملت رموزا من الأمراء داخل العائلة المالكة ورجال أعمال كبارا، بما يؤكد قوة التنسيق في إدارة الملفات الداخلية والخارجية.

وحسب صحف أميركية فإن بن سلمان سعى إلى أن يكون الوكيل الأميركي الرئيسي في المنطقة على الصعيد السياسي والعسكري، وأصبحت أوراق “السعودية الجديدة” التي يريدها تتم برؤية أميركية أو تنسيق كامل، من أجل صناعة أوراق القوة التي تمهد لدوره المستقبلي للرياض.

ويشير محللون إلى أن القمة -بما خفي منها- كانت إحدى نتائجها ذهاب الدول الأربع -السعودية والإمارات والبحرين ومصر- سريعا إلى حصار قطر، عبر سيناريو بدأ يوم 23 مايو بقرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية (قنا) وكان ضمنه مخطط للتدخل العسكري، وفق ما ذكره وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد بن محمد العطية، وتحدثت عنه وسائل الإعلام العالمية.

وانطلق هذا المخطط بناء على تطمينات من جاريد كوشنير وعلى تصور لدى دول الحصار بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لن يقف ضد حصار قطر أو إجراءات أخرى ضدها ومن ورائه الإدارة الأميركية، وفي ذلك فهم خاطئ لطبيعة القرار الأميركي وتشعباته.

وكشف موقع “أنترسبت” الأميركي أن كوشنير كان من المؤيدين للحصار بعد رفض قطري لطلب والده في نهاية أبريل 2017، تمويل شركته العقارية المتعثرة.

ويشير محللون وتقارير ومعطيات نشرتها الصحف الأميركية إلى أن المملكة العربية السعودية والدول الثلاث أرادت أن تكون قمة الرياض والعلاقات التي أقامتها مع إدارة ترامب جسرا لتحقيق غايتها بعزل قطر وربما غزوها، لكن صمود قطر واقتدار دبلوماسيتها واقتصادها وبنيتها الاجتماعية فوتت عليهم الخطة، وانقلب المأزق على المحاصرين.

ومع ذلك، فإن القمة التي أريد من خلالها الذهاب إلى تلك الأجندة بشكل مباشر أو غير مباشر يسجل عليها أنها كانت الطريق إلى هذا الشرخ الكبير في البيت الخليجي.

ويرى متابعون أن القمة -بعد مرو عام على انعقادها- على عكس ما خطط لها أو جاء في بيانها الختامي، لم تؤد إلى أي نوع من التوافق أو الوحدة بين أطراف الأمة العربية أو الإسلامية، بل إن ما حصل بعدها يؤكد التوجه إلى المزيد من الشقاق.

البوابة إلى صفقة القرن
يقول معظم المتابعين إن القمة كانت في جزء منها التمهيد لـصفقة القرن، ومن نتائجها تكريس الهيمنة الأميركية على القرار العربي واستثمار الوضع الناشئ عنها لتغيير معادلة الصراع والانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل تجلى في خطوات متتالية تجاهلت الحقوق الفلسطينية والعربية.

فترامب نفسه استثمر العلاقات مع المملكة وخصوصا مع ولي العهد محمد بن سلمان -منذ يونيو 2017- ومع مصر والإمارات والبحرين لصياغة مفهومه للسلام في المنطقة الأقرب إلى وجهة النظر الإسرائيلية.

وعلى عكس مقولاته عن “الصداقة والأمل والمحبة” التي ذكرها أمام العشرات من ملوك ورؤساد الدول العربية والإسلامية في قمة الرياض، تبنى ترامب خطابا أقرب إلى العنصرية في ما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، وأعلن عزمة نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس معترفا بها عاصمة لدولة إسرائيل، وهو ما فعله يوم 14 مايو 2018.

ومن مفاعيل قمة الرياض -وما تلاها من تفاهمات- غياب أي تحرك عربي فاعل تجاه نقل السفارة أو المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل بحق 63 شهيدا ومئات الجرحى في غزة في ذلك اليوم. ومن المنتظر أن يعلن ترامب عن تفاصيل الصفقة وبدء تطبيقها في يونيو المقبل.

ملفات وتوترات
في مغادرته للرياض، أخذ ترامب معه عقودا بأكثر من 460 مليار دولار، أردفها بمليارات أخرى بعد زيارة ولي العهد السعودي في أبريل إلى الولايات المتحدة وعشرات المليارات من عقود مع دول خليجية، لكنه ترك بالمقابل ضوءا أخضر للرياض للتعامل مع بعض الملفات خصوصا في اليمن ولبنان.

الضوء الأخضر الأميركي للمملكة في اليمن، والمشفوع بالمشاركة بالتخطيط والتسليح والتنفيذ أحيانا ترك ندوبا إنسانية غائرة في هذا البلد الفقير، حيث قتل مئات الآلاف بالسلاح أو الأمراض، ودمرت البنية التحتية وانقسم البلد بين العصبيات والمليشيات، فيما لم تحسم المملكة أو الإمارات، التي ترك لها العنان خصوصا في الجنوب، الحرب.

وجراء التنسيق أو سوء الفهم أو الالتباس حول الضوء الأخضر الأميركي حاولت المملكة إعادة ترتيب أوراقها في لبنان عبر استدعاء رئيس الوزراء سعد الحريري واحتجازه ودفعه إلى إعلان استقالته على الهواء، في مشهد أثار اللبنانيين.

وهذا الإجراء فهم على أنه يتم بإيعاز من إدارة ترامب التي تسعى أيضا لـ”تقليم أظافر إيران بالمنطقة”، لكنه فشل في تحقيق أغراضه بعد إطلاق الحريري بضغوط من فرنسا وعودته إلى لبنان، فيما حجَمت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان من قوة الحريري، وبالتالي الدور السعودي في لبنان.

وتلتقي السعودية تماما مع الولايات المتحدة في مسألة “الخطر الإيراني”، لذلك دعا ترامب كل الدول في مقدمتها الرياض إلى العمل المشترك لأجل عزل ايران، متهما إياها بأنها “تمول التسليح وتدرب الإرهابيين والمليشيات وجماعات متطرفة أخرى تنشر الدمار والفوضى في أنحاء المنطقة”.

ولم يتزحزح ترامب أو السعودية عن هذا الخطاب، حيث أعلن يوم 8 مايو إلغاء بلاده من اتفاق النووي الموقع مع طهران من جانب واحد، ليعاد فرض العقوبات، وهو ما أثار ترحيبا من الرياض وأبو ظبي وكذلك من تل أبيب.

وفتح إجراء ترامب الأحادي -الذي انتقدته الدول الأوروبية- مع التوتر القائم بين طهران وتل أبيب في سوريا المجال لتصعيد خطير في المنطقة، وأعاد الأمور إلى مربعها الأول ولا سيما مع تهديد طهران بالعودة إلى مستويات تخصيب اليورانيوم السابقة.

وبعد عام على قمة الرياض يجمع متابعون على أن كلمات السلام والاستقرار التي نثرها ترامب في السعودية لم تجد طريقها إلى المنطقة، ولم تطفئ الحرائق فيها، بل إن الأزمات زادت تفاقما واتخذت أبعاد أخطر بمحاولات دول فرض سطوتها تحت عنوان الضوء الأخضر الأميركي.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M