عشرة أسباب لتكون متفائلا في ظل وباء كورونا المستجد

01 أبريل 2020 11:50

هوية بريس – د. رشيد الحمداوي

أستاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، بمراكش

في ظل انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد 19) في العالم بأسره، وتصاعد عدد المصابين به في بلادنا وغيرها من البلدان، وتزايد عدد من مات بسببه، صار كثير من الناس يتساءلون عما سيؤول إليه هذا الأمر، وصار القلق ينتابهم مما قد يصيبهم في أبدانهم أو أرزاقهم أو أهليهم، لا سيما أنه وضع غير مسبوق للعالم منذ زمن. ولذلك أحببت أن أذكّر في هذا المقال –الذي قدمت مضمونه عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي–بعشرة أسباب تدعونا إلى التفاؤل بأن هذا الوباء سينتهي بإذن الله عز وجل:

أولا:هذا الوباء من تدبير رب العالمين، وهو سبحانه أرحم الراحمين، ومن أسمائه الحسنى: الرحمن الرحيم، وقد وسعت رحمتُه كل شيء، وقضاؤه لا ينفك عن لطفه، وابتلاؤه لا يتجرد من رحمته[1]، ورحمته تسبق غضبه سبحانه، ونحن نؤمن بأنه – عزّ وجلّ – أرحم بعباده من الوالدة بولدها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم[2]، فالوالدة مع إشفاقها على ولدها وحبها له ورحمتها به قد تؤدبه إن أخطأ خطأ فادحا حتى لا يعود إليه، ولكنها سرعان ما تكفُّ عنه وترجعه إلى أحضانها،{وَلِلَّهِ الْمَثَل الْأَعْلَى وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60].

ثانيا: إن الله تعالى حين يصيب عباده بنوع من أنواع البلاء الدنيوي فإنه لا يريد أن يهلكهم أو يستأصلهم، وإنما يريد أن يوقظهم من رقادهم وينبههم من غفلتهم، ولنضرب لذلك مثلا بإنسان وجدته نائما وقد حان الوقت الذي يجب أن يستيقظ فيه، فتناديه مرة واثنتين وثلاثا، وحين ترى أنه لم يستيقظ تأخذ بكتفه أو يده أو بدنه، وتهزه هزا قويا حتى ينتبه من نومه، وربما تنزع عنه الغطاء الذي يتغطى به، كل ذلك من أجل أن توقظه…ولا شك أن معظم البشر في غفلة عظيمة عن ربهم، وهذا الوباء إنما هو سوط أصابهم الله به ليذيقهم عاقبة بعض ما عملوه، وليفيقوا من غفلتهم، حتى يرجعوا إلى طاعته سبحانه، كما قال تعالى: { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 168]. وقال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الروم: 41]، وقال تعالى:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21].

وقد أرسل الله على فرعون وجنده مع كفرهم وتجبرهم وطغيانهم تسع آيات أنذرهم بها، ولم يهلكهم إلا بعدما ثبت إصرارهم واستكبارهم وعتوهم ذلك، قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف: 133].

ثالثا: أنه ما من بلاء دنيوي إلا وله وبداية ونهاية، فكما ابتدأ فإنه سينتهي مهما طال أمده. وهذا الوباء سينقضي حتما في الأجل الذي جعله الله له، ربما ينتهي بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة أو فيما شاء الله، ولكنه لن يدوم قطعًا. فما علينا إلا الصبر، والصبر مفتاح الفرج، والدعاء، والدعاء سلاح المؤمن، والصلاة، وهي أفضل ما يستمطر به عون الله، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، وقال سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 45، 46].

رابعا: المؤمن يعلم يقينا أنه ما من شدة إلا وسيعقبها الفرج، وما من عسر إلا وسيتلوه اليسر – بإذن الله – عاجلاًكان أم آجلا، مصداقالقول الله تعالى: ﴿سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [ الطلاق: 7]، بل إنه سبحانه وتعالى أكد هذه السنّة الإلهية بصيغة التَّكرار اللفظي، فقال: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * انَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5، 6]. وقد روي عن ابن مسعودرضي الله عنه أنه قال تعليقا على هاتين الآيتين: «لو كان العسر في جُحْر لتبِعه اليسر حتى يستخرجه، لن يغلبَ عسرٌ يُسريْن، لن يغلبَ عسرٌ يُسريْن»[3].

خامسا: ليست هذه أول مرة يصاب الناس فيها بالأوبئة، فقد مر عبر التاريخ البشري الكثير من الأوبئة التي قتلت الكثير من الناس، في أزمان لم يكونوا يدركون فيها منشأها، ولا يفهمون سبب انتشارها، ولا يعرفون طرق انتقالها. ولكنها انتهت حينما أذِن الله بذلك. وكذلك سينتهي هذا الوباء بعد مدة…نعم قد يمرض من كتب الله له المرض، ويموت من قضى الله عليه بالموت، وسيتضرر بعض الناس من آثاره…ولكنه سيزول،والحياة ستستمر، والكثير من الناس سينجيهم الله من هذا الوباء، وسيعتبرونه ذكرى من الذكريات.

سادسا: المسلم يعلم من خلال الأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في شأن أحداث آخر الزمان أن علامات الساعة الكبرى لم تظهر بعد، وكذلك بعض علامات الساعة الصغرى…ومن ثم فإن هذا الوباء ليس نهاية العالم، وإنما هو حدث من الأحداث العظيمة التي يمكن أن تغير نظرة الناس إلى الحياة والكون، وقد يكون مقدمة لأحداث أخرى قد تكون في المستقبل.

سابعا: أن الشدة تكون أقرب ما تكون إلى الانفراج حينما تبلغ أعلى درجاتها، وينقطع رجاء الناس عن أمثالهم من المخلوقين. ولهذا حينما فقد يعقوب عليه السلام ابنه الثاني “بنيامين” بعد فقد ابنه يوسف عليه السلام قوي رجاؤه في أن يجدهما معا، مع غياب يوسف مدة طويلة، فقال لأبنائه: ﴿يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].

ولذلك قال ابن النحوي رحمه الله في الأبيات المشهورة:

اشتدي أزمة تنفرجي… قد آذن ليلك بالبلَج

وظلام الليل له سُرُج…حتى يغشاه أبو السرُجِ

وسحاب الخير لها مطرٌ…فإذا جاء الإبّان تجي

وينسب للشافعي رحمه الله أنه قال:

ولرب ضائقة يضيق بها الفتى … ذرعا وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها…فرجت وكان يظنها لا تفرج

وقد رأينا أن كثيرا من الناس – حتى من غير المسلمين – يئسوا من أسباب الأرض وصاروا يتوجهون إلى خالق الكون، وهذا أدعى للتفاؤل بقرب الفرج،فكلما رأينا هذا الوباء قدازدادت درجة انتشاره في الأرض فليزدد رجاؤنا في زواله، ولنبشر أنه عما قريب سيذهب بإذنه سبحانه.

ثامنا: أن هناك مؤشرات إيجابية واقعية، حين تعاملت الدول التي أصيبت بهذا الوباء بسياسة الإخماد، فأول دولة أصيبت بهذا الوباء – وهي الصين -مرت عليها بضعة أيام دون أن تسجل أي إصابات محلية جديدة بعد فرضها لنظام الحجر الصحي وعزل المدن، وثمة دول أخرى بدأت تشهد تناقصا في عدد الإصابات والوفيات، ولا شك أن هذا يبشر بأن هذا الوباء سيزول شيئا فشيئا.

تاسعا: أننا نؤمن يقينا أن الله تعالى سميع قريب مجيب الدعوات، فقد أخبَرنا سبحانه عن نفسه، فقال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِيَ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[سورة البقرة: 186]. ووعدنا بالاستجابة، فقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم ﴾[غافر: 60]، ونحن نشهد في هذه الأيام كثيرا من المسلمين تلهج ألسنتهم بالدعاء بكرة وعشيا، وظننا في الله تعالى أنه لن يخيب رجاءنا فيه، ولن يرد دعواتنا، بل سيجيب سؤلنا، وسيكشف عنا هذا البلاء، ولكن في الوقت الذي يريد،وعلى النحو الذي يشاء، جلّت حكمته.

عاشرا:أن شهر رمضان قد اقترب، ونحن نحسن الظن بالله تعالى أنه لن يترك بيوته في هذا الشهر الكريم خاوية لا يعمرها المصلون في الجمع والجماعات، ولا يجلس فيها التالون لكتابه،ولا يذكره فيها الذاكرون لاسمه، ونظن به تعالى أنه لن يخلي المساجد من القائمين الذي يقومون بين يديه في لياليه، والمواعظ التي تذكر الناس به.

وحسن الظن بالله من موجبات التفاؤل، وقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حيث يذكُرني»[4]، وقال في حديث آخر من رواية واثلة بن الأسْقَع: «قال الله عز وجل: أنا عند ظنِّ عبدي بي، فلْيظنَّ بي ما شاء»[5]. وفي رواية أخرى لهذا الحديث:«إن الله عز وجل قال: أنا عند ظنِّ عبدي بي، إن ظنَّ بي خيراً فلَهُ، وإن ظن شراً فلهُ»[6].

هذه عشرة أسباب أرى أنها تجعلنا متفائلين، ولكن لا بد أن يكون تفاؤلنا إيجابيا واعيا، فلا يحسن بنا أن نقعد ولا نفعل شيئا ثم نتوقع الفرج، ولا يجمل بنا أن نرجو السلامة ولم نسلك مسالكها،بل يجب أن نتقي الله تعالى ليجعل لنا مخرجا، ويلزم أن نتوب إلى الله بصدقٍ ليرفع عنا البلاء،ويتحتم علينا أن نتقيد بقواعد السلامة الصحية منه إذا أردنا الاحتراز من الوباء، ولا بد أن نتحلى بالصبر إذا أردنا الفرج، ولا بد أن نستجيب لله تعالى وندعوَه ونحن موقنون بالإجابة إذا أردنا أن يجيب الله دعواتنا.

هذا ما لاح لي في هذا الموضوع، وصلى اللهموسلم وبارك على نبينا محمد وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] -قال ابن عطاء الله السكندري في حكمه: “من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره” الحكم العطائية: رقم 106 .

[2] – قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلّب ثديها تسعى، فإذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا وهي تقدر على أن لا تطرحه، قال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها”.أخرجه البخاري في صحيحه:(كتاب الأدب، باب رحمة الولد…، رقم  5999، 10/ 426 – 427)، وأخرجه مسلم في صحيحه(كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله…، رقم 2754.4/ 2109).

[3] -تفسير عبد الرزاق: 3/ 438، وروى مالك في “الموطأ” بإسناد منقطع (2/ 446 رقم 3176) أن عمر رضي الله عنه كتب إلى جيوش المسلمين بالشام: “…فإنه مهما ينزلْ بعبدٍ مؤمنٍ من منزل شدة يجعلِ الله بعده فرجا، وإنه لن يغلبَ عسرٌ يُسريْن”. وذهب بعض المفسرين إلى أن تَكرار تلك الجملة إنما هو للتأكيد فحسب؛ ينظر “البرهان في علوم القرآن” للزركشي: 4/ 115.

[4] – صحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب في قول الله تعالى: ﴿ويحذركم الله نفسه﴾، رقم 6970 (6/ 2694)، وصحيح مسلم: كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، رقم 2675 (4/ 2102)، واللفظ له.

[5] – مسند الإمام أحمد: 3/ 491 رقم 16112، و4/ 106 رقم 17104، وسنن الدارميُّ: كتاب الرِّقاق، باب: في حسن الظن بالله، رقم 2773 (3/ 1796)، وصحيح ابن حبان (بترتيب ابن بلبان): 2/ 401 رقم 633، والمعجم الكبير للطبرانيّ: 22/ 87 رقم 210، ومستدرك الحاكم: كتاب التوبة والإنابة، رقم 7603 (4/ 240)، وقال: “صحيح الإسناد”، ووافقه الذهبي، وزاد: “على شرط مسلم”.

[6] – مسند الإمام أحمد: 2/ 391 رقم 9065، وصحيح ابن حبان (بترتيب ابن بلبان): 2/ 405 رقم 639، والمعجم الكبير للطبرانيّ: 22/ 87 رقم 209، وصحح الألباني إسناده في سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4/224 رقم 1663.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M