احسان الفقيه: عذرا أبا لهب.. عذرا حمّالة الحطب (ردا على تركي الحمد)

18 أغسطس 2017 19:55
الليبرالي تركي الحمد يهاجم الفلسطينيين بشدة.. وسعوديون يردون عليه

هوية بريس – الكاتبة الأردنية احسان الفقيه

اعتذار واجب إلى المجتمع العربي قبل الإسلام، إلى أبي لهب وامرأته حمّالة الحطب، وإلى أبي جهل وسائر عُبّاد اللات والعُزى ومناة الثالثة الأخرى، إلى نساء دوْسٍ إذ تضطرب إلياتُهن حول الصنم.
اعتذار إلى صاحبات الرايات الحُمر على أطراف مكة، إلى كل من وأد الإناث خوفا من الفقر أو العار، إلى أولئك الذين كانوا ينصبون للحائض خيمة في الخلاء تقبع فيها كالدجاج حتى تنتهي حيضتها.
اعتذار إلى نظام الهمجية التي كانت تُحكم بها قبائل العرب، إلى الذين كانوا يتناحرون على ناقة، إلى البسوس إذ أوقدت حرب الأربعين سنة، إلى جسّاس بن مرة إذ يغدر بكليب، وإلى أبي ليلى المُهلهل إذ يقود قومه إلى المهلكة عقودا، مناديا بثارات لا تنتهي.
اعتذار إلى آكلي الميتة ومن بعدها التحلية بصنم العجوة المعبود، إلى الذين عاشوا أذنابا للفرس والروم، نعتذر إلى كل هؤلاء.
نعم نعتذر إليهم لنعيد إليهم اعتبارهم، ونردُّ إليهم قِيمتهم التي ذهبت بمجيء الإسلام، نعتذر إليهم امتثالا لأمر صاحب القلم الرشيق رمز الإعلام الحر في بلاد الحرمين، فقد جادت قريحة الجهبذ بالسِّر الذي سيُمكّن العرب من تحقيق نقلة حضارية بعيدة.
يقول عبقريٌّ يرى نفسه مُلهما لجيل من المُتعبين :
“بدأت النهضة الأوروبية بإعادة الاعتبار للحضارة الإغريقية، وأعتقد أن بداية النهضة العربية هي بإعادة الاعتبار لفترة ما قبل الإسلام”.
وهكذا أراد لنا الكاتب -( وأعتذر عن ذكر اسمه)- العودة إلى عروبة ما قبل الإسلام، وضرب بعرض الحائط تلك الحضارة العربية العظيمة التي كان الإسلام ركيزتها من بعد إشراقة شمسه، إلى الحد الذي جعل كبار المستشرقين والمفكرين والكُتّاب الغربيين، يعترفون ( بإنصاف ) بفضل حضارة العرب الإسلامية على أوروبا.
يا صاحب القلم الغارق في جحيم الهوان، هل قرأت “بناء الإنسانية” لـ “بريغولت” إذ يقول: “إن ما يدين به علمنا للعرب ليس فيما قدموه إلينا من كشوف مدهشة لنظريات مبتكرة. بل يدين لهم بوجوده نفسه”.
وبعد أن قرّر بريغولت أن اليونانيين قد نظموا المذاهب وعمموا الأحكام ووضعوا النظريات دون أن يكون لهم أساليب للبحث ومناهج تفصيلية للعلم والملاحظة والبحث التجريبي قال: “ما ندعوه “العلم” فقد ظهر فى أوروبا نتيجة لروح من البحث جديدة ولطرق من الاستقصاء مستحدثة.. وهذه الروح وتلك المناهج أوصلها العرب إلى العالم الأوروبى”.
أما الفيلسوف الفرنسي “جوستاف لوبون” في كتابه “حضارة العرب”، قال: هل يتعين أن نذكر أن العرب – والعرب وحدهم – هم الذين هدونا إلى العالم اليوناني والعالم اللاتيني القديم ، وأن الجامعات الأوربية ومنها جامعة باريس عاشت مدة ستمائة عام على ترجمات كتبهم وجرت على أساليبهم في البحث ، وكانت الحضارة الإسلامية من أعجب ما عرف التاريخ “.
المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها “شمس العرب تسطع على الغرب” تقول: “إن أوروبا مدينة للعرب وللحضارة العربية، وإن الدين الذي في عُنق أوربا وسائر القارات للعرب كبير جدا. وكان يتعين على أوربا أن تعترف بهذا الفضل منذ زمن بعيد، لكن التعصب واختلاف العقيدة أعميا عيوننا وتركا عليها غشاوة”.
بينما قال المستشرق “سبانسر فاميري”: “لا يستطيع عالم واحد أن يتأمل القبة الزرقاء دون أن يلفظ اسما عربيا، ولا يستطيع عالم طبيعي أن يحلل ورقة من الشجر أو يفحص صخرة من الصخور دون أن يذكر درسا عربيا “.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏نص‏‏‏ويقول الكاتب البريطاني هـ. ج. ويلز في كتابه معالم تاريخ الإنسانية عن المسلمين العرب:
“…وتقدموا في الطب أشواطا بعيدة على الإغريق، ودرسوا علم وظائف الأعضاء، ….. وكان لجراحيهم دراية باستعمال التخدير، وكانوا يجرون طائفة من أصعب الجراحات المعروفة. وفي ذات الوقت التي كانت الكنيسة تحرم فيه ممارسة الطب انتظارا منها لتمام الشفاء بموجب المناسك الدينية التي يتوالاها القساوسة، كان لدى العرب علم طبي حق”.
هل تريد المزيد أيّها النصف؟
يقيني أنك قرأت ذلك كله مرات، لكنك تطلق قدميك لريح ليبراليتك المشوّهة التي أعمتك وأورثتك حقدا على الإسلام.
فهل كانت تلك التجربة الحضارية التي استمرت قرونا طويلة بعيدة عن الإسلام؟
الواقع يشهد أن الأمة لم تتنكَّب عن طريق السباق الحضاري ولم تتخلف عن الأمم، إلا بعدما ابتعدت عن دينها وغرقت في مستنقع الأفكار الدخيلة والهويات المستوردة.
يا هذا إن كانت أوروبا قد ثارت على الدين ونبذته رغبة في التحرر والتقدم، فهم قد خضعوا لسيطرة رجال الدين والحكم الثيوقراطي الذي حجب نور العلم ووقف مانعا أمام إطلاق طاقات الإبداع والابتكار.
فكيف تريد استنساخ التجربة في بيئة غير البيئة وتربة غير التربة؟ كيف والإسلام قد جاء بمهمة الاستخلاف وإعمار الأرض، وأمر بالأخذ بأسباب القوة والحضارة وعدّها من صميم العبودية؟
أليس رسول الله هو القائل: (إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)؟
أليس هو من أمر بعض أصحابة بتعلّم اللغات الحية؟
أليس القرآن هو الذي حث على العمل والسعي؟
أليس هو الذي أطلعنا على الأبعاد الحضارية عن طريق قصة ذي القرنين ؟
أليس هو الذي علّمنا الصفات القيادية والإدارية من خلال قصة سليمان مع الهدهد؟
إلى هذا الحد وصل بنا الحال من إجحاف الإسلام وجحد فضله على العرب؟!!
نعم العرب كانت لهم مدنيات قديمة لها آثار ظاهرة، ولكنها كما يقول أمير البيان شكيب أرسلان كانت محدودة مقصورة على الجزيرة وما جاورها، وقد أتى على العرب حين من الدهر سادهم الغرباء في أرضهم، ولم يستقلوا استقلالا حقيقيا واسعا إلا بالإسلام، ولم تعرفهم الأمم البعيدة وتخنع لهم الممالك العظام والقياصرة والأكاسرة، وتتحدث بِصوْلتهم الناسُ إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
إن كان الكاتب العظيم يريد نهضة للعرب فعليه الرجوع إلى قوانين النهضة ومقوماتها كما قرر علماء الاجتماع، أرنولد توينبي مثلا يتحدث في “مختصر دراسة التاريخ” عن العقيدة الدينية كجزء من نظام الاستيلاد الحضاري، ويؤكد على أن أي نهضة أو حضارة لابد وأن تقوم على العقيدة الدينية.
فإذا تقررت هذه الحقيقة لم يعد للعرب غير الإسلام كفكرة مركزية لأنه هو الذي شكّل هويتهم الثقافية عبر قرون.
الذين يحملون لواء العودة إلى عروبة ما قبل الإسلام والفينيقية والفرعونية وغيرها…، لم ولن يجدوا لها خيوطا يمكن أن تُشكّل ثقافة أو لغة أو تراثا، وإنما هي دعوات تمزيق للأمة الإسلامية التي اجتمعت تحت راية رسالة واحدة على اختلاف أعراقها وأجناسها وألسنتها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M