على الجبهة المغربية.. الشهر السادس عشر من الحرب بالمغرب 1914

19 يوليو 2021 19:35
على الجبهة المغربية.. الشهر السادس عشر من الحرب بالمغرب 1914

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

ملخص:

مع بداية الحرب العالمية الأولى كان على سلطات الحماية بالمغرب إرسال 40 كتيبة من القوات المقبلة بالمغرب، مما جعلها في موقف ضعف أمام ما كانت تسميه جيوش العصاة والمتمردين، الذين كانوا قد ألحقوا بها ضربة قاسية في معركة لهري، وللحفاض على مكاسبها، قامت بإعادة انتشار ما معها من قوات، كانت متمركزة بفاس، ويطو، وتازا وتادلا، مسنودة بما مع قياد المخزن من متعاونين ومخزن.

وقد رفعت الإقامة العامة شعار سياسة الابتسامة عوض القتل والنهب والتغريم، والحديث عن الإصلاح والتهدئة عوض الغزو والحصار، مما استمال العديد من الفخذات والدواوير الذين عانوا من الحصار والتجويع، وتتويجا لذلك تم إقامة المعرض الفرنسي المغربي بالدار البيضاء تدليلا على السلم والأمن المستتب بالمغرب تحت الحكم الفرنسي.

كلمات مفاتيح:

المعرض الفرنسي المغربي بالدار البيضاء، معركة لهري، احتمال التخلي عن المغرب، المغرب بلد احتياط للطاقات المطلوبة، سياسة الابتسامة، فرنسا دمرت المغرب القديم، اختراق دفاع ورغة، وصول عبد المالك لقبيلة غياتة:

النص:

في الوقت الذي انتهت لتوه التظاهرات السلمية المتعددة، للمعرض المغربي الفرنسي بالدار البيضاء، والتي تتبلور آثارها السياسية والاقتصادية المؤكدة كل يوم، في المزيد من النجاح، بعد عام على تلك المغامرة الحزينة بلهري، حيث لقي 600 محارب من ثكنة خنيفرة حتفهم، بينهم 33 ضابط محترف،

ومن المشجع استعراض مشاهد مدى التقدم الذي تم إحرازه، على كل الجبهات المغربية.

لقد استلمت الحرب المغرب في أهم لحظاتها، وأصبحت القوات الموضوعة رهن إشارة المسؤولين عليه ضرورية أكثر من السابق لتعزيز المواقع المكتسبة لديهم به، لكن هل كانت مسألة المغرب مهمة، عندما كان مصير فرنسا على المحك؟

لقد أصبح المغرب عند انخراط فرنسا في الحرب، في أصعب مرحلة، تنذر باحتمال التخلي عنه، بسب تكريس كل الجهود ضد ألمانيا للدفاع عن فرنسا.

بيد أن المغرب قدم للمتروبول 40 كتيبة من خيرة وحداته العسكرية التي ظهرت فعاليتها بسرعة على الجبهة، في شكل انتصارات أحبطت العجرفة التـي ارتسمت على الألمان.

وبدلا من أن يكون الدفاع عن الوطن سببا للضعف كما توقع أعداؤنا في تنبئهم قبل الحرب، صار المغرب بلد احتياط للطاقات المطلوبة، من الأطر والوحدات المدربة عملياتيا، على حرب أكثر ضراوة وخطورة من خلال تواجدهم اليومي وبشكل مستمر بالمغرب الذي سيصبح معينا لتدفق الرجال والوسائل من كل الأصناف الطبيعية على فرنسا في دفاعها عن نفسها.

سياسة الابتسامة

لم تشرق “سياسة الابتسامة” فقط داخل المغرب، بل تعدته مشعَّتًا على الخارج، معززة أيضا أملا قويا لشعب متجدد، ومتَّحِد مع مصيرنا، في هذا الصراع المتنامي، الذي يتآكل بفضل ما يمتلك من حوية وقوة، لا يستهان بها في هذه الحرب الكبرى، حي تحققت بالمغرب أول خطوة ثابتة، صلبة مطَمْئِنة بالمغرب الذي كان موضع ثلْمٍ، فانتعشت الثقة في سلطتنا وأخصبت، مما عزز سيادتنا ورفع منسوب تواصل نجاح جهودنا في التهدئة، الأمر الذي جعل مغرب اليوم مختلفا عن مغرب الأمس.

لأن فرنسا لم تحتفظ بذلك المغرب الذي وجدته، بل غيَّرَته لشكل جديد، بعدما انتشلته من الفوضى التي كانت تفترس أمنه في عز الحرب، وعملت على تنظيمه، كي يتسنـى له القيام بدوره الجديد-في وقت يموج بالأحداث -ضمن رابطة القانون، وضد البربرية، معظَّما ومبَجَّلا، ومحَصَّنا، بفضل جنوده المتساقطين بجانب جنودنا، بعد ستة عشر 16 شهرا من الصراع -والجهد، ونكران الذات -المتوج بالنجاح-.

نعرف ما وقع بالمغرب في الأسابيع الأولى من الحرب، من اندفاع غاضب للبربر المسلحين من قبل ألمانيا، ضد ترسانتنا العسكرية المصممة على تحطيمهم، وتشتيت جهودهم، ليتسنى للكتائب التي حشدت بالمغرب قصد توجيهها للقتال بفرنسا، من الوصول إليها سليمة، حتى تقوم بالدفاع عنها وإلباسها لباس النصر والمجد.

ثم بعد هذه الاعتداءات العقيمة المستفزة من قبل الدعم الجرماني، ساد الهدوء بعد العاصفة، وفجأة توقف ذلك الهدوء، إثر ضربة لهري المدوية، التي انفجرت كرعد وسط سماء صافية هادئة.

معركة لهري

وقعت معركة لهري في فجر 13 نونبر، لتنتهي في دقائق بمجزرة رهيبة، لوحداتنا العسكرية التي كانت قد استولت على معسكر الزياني بخنيفرة، وارتأت أن تطارد عناصره في الجبال المحيطة، فإذا بها تدفن بين صخورها وشعاب وديانها الوعرة، على يد سكان الجبال الذين تقاطروا عليها، مندفعين نحو مرابض المدافع والرشاشات، للفتك بجندها والاستيلاء عليها، بلا خو ف، وشجاعة مدهشة فتضيف بذلك للهموم الوطنية لحظات من الحزن وخيبة الأمل.

فترة الشك هذه التي أثارت في النفوس الضعف والارتياب بشكل سريع لبضعة أيام بعد المأساة، الجنرال هونري بدد للأبد الحزن الذي سكن القلوب وزرع علمه في ميدان المعركة نفسها، وسط القتلى والمدافع المستعادة من الأعداء، الفارين للجبال.

منذ ذلك الحين، صارت عملية لهري تعتبر حادثة حربية حزينة، كغيرها من العمليات المتجددة كل يوم في هذه البلاد، في فترات مماثلة من الإرباك، وسوء التصرف، ينعدم معها الوقت لبكاء القتلى، والتأسف على الأخطاء.

مع مرور الزمن، أصبح من الضروري اتخاذ خطة عمل لإصلاح الضرر، والتحصن من وقوعه، ليس الضر المادي، المتمثل في فقدان الأطر والرجال الذي لم ينته بعد، ما دام الوطن بأكمله يصارع ضد عرق معاد، وليس في ثغرة مفتوحة للتسلح، باعتبار اخنيفرة (مفتاح حجر الزاوية لكل النسق -العادي لنا-).

بعد الهجوم الحيوي للجنرال هنري، دخل الكل في النظام، لكن الضرر المعنوي الناتج عن كسر هيبة قواتنا، من خلال مهاجمة أدرعنا العسكرية، وإلحاق أكبر الضرر بها، لم يستبعد أن يؤدي ذلك إلى أسوأ ردود الفعل ضدنا في مثل هذا البلد، خاصة مع تقليص عدد قواتنا به، وما سيتركه من تفاعلات.

سرعان ما تم انتشار خبر عملية لهري، والتعليق عليه، وهي عملية جلبت الأمل لقلوب أعدائنا الذين طردوا من المغرب بعدما رأوا فشل محاولاتهم الأولى، في إشعال التمرد العام به من خلال الدعوة للحرب المقدسة ضد تواجدنا، واستطاعتنا تهدئته لمدة طويلة معتقدين أن الفرصة مواتية لاستئناف خطتهم في إشعال التمرد من جديد، في الأطلس وأقصى الجنوب، وعلى كامل جبهة الريف شيئا فشيئا، حيث يمارس العملاء الألمان نشاطهم بحرية نتيجة التسهيلات المقدمة لهم من المنطقة الحرة في الشمال لذلك رأينا تطور تحركاتهم السريعة، مما يستوجب معه قيامنا بتحول جذري في تمركز قواتنا من جبهة الأطلس والجناح الجنوبي الهادئين نسبيا، إلى جبهة الريف، لمواجهة تلك التحركات المتنامي تهديدها لمراكز تواجدنا جنوبها.

وقد استطاع في الواقع الكولونيل دولاموط الاستمرار في الاعتماد على خدمات كبار القياد، لتطبيق سياسة مخزنية أكثر نجاعة لتثبيت الوضعية، في الوقت الذي تم فيه اكتشاف بداية حرب من قبل حركة مهدوية بقيادة الهبة، مدعومة من ألمانيا؛ لكن في يبراير، تمكن حِيدَا امِّيس -باشا تارودانت-، من إعادة حركة الهبة إلى الصحراء جنوبا، باسطا الأمن بسوس.

على جبهة الأطلس المتوسط، أمر الجنرال هنري المجموعتين المتحركتين بتادلا ويطو بمواصلة الضغط على البربر، طوال فصل الشتاء، مما جعلهم يشعرون بثقل يدها عليهم، وحركتها التي تدمر تأثير الأخبار المغرضة المتعلقة بنا في رمشة عين.

علاوة على ذلك، فإن زيان والشلوح أرادو في 13 نونبر اختبار قدرة ثبات قواتنا، وشدة ضرباتها، فتقاطروا فجأة على مجموعات قوات الجنرال هنري، التي ظنوا أنها أبيدت في المعارك الأخيرة، بيد أنهم تفاجأوا بنشاط المجموعتين التين عرفتا كيف تمنعهم من طرق الوصول للسَّهل، واستخدامه، لتوفير سبل العيش، مما جعلهم في فقر مدقع وحرمهم من أي تحرك هجومي على مراكزنا لعدة أشهر.

على الجبهة الشرقية في ممر تازا، تم أول استعراض لقواتنا في يناير 1914 ببلاد لبرانص، كما تم توقيف هجمات غشت وشتنبر 1914 على مراكزا بنفس المنطقة، لكن لسوء الحظ لم تسمح الأحوال الجوية السيئة والظروف الغير المواتية باستغلال النتائج المحتملة على هذه الجبهة المتصلة بأكملها مع المنطقة الإسبانية، حيث كانت الدعاية الألمانية تمارس بحرية.

ظل الوضع محفوفا بالمخاطر للغاية، بحيث كانت خطوطنا الدفاعية مهددة باستمرار في الشمال، كما في الجنوب، من خلال غارات القبائل المتمردة العاصية، التي استولى على أفكارها أعداؤنا بالخارج.

كان الجنرال هنري قد حدد قبل حلول فصل الشتاء الخطوط العريضة لعملياته المقبلة والتي عمل على تنفيذها منذ ذلك الحين بإصرار بيِّن، كان المبدأ الأساسي فيها هو ممارسة الضغط المستمر لقواتنا في موازاة دائمة مع العمليات السياسية على جميع الجبهات، لإبقاء خصومنا في حالة ترقب لتحركات قواتنا، قصد معاقبة المعتدين على مراكزنا أو الخاضعين لها، وبما أن الدفاع السلبي لم يكن مناسبا لنا، ففد كان من الضروري التحرك لكسب مزيد من الأرض.

على الجبهة البربرية، كان من الممكن القيام بعمليات في العمق بكل حرية، بالاعتماد على مجموعتين متحركتين وضعتا في منطقة شاسعة للمناورة، جزء فقط من هذه الجبهة هو الذي تم تصدعه وشقه، مما جعلنا نبحث عن مجهود جديد نستعمله في الجنوب لشق صفوف كارهينا، على شاكلة منفذ كيكو الذي اخترقته سلطتنا السياسية، عن طريق أيت عرفة، (بني امكيلد) الخاضعين من جهة، وأيت يوسي وايت سغرشن التابعين لسيدي امحمد من جهة أخرى في مضيق تازا الوضع ليس إيجابيا بالمرة.

بادئ ذي بدء، كان لا بد من إصلاح نظام الدفاع بأكمله، المصمم للقوات الكبيرة العدد التي لم يعد من الممكن الاعتماد عليها؛

وتقييد عدد المواقع ومحيط دفاعها وحامياتها للحد الأدنى الصارم، لصالح القوات المتحركة، التي سيتم إنشاؤها، والتي كانت ناقصة تماما، وقد استغرق ذلك العمل كل فصل الشتاء، وفي ربيع 1914 تم حل المجموعتين المتحركتين الثابتتين بفاس وتازا، التي دخلت عناصرا على الفور في الخدمة، وتخصيها بمنطقة هامة للتحرك والمناورة، في عمق الجبهة البربرية، التي أثبتت العمليات السابقة فعالية ذلك المخطط بها، وبذلك صار الهدف الثلاثي للمتابعة من ذلك الحين هو:

1- توسيع ممر تازا

2- تطهير محيطها

3- التأكيد العسكري للتقدم السياسي المحرز في كيكو

أي مجهود بغض النظر عن مدى جودة تصميمه، يقدم دائما عنصرا من المخاطر التي تؤدي في بعض الأحيان لتعطيل أو تأخير تنفيذه.

في الغرب وعلى ورغة، أدى التحريض علينا هناك، لتأخير كبير في إنجازات هذا البرنامج، الذي بدأ ببراعة في مايو، من خلال الاستيلاء على بلاد البرانص، وقد عرض العدد الأخيرة من هذه النشرة بالتفصيل أسباب ذلك التحول المفاجئ في الموقف، وتلك الحركة العدوانية العامة، التي كادت أن تهدد في لحظة، كامل نظامنا الدفاعي بالشمال.

إن كسر الثوار لسد ورغة الدفاعي، أدى لتهديد قبائل أحواز فاس، وأعادنا لأسوأ أيام 1912 لقد رأينا كيف أن الجنرال هنري من خلال التركيز السريع لمجموع قواته في نفس المكان الذي حدث فيه الاختراق، والخلل في التوازن، حيث أعاد للمرة الثانية تأسيس وضع، تعرض جزئيا للخطر، بدعم من أعدائنا في الخارج، وبذلك استعاد الهدوء منذ ذلك الحين في جبهة الشمال، على الرغم من استمرار التحريض في ضواحي مناطقنا الخاضعة لمراكزنا هناك، مما ألزم الجنرال هنري استئناف الجزأين الأولين من خطة عمله الربيعية، في الأشهر الأخيرة بجبهة الشمال، بعدما وافق عليها الجنرال المقيم العام، ولتنفيذ الجزء الثالث من الخطة تم احتلال واد كيكو.

تعتبر لحظة افتتاح المعرض الفرنسي المغربي مظهرا كبيرا من مظاهر السلام السائد في الداخل المغربي، الذي تم بفضل قوة سلاحنا الذي فرض الأمن بعد سلسلة من المعارك القاسية، على الجبهة البريرية أولا، ثم على جبهة الريف ثانية، قبل أن تحول جهودها نحو الجبهة الشرقية، لإكمال برنامجها السالف ذكره.

لقد جعل تواجد عبد المالك الابن الصغير للأمير عبد القادر الموالي لألمانيا، عند غياتة، من المُلِح إظهار قواتنا في هذا الجانب، بعدما بدأ بالعمل على ربط العلائق بين عصاة ومتمردي الشمال، وكبار زعماء بربر الأطلس والتدخل الفوري لجعل هذه المحاولة ضربا من الوهم والخيال، وذلك بالتحرك لمهاجمة غياتة وبني وراين، ووِهَاد كيكو من أجل وقف الحركة العامة لانتشار موجة العداء التي بدأت تتشكل بالفعل في تلك الأماكن، وفي نفس الوقت واصلت مجموعة تادلا الضغط على زيان والشلوح، لحرمانهم من أية فرصة للتجمع، والهجوم على مراكزنا المتقدمة في جهتهم؛

تلك هي المهام التي اطلعت بها المجموعات المتنقلة الأربعة في كل من تازا وفاس ويطو وتادلا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وأثناء ذلك كانت في الجناح الجنوبي، قوات مخزن باشا تارودانت، حيدا أوميس، تأخذ طريقها للمرة الثانية لتزنيت، للقضاء على حركة الهبة الجديدة التي أخْبر بأنها شرعت في تهديد سوس بدعم من ألمانيا.

——————

(إفريقيا الفرنسية 1915/ ص:291-205).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M