عمر يظهر في القرية

22 ديسمبر 2015 01:00
قطعة من العذاب على متن رحلة الثلاثاء إلى نيويورك

عبد العزيز غياتي

هوية بريس – الثلاثاء 22 دجنبر 2015

“ما بالكم تنظرون إلى المنكر ولا تغيّرونه ولا تستنكرونه “، كان هذا جوابه حين أخبره أحد المنتخبين أنّ السكّان يطلقون عليه لقب (عمر بن الخطاب)، كذلك لقبته إحدى السيّدات وهي تخاطب رفيقها بينما مرّا إلى جانبي وهما يتجادلان بصوت مرتفع، وقالت إنّه لولا خوفي من (عمر بن الخطاب) لفعلت بكم ما تكرهون.

وإذا كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم عادلا ولا يخاف في الحقّ لومة لائم، فكذلك صاحبنا، أو على الأقل كان يسدّد ويقارب ويصيب ويخطئ، ممّا جعله شخصيّة فريدة ونادرة بالنّظر إلى القطاع الذي يشتغل به الذي هو الأمن، والزمن الذي تسلّم فيه المسؤولية وهو أواسط الثمانينيات من القرن الماضي.

وقبل الحديث عن الحكايات التي تناقلتها الآذان عن الألسن لابدّ من عرض صورتين التقطتهما العين المجرّدة بدون (رتوش)، وكما يقال ليس من رأى كمن سمع، وتتعلّق الأولى بجنبات النّهر والوديان والخلوات التي يرتادها كلّ من أراد احتساء خمر محليّة أو وطنيّة الصنع مخلّفين وراءهم آثارا تدلّ على أنّهم مرّوا من هنا، وهي عبارة عن زجاجات فارغة أو بعض الزجاج المتبقّى منها بعد تكسيرها، أو أكياس بلاستيكية فارغة استُعملت لتعبئة (ماحيا) المقطّرة بطريقة تقليديّة، كلّ تلك الآثار لم يعد لها وجود بعد ظهور (عمر)، وقد حاولتُ دون جدوى العثور على بعض منها، ممّا يعتبر مؤشّرا على أنّ ظاهرة السكر في الأماكن الخالية بعيدا عن الأعين وما يرافقها من دعارة وغيرها اختفت بعد سنة أو سنتين من ظهور (عمر).

اختفت كما اختفت بنات اللّيل اللّواتي كنّ يمارسن الدّعارة بالنّهار واللّيل ومنذ زمن في بيوت متراصّة في آخر الشارع الرّئيسي، واختفت كذلك المنظّمة (الباطرونة) التي تتكلّف لهنّ بالوساطة وتدبّر الحماية وذلك بعد حملة استنفر لها (عمر) ما استطاع من قوّة ورجال الأمن وتلكم هي الصّورة الثانية بدون (فوطوشوب).

أمّا ما تناسل من حكايات حول عدل الرجل وشجاعته، وحول ذكائه وخبرته الميدانية فلا حصر لها، ويمكن أن نذكر منها ما ترك في الذاكرة نقشا وفي النفس طيّب الأثر، فذلك اللّص الذي أرّق السكّان الفلّاحين منهم خاصّة حيث كان يسطو على الماشية باللّيل وأمام أعينهم، وضع له (عمر) حدّا وألقى عليه القبض، والمفاجأة أنّه خلال التحقيق معه جرّ إلى المساءلة والاعتقال بعض علية القوم والذين اتُّهموا باشتراء المسروق، كما يُحكى أنّ (عمر) لم يستجب للوساطات بل لم يستسلم للضغوطات التي تحركت لإطلاق سراحهم وتبييض صفحتهم، وقال دعوني أنهي عملي وأنتم أحرار بعد ذلك أن تفعلوا بهم ما تشاؤون في المراحل التالية للتحقيق.

ويُحكى أنّ (عمر) التقى فلّاحا يحمل على كاهله محرّك ضخّ المياه بعد أن أنهى سقي أرضه، وقد اعتاد الفلّاحون فعل ذلك بعد أن كثرت سرقة الآلات الفلاحية من الحقول، وبعد التأكد من أنّ الفلاح هو المالك الحقيقي لهذا المحرّك أمره بإعادته إلى مكانه ووعده وهو واثق من نفسه بالعثور على السارق والمسروق في حالة تعرّضه للسرقة.

كما يُحكى أنّ (عمر) توصّل إلى سارق بيت أحد المواطنين بأن أوعز إلى هذا الأخير أن يخبر أوّل شخص يسأل عن سبب قدوم رجال الأمن إلى بيته أنهم جاؤوا يسألون عن هذا الشخص نفسه، وأنّه مطلوب للتحقيق معه، وبذلك يكون المجرم الذي حام حول مكان الجريمة قد جنت عليه يداه وأوقعته رجلاه في شرّ أعماله.

وقبل أن يكون الأمن أرقاما ماديّة، فهو إحساس لا يعرفه إلّا من أمسى وبات، وأصبح وظلّ آمنا على نفسه وعرضه وماله، وإن كان الفرق يستطيع أن يُحدثه لاعب واحد، حسب لغة كرة القدم، فحين غاب (عمر) اختفت معه بحبوحة الأمن، واختفت معها درّاجتي الهوائية التي سرقها من داخل حديقة البيت ذلك الذي عاد مع حليمة إلى عادتها القديمة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M